سمو وزير الدفاع يتلقى اتصالا من وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    نائب رئيس مجلس الشورى يلتقي النائب الأول لرئيس البرلمان اليوناني    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر بيانا بحكم التحول الجنسي واستخدام الذكاء الاصطناعي    السعودية للكهرباء" تشارك في مؤتمر "الطاقة العالمي" بنسخته ال 26 بهولندا    مارتينيز سعيد بالتتويج بلقب الدوري الإيطالي في قمة ميلانو    الصندوق السعودي للتنمية يوقّع اتفاقية تنموية لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة بسلطنة عمان    نيابة عن خادم الحرمين .. أمير منطقة الرياض يحضر حفل تسليم جائزة الملك فيصل العالمية    ارتفاع أسعار النفط إلى 87.39 دولارًا للبرميل    طرح تذاكر مباراة الاتحاد والشباب في "روشن"    العين الإماراتي يختتم تحضيراته لمواجهة الهلال    قيادات أمن الحج تستعرض الخطط الأمنية    ريادة "كاوست" تحمي التنوع بالبيئة البحرية    "آمن" يواجه التصيّد الإلكتروني بالتوعية    ارتفاع في درجات الحرارة على منطقتي مكة والمدينة وفرصة لهطول أمطار بالجنوب    الإعلام والنمطية    «مسام»: نزع 857 لغماً في اليمن خلال أسبوع    منح السعوديين تأشيرة «شنغن» ل 5 سنوات    «السيادي السعودي».. ينشئ أكبر شركة أبراج اتصالات في المنطقة    «أرامكو» تبحث الاستحواذ على 10 % في «هنجلي» الصينية    3 آلاف مفقود تحت الأنقاض في قطاع غزة    تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي    الرباط الصليبي ينهي موسم "زكريا موسى" مع أبها    في إياب نصف نهائي دوري أبطال آسيا.. الهلال في مهمة صعبة لكسر تفوق العين    تقدير أممي لجهود مركز الملك سلمان في اليمن    «تيك توك» ينافس إنستجرام بتطبيق جديد    الشورى يوافق على مشروعي السجل والأسماء التجارية    الأزهار البنفسجية تكّون لوحة جمالية.. «شارع الفن».. مناظر خلابة ووجهة مفضلة للزوار    تجربة ثرية    غربال الإعلام يصطفي الإعلاميين الحقيقيين    الأمانة العلمية    «أضغاث أحلام» في جامعة الطائف    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    علماء الأمة    النسيان النفسي    اختلاف زمرة الدم بين الزوجين    عيسي سند    جمعية عطاء تدشن برنامجي قناديل وعناية    العين بين أهله.. فماذا دهاكم؟    ماذا يحدث في أندية المدينة؟    سلسلة من الزلازل تهز تايوان    حاجز الردع النفسي    قصور الرياض واستثمارها اقتصادياً    أمير حائل يفتتح أكبر قصور العالم التاريخية والأثرية    أمير حائل لمدير قطاع الحرف: أين تراث ومنتوجات حائل؟    شعوب الخليج.. مشتركات وتعايش    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    أمير الحدود الشمالية يطلع على برامج التجمع الصحي    مساجد المملكة تذكر بنعمة الأمن واجتماع الكلمة    نائب أمير جازان يدشن حملة «الدين يسر»    الرياض تستضيف معرضاً دولياً لمستلزمات الإعاقة والتأهيل.. مايو المقبل    محافظ طبرجل يطلع على الخدمات البلدية    أكثر من ثمانية آلاف ساعة تطوعية في هلال مكة    «البيئة» تُطلق مسابقة أجمل الصور والفيديوهات لبيئة المملكة    الزائر السري    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    وزير «الإسلامية» للوكلاء والمديرين: كثفوا جولات الرقابة وتابعوا الاحتياجات    انطلاق منتدى «حِمى» بمشاركة محلية ودولية.. ريادة سعودية في حماية البيئة لمستقبل العالم والأجيال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب المراحل الثلاث بدأت بصناعة «داعش» وتنتهي بإسقاط إيران
نشر في عكاظ يوم 01 - 07 - 2014

تمر المنطقة العربية الآن بحالة ترقب حذر لما قد يترتب على الأحداث، والتطورات الجارية هذه الأيام في العراق بصورة أكثر تحديدا..
فهناك وضع سياسي وأمني بلغ أقصى درجات الاحتقان بين رئيس الوزراء نوري المالكي ولا سيما بعد سعيه إلى تجديد فترة ولايته لخمس سنوات أخرى.. وبين القوى والتيارات السياسية والعشائر والأكراد التي اعتبرت ذلك بمثابة تحد صارخ لها بعد ان كانت تؤمل في انتهاء فترة ولايته وإعادة صياغة مؤسسة الحكم من جديد عبر شراكة حقيقية بمساهمة مختلف التكتلات السياسية.
حقيقة الوضع في العراق
ففي وقت كانت فيه العشائر.. تؤكد رفضها لهذا الواقع الجديد بقوة وتحشد كل قواها لمواجهته بالثورة عليه.. ظهر تنظيم «داعش» على الأرض.. واختلطت الأوراق.. ولم يعد يعرف من الذي سيطر على مدن «الموصل» و«تكريت» و«الأنبار» وبات هناك من يهدد بدخول بغداد وإلقاء القبض على المالكي وفرض واقع جديد في العراق كله.
فالعشائر.. تتحدث عن أنها هي التي اجتاحت المدن العراقية بقدرة أبنائها من الثوار بمواجهة نظام «طائفي» و«فئوي» وغير عادل.. في الوقت الذي يتحدث تنظيم داعش عن مسؤوليته عما جرى ويجري.. ويتعمد بث «فيديوهات» فظيعة لعمليات قتل مأساوية لشباب المدن التي دخلوها كما يقولون.
والصورة نتيجة هذا الواقع الجديد مربكة وغير واضحة.. لأن أحدا لا يعرف حقيقة ما يحدث.. هل من قام بهذا الاجتياح لتلك المدن هو «العشائر» أم «داعش»؟ وما إذا كان بينهما تحالف حقيقي أدى إلى سقوط المدن العراقية في أيديهم بعد أن جمعت بينهما صفتان هما: المذهب السني.. وإرادة التغيير لنظام طائفي جائر حارب ويحارب السنة في بلده.. مؤتمرا بأوامر إيران ويحقق مطامحها في بلادهم.
طبخة إيرانية خطيرة
هذه الصورة تقابلها صورة أخرى غير مفهومة أيضا..
ففي الوقت الذي تسعى إيران إلى سيطرة شيعية كاملة تنطلق من العراق.. على حساب أغلبيته السكانية السنية.. فإن هناك من يرى أن تنظيم داعش هو «صناعة إيرانية بحتة».. رغم أن داعش كما هو معروف تعتنق المذهب السني وفقا لمفاهيمها هي.. ولأجنداتها السياسية الخاصة بالتنظيم.
لكن.. هناك من يرى أيضا أن السياسات الإيرانية وإن حرصت على نشر المذهب الشيعي ودعم الوجود الشيعي في المنطقة والعالم.. إلا أنها توصلت في الآونة الأخيرة إلى قرار يساعدها على تحقيق هذا الهدف بأدوات سنية.. أو غير شيعية بشكل عام.. وحرصت على أن تتمدد حتى داخل أتباع الديانة المسيحية أيضا.
وهي تعتمد في هذا على منطق «وصولي» يقول «استخدام أهل الدار كفيل بتحقيق الأهداف الكلية لإيران الشيعية في المنطقة بصورة أسرع.. وأقوى.. وأبعد تأثيرا».
وهكذا نستطيع أن نفهم سبب أو أسباب صناعة إيران لداعش في العراق وسوريا.. وتبني القاعدة من قبل في كل من أفغانستان وباكستان واليمن وفي كل مكان توجد فيه.. وكذلك تبنى «الحوثيين» في شمال اليمن.. مستفيدة من أن هؤلاء يشكلون أدوات جاهزة للعمل داخل بلدانهم أو خارجها لإحداث التغيير الذي يريدونه أو يسعون من خلاله إلى بسط نفوذهم في كل مكان لمعرفتهم بطبيعة شعوبهم.. وطريقة اختراق دولهم في العمق..
والشاهد على ذلك هو آلاف المعسكرات التي ينظمها الحرس الثوري في داخل إيران لتدريب عناصر هذه التنظيمات والدفع بها إلى داخل أوطانها أو إلى البلدان المجاورة لها بهدف إحداث قلاقل كافية تمكنها من السيطرة على الموقف بقوة.
أهداف إيران الاستراتيجية
والأخطر من كل هذا هو أن إيران.. عندما وضعت طبخة «داعش» و«النصرة» وزجت بهما إلى داخل سوريا.. إنما أرادت بذلك أن تحقق هدفين هما:
أولا: ترويع نظام الأسد بالداخل وابتزازه حتى يشعر بخطورة هؤلاء عليه.. وبحاجته القصوى إلى الدعم الإيراني المباشر له بمواجهتهم بصورة مباشرة.. أو عن طريق استخدام حزب الله كذلك.. في أوسع عملية ابتزاز آتت أكلها كما نلمس ونرى.
ثانيا: دعم النظام السوري في مرحلة تالية والعمل على حمايته والسعي إلى استمراره عن طريق خداع العالم.. بدءا بالمنظمة الدولية ومبعوثيها ومرورا بالولايات المتحدة الأمريكية وانتهاء بالأسرة الدولية.. وذلك بإثارة القلق من خطورة البديل الذي يسعى إليه المجتمع الدولي لنظام الأسد وذلك بالتذكير بوجود إرهابي حقيقي داخل سوريا.. وأن إسقاط نظام الأسد معناه التمكين لهذه التنظيمات الإرهابية المسعورة.. والأغرب من هذا أن «روسيا» تبنت مخطط إيران القائم على جلب هذه التنظيمات الإرهابية إلى الداخل السوري.. بل وافتعلت حالة تضاد وصراع مع وضد النظام حتى تضخم الصورة أمام الأسرة الدولية.. وتشعرها بأن البديل لنظام الأسد سيكون أسوأ.. وإذا سلمت سوريا لهذه التنظيمات الخطيرة فإن المنطقة بأسرها ستسقط في يدها..
عندها توقفت أمريكا عن إجراءات قوية كانت قد أعلنت عنها ضد الأسد ونظامه.. كما تراجعت أوروبا إلى الخلف خطوات عديدة.. وتلكأت الأمم المتحدة في اتخاذ قرارات حازمة.. وسيطر الانقسام على موقف المجتمع الدولي وجاءت النتيجة في النهاية لصالح بشار الأسد حتى الآن لا سيما بعد أن أوقفت كل أشكال المساعدة المادية والعسكرية عن الجيش الحر.. وكذلك عن الائتلاف الذي يقود الثورة على النظام.. وذلك اعتبر بمثابة انتصار لكل من إيران.. وروسيا.. وللنظام السوري المستبد الذي تكرس بإجراء انتخابات صورية فرضته لفترة جديدة على الشعب السوري وكذلك على الأسرة الدولية التي وجدت نفسها أمام حالة محيرة.. ومعقدة من جديد.. وإن لم تنته القصة حتى الآن.
تلك هي إيران.. بسياساتها «الديماغوجية».. وهي وإن حققت بهذه السياسة حتى الآن بعض المكاسب.. رغم التكلفة العالية التي دفعتها أو تدفعها من قوت الشعب الإيراني إلا أنها لن تستطيع الرهان عليها إلى الأبد.
الالتقاء بين فكر إيران وفكر داعش
لذلك، فإن ما يحدث في العراق الآن.. هو فصل جديد في سياسات إيرانية تقوم على «صناعة الإرهاب» و«تعليبه» و«تصديره» إلى الأوطان.. لإيجاد حالات توتر شديدة في كل مكان.. وزراعة الأعوان في كل ناحية.. والتأثير على معنويات الشعوب.. وإرهاب الأنظمة القائمة باستخدام أدوات محلية في معظم الأحيان أو مستوردة من أوطان أخرى ولكن تحت مظلة «دينية» تقوم على التشدد وتمتهن العنف.. وتشيع أشكال «القلق» و«الفوضى» و«الاضطراب» في كل مكان.
وتبعا لذلك.. فإننا نستطيع القول إنه لا تناقض أبدا بين فكر إيران الشيعي.. وبين وسائلها وأدواتها السنية المستخدمة لتحقيق أهداف سياسية تسمح لها بالسيطرة على المنطقة بعد أن تكون قد أسلمتها لحالة من الخلخلة الشديدة.
كما أنه ليس غريبا أن تكون إيران وراء ولادة ودعم وتقوية تنظيم داعش وإمداده.. بالقدرات العسكرية.. والمالية.. وبالتدريب والتأهيل والتخطيط وبالدعم اللوجستي.. إذ إن آلاف الخبراء الإيرانيين يعملون مع هذا التنظيم وسواه.. ويوجهون عملياته بصورة مباشرة بقيادة الحرس الثوري الإيراني.. نحو أهداف استراتيجية محددة.
تلك هي الصورة الحقيقية لما يجري الآن في العراق.. ولما جرى من قبل في سوريا.. ممثلا في الدعم المفتوح الذي تقدمه إيران لرئيس الوزراء العراقي «نوري المالكي» بحكم التقاء واتفاق مصالحهما معا..
وبنفس القدر الذي التقت فيه مصالح إيران مع مصالح رئيس الوزراء العراقي بالقدر الذي التقت مع أهداف «داعش» و«توجهاتها».
العنف لهزّ الاستقرار هدف مشترك
وكما هو معروف.. فإن فكرة التنظيمات الإرهابية المنسوبة إلى الإسلام بدءا بالقاعدة وانتهاء ب«داعش» ومرورا ب«النصرة» قائمة على أن المجتمعات العربية والإسلامية مجتمعات فاسدة.. وبالتالي فإنها - في نظرهم - بعيدة عن الإسلام.. ويجب تكفيرها وقتالها.. وسفك دماء ولاتها وشعوبها.
هذه الفكرة «الظلامية» المأزومة تتجسد من خلال حقائق (3) هي:
(1) إباحة القتل وسفك الدماء وتدمير الدول والأوطان.
(2) الخروج على الحاكم.. وحتى على المجتمعات الكافرة (من وجهة نظرهم) وصولا إلى:
(3) إقامة الدولة الإسلامية وفقا لمعاييرهم وقناعاتهم.
وهذا يعني.. أن هذه التنظيمات جعلت نفسها في حالة حرب دائمة مع الدول والشعوب والمجتمعات.. وهي حالة معقدة ومكلفة وتحتاج إلى «نصير» يقف وراءها.
ولأن إيران تملك أطماعا كثيرة في المنطقة وفي خارجها..
ولأنها أدركت هذه الحاجة تماما عند أصحاب هذه الفكرة.. فإنها لم تتردد في التلاقي معهم.. بصرف النظر عن الاختلاف المذهبي بينهم.. وقدمت لها كل التسهيلات واستضافتها في إيران وأنفقت على خططها وبرامجها في الخارج.
حدث هذا ليس لأن إيران تتفق مع هذه التنظيمات في فكرة الصدام مع الأنظمة والشعوب بدوافع فكرية.. وإنما لأن عملية الاصطدام هذه تلتقي مع الأجندة الإيرانية القائمة على زعزعة الاستقرار في المنطقة وإثارة الفتن في أرجائها.. وبذر بذور حالة انعدام الثقة بين الشعوب والأنظمة فيها والتركيز على الخلافات المذهبية وتعميق الشروخ بينها.
وبما أن داعش.. قريبة من هذه الأهداف.. فقد قام نوع من تكامل الرؤية بينها وبين الإيرانيين لخدمة مصلحة مشتركة هي «تغيير» الأنظمة.. وإرغام الشعوب على الإيمان بأفكارها.. وإعلان قيام «الدولة الإسلامية» وفقا لما يخططون له.. ويريدون الوصول إليه في النهاية.
¶ ¶ ¶
دور الدول الكبرى في الأحداث
وعلى جانب آخر..
فإن الدول التي تخطط ل«شرق أوسط جديد» ظلت تراقب هذا الوضع عن كثب.. تغذيه من ناحية.. وتوسع دوائره من جهة أخرى.. وتمارس به ضغوطا شديدة على دول المنطقة بداعي التحديث والتطوير تجنبا للتغييرات القسرية.. فإذا حدث شيء من ذلك سارعت إلى مباركته في ناحية.. أو رفضه في ناحية أخرى.. أو دعمه في منطقة تالية بوسائل مختلفة..
كل ذلك بهدف «إنضاج الطبخة».. لإيصال المنطقة إلى حالة الاستواء التام.. وهدم المنظومة بالكامل وإعادة رسم خارطتها من جديد..
ولذلك فإنه ليس غريبا أن تفتح هذه القوى جبهة العراق فور أن صلح الوضع في مصر.. وذلك للإبقاء على حالة الغليان في أعلى مستوياتها.. ليس فقط في العراق.. وإنما بالتهديد لدول مجاورة له.. كالأردن.. والكويت.. والمملكة.. وهو الوضع الذي دفع الدول الثلاث إلى رفع حالة التأهب فيها إلى الدرجة المناسبة بعد أن أعطت الأمر جدية كافية لإدراكها بأن المخطط مستمر.. وبأن إشعال المنطقة وليس تهدئتها هدف لا تراجع عنه.. وغاية لا يمكن تأجيل تحقيقها.
وهذا يعني.. أنه ورغم الاختلاف الفكري بين كل من منظمة القاعدة وجيبها الجديد «داعش» وبقية المنظمات المماثلة لها.. وبين إيران من جهة.. وبينهما وبين الغرب من جهة ثانية.. إلا أن الجميع يتفقون على هدف واحد هو «ضرورة التغيير» في المنطقة بخلق حالة دائمة من عدم الاستقرار في أرجائها.
حرب المراحل الثلاث
وهذا لا يعني أن الأهداف الأبعد لكل منها رغم تباينها هي الآن في حكم المؤجل وغير المنظور.. حتى يتحقق الهدف المشترك بينهم وهو تغيير الأنظمة.. وتحويل دولها إلى فوضى عارمة.. يؤملون أن تؤدي في النهاية إلى تحقيق كل منهم لأهدافه.
لكن الشيء المؤكد هو أن المنطقة الآن تشهد «حرب المراحل» وأنه لا داعي للتفكير في المرحلة النهائية وأن ما يجب التركيز عليه الآن هو: كيف التخلص من أنظمة قائمة وإشاعة حالة من الارتباك الشديد في المنطقة.. وإثارة الرعب لدى الشعوب من المستقبل.. وهي حالة تؤدي - من وجهة نظرهم - بهذه الشعوب إلى القبول في النهاية بأي نظام.. وبأي صيغة.. وبأي وضع.. سواء أرادت تلك الشعوب ذلك أم لم ترده.
وهذا يعني أيضا.. أن اتفاق الأطراف الثلاثة (إيران) و(المنظمات الإرهابية) و(الغرب) على هدف عام مشترك سيؤدي إلى إدخال المنطقة في حالة اسوأ مما هي عليه الآن.. لماذا؟!
لأن كلا من الأطراف الثلاثة سوف يسعى إلى أخذ نصيبه من الغنيمة بعد انتهاء الفصل الأول من المسرحية العبثية الجارية الآن..
وما أتوقعه للمرحلة الثانية هو: تفرغ إيران لتسوية أوضاع هذه التنظيمات الإرهابية.. بالعمل على التخلص منها بعد أن استعانت بها في خلخلة المنطقة من الداخل في المرحلة السابقة.. وذلك بالسعي إلى عدم تمكينها من تطبيق أفكارها ونظرياتها وتوجهاتها «الظلامية» في المنطقة، من خلال الآيدلوجية الإيرانية المختلفة تماما عن فكر هذه المنظمات وأجنداتها.
وتراهن إيران على أنها سوف تجد دعما كافيا من المجتمع الدولي يساعدها على تصفية هذه المنظمات وتسويتها بالأرض.. بعد أن تكون استعانت بها في إسقاط العديد من الأنظمة الضعيفة بالمنطقة - حسب مخططها..
أما المرحلة الثالثة والأخيرة من الخطة.. والتي يجري التستر والتعمية عليها الآن أو تجاهل تفاصيلها لاعتبارات عديدة.. فإنها تتمثل في انفراد القوى الخارجية الكبرى بإيران نفسها بعد أن تكون قد ساعدتها في مرحلة سابقة على إسقاط أنظمة وخلخلة العديد من المجتمعات.. وإنهاك شعوبها.. وتدمير أوطانها.. وتكون هذه المرحلة بمجرد أن تبدأ إيران في التعامل مع تلك الدول «كند» وليس «كصنيعة» وكقوة وحيدة ضاربة في المنطقة، في ظل تواري إسرائيل وخفوت صوتها بصورة مؤقتة لاعتبارات استراتيجية مرسومة لها بدقة.
عندها ستتلقى إيران «ضربة شديدة» وقاصمة.. كي تصبح جزءا من مخطط إعادة رسم حدود جيوسياسية المنطقة من جديد.. وفق معايير تقوم على تعزيز مصالح تلك القوى والهيمنة الكاملة على مفاصلها.. بعد تفتيتها إلى دويلات صغيرة تتضاءل أمام «المارد الإسرائيلي الضخم» دون النظر إلى استحقاقات ومصالح دويلات المنطقة الجديدة تماما.
¶ ¶ ¶
لمن السيطرة في النهاية؟
وفي ظل هذا المنظور بمراحله الثلاث.. نستطيع أن نفهم ما يحدث الآن وبالذات من «تضخيم» متعمد لصورة «داعش» ومن رهانات على مستقبل المنطقة في ضوء ما يتردد ويذاع عن تواصل انتصاراتها على أرض العراق.. ومن دخول الأكراد طرفا على خط الأحداث هناك.. ومن دمج الحدود العراقية مع المنطقة السورية المجاورة.. ثم من إعلان داعش قيام الدولة الإسلامية أخيرا..
لكن أحدا لم يقل لنا: من هي داعش ؟! ولا من أين تستمد قوتها..؟! ولا من يعطيها كل هذه الإمكانية في الإنفاق او التحرك أو الضرب هنا وهناك؟
هذه الأسئلة.. لها إجابة واحدة هي:
أن إيران وراء صناعة هذا الكيان الخطر في منطقتنا.. وأن كلا من الروس والغرب يدعمونها لأهداف تخص كلا منهم على حدة.. وأن الأطراف المذكورة جاهزة لتقاسم الكعكة في النهاية.
وهذا يعني في المجمل أن هناك أخطارا حقيقية تتهدد المنطقة.. وأن هدف التغيير قد جمع بين الأعداء والأصدقاء.. وأن الأجيال القادمة ستعاني أكثر بكثير مما عانته الأجيال السابقة أو الحالية إذا هي لم تدرك خطورة ما يجري على الأرض.. وإذا هي لم تستوعب تلك الأهداف وفي مقدمتها استخدام شباب الأمة أدوات ووقودا لمعركة الاستيلاء على المنطقة في النهاية.. لأنهم يدركون تمام الإدراك أن من المستحيل تحقيق تلك الأهداف الخطيرة من خارج هذه المنطقة.. وأن تفجير طاقات الشباب داخل مجتمعاتهم هو الطريق الأقرب إلى اختصار الوقت وصولا إلى ذلك الهدف.
تحذيرات المملكة الهامة
من هنا سوف ندرك أهمية حالة التأهب التي تعيشها بعض دول المنطقة التي وضحت الصورة أمامها تماما.. كما ندرك أهمية تنبيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليلة رمضان المبارك متمثلا في إثارة النقاط التالية:
أن في عالمنا اليوم بعض المخدوعين بدعوات زائفة ما أنزل الله بها من سلطان واختلطت عليهم الأمور فلم يفرقوا بين الإصلاح والإرهاب ولم يدركوا أنها دعوات تدعو إلى خلخلة المجتمعات بتيارات وأحزاب غايتها زرع الفرقة بين المسلمين.
أن المملكة بما آتاها الله من فضل بخدمة الحرمين الشريفين وبما أوتينا من إيمان بثوابت هذا الدين الحنيف، ترفض الإرهاب بكافة صوره وأنماطه ولن تسمح لشرذمة من الإرهابيين اتخذوا هذا الدين لباسا يواري مصالحهم الشخصية ليرعبوا المسلمين الآمنين فيه.
كما نعلن أننا ماضون بعون الله تعالى في مواجهة ومحاربة كل أشكال هذه الآفة التي تلبست بنصرة تعاليم الدين الإسلامي والإسلام منهم براء.
إننا بما أوتينا من عزيمة وبتكاتف وتعاون أبناء هذه الأمة العظيمة سندمر هذه الآفة في جحورها المظلمة ومستنقعاتها الآسنة.
ونسأل الله جلت قدرته أن يجلو الغشاوة عن أبصار أولئك الضالين والمغرر بهم، المخدوعين بدعوات واهية حتى يروا حقيقة هذا الدين الحنيف، دين الإسلام والسلام الذي من أهم ركائزه الأمن في الأوطان.
رسالة هذا الدين ومنهجه منهج حوار وتعايش حضاري إنساني.
نسأله تعالى أن ينعم أشقاؤنا في جميع البلدان العربية والإسلامية بالأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي وأن يعم السلام جميع أنحاء العالم.
إن هذا يعني..
ان المملكة العربية السعودية تدعو إلى استراتيجية جديدة للتعاون بين العرب أنفسهم.. ثم بينهم وبين أمتهم الإسلامية، تقوم على (3) محاور.. محور سياسي.. ومحور اجتماعي.. ومحور اقتصادي.. وإن كان الأساس في هذه الاستراتيجية لا بد أن يعتمد على بيئة فكرية نظيفة تنطلق من الفهم الصحيح للإسلام أولا وأخيرا.. وبدون هذا الفهم فإن مخططات الأعداء ستستمر إلى النهاية على حساب الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.