قوافل المساعدات تحت القصف    ارتفاع قتلى الصراعات العالمية 72 %    التوتر الكوري.. طلقات تحذيرية على الحدود    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفيًا من رئيس وزراء كندا    الأماكن التراثية في الشرقية تجذب زوّار العيد    المملكة «ضيف شرف» في معرض سيؤول الدولي للكتاب    أمنٌ واطمئنانٌ لِضيوفِ الرحمن    رفع الجاهزية لاستقبال الحجاج الزائرين للمسجد النبوي    مخزونات المنتجات النفطية في الفجيرة تنخفض إلى 20.7 مليون برميل للمرة الأولى    جازان: القبض على 6 أشخاص لترويجهم 196 كيلوجراماً من «الحشيش» و7,228 قرصاً من «الإمفيتامين»    أجهزة رقمية متطورة تربط ضيوف الرحمن بذويهم    خادم الحرمين وولي العهد يتلقيان التهاني بنجاح موسم الحج    محمد بن عبدالرحمن: تسخير جميع الطاقات لخدمة الحرمين وضيوف الرحمن    نائب أمير مكة المكرمة يعلن نجاح حج 1445ه    "البيئة": مسالخ الرياض استقبلت في ثالث أيام العيد 13.235 ذبيحة    وزير الثقافة يهنئ القيادة بنجاح موسم الحج    المملكة تحقق المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر الأمن السيبراني    بنك التنمية الاجتماعية يختتم مشاركته في قمة اتحاد رواد الأعمال الشباب لمجموعة العشرين في البرازيل    أمير المدينة المنورة يقف ميدانياً على منظومة العمل في المسجد النبوي    الكشافة تُسهم مع قوة أمن الحرم المكي في إدارة الحشود    نائب أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح موسم الحج    نائب أمير منطقة مكة يعلن نجاح الحج لهذا العام ١٤٤٥ ه .    أمير منطقة تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح موسم الحج    «هيئة الطرق»: الخط المدني يُزيّن طرق المدينة المنورة    نجوم «روشن» يتألقون في يورو 2024    السعودية للكهرباء تعلن نجاح خطتها للحج وتسجل أحمال قصوى تاريخية    فتح القبول لحملة الثانوية للالتحاق بالكلية الأمنية    بطلة التايكوندو العالمية دنيا أبوطالب رابعة العالم    جمعية "كبار السن" تزور وتعايد كبار السن المنومين    دعوا إلى انتخابات جديدة ..متظاهرون يطالبون بإسقاط حكومة نتنياهو    بعثة القادسية تصل إسبانيا    هوكستين من بيروت: نسعى لتفادي حرب كبيرة    حاجة مغربية سبعينية تستعيد القدرة على المشي بعد استبدال مفصل الورك بتجمع مكة الصحي    أمطار بمعظم المناطق.. وأجواء حارة بالمشاعر    الهلال يُنهي إجراءات بيع بيريرا لكروزيرو    جامعة جازان إلى العالمية بالتنمية المستدامة    الطبقة الموسيقية الدولية: أداة توحيد للعزف والغناء    صفقة أسلحة أمريكية ضخمة إلى إسرائيل    طيار مصري يفارق الحياة في الجو… ومساعده يبلغ الركاب ويغير مسار الرحلة خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    مفتي عام المملكة يستقبل مدير عام الجوازات    الإمارات تخصص 70% من تعهدها البالغ 100 مليون دولار للأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية في السودان    6 نصائح للمتكممين خلال العيد    تعرف على درجات الحرارة في مكة والمشاعر المقدسة    هذا سبب ارتفاع أقساط السيارات في الوقت الحالي    نجاح مدهش اسمه «إعلام الحج»    بعوضة في 13 دولة تهدد إجازتك الصيفية !    في 2025.. ستصبح الشوكولاتة باهظة الثمن !    الرئيس المصري يغادر بعد أداء الحج    مصادر «عكاظ»: أندية تنتظر مصير عسيري مع الأهلي    جدة: منع تهريب 466 ذبيحة فاسدة    «ترجمان» فوري ل140 لغة عالمية في النيابة العامة    رسالة لم تقرأ..!    بديل لحقن مرضى السكري.. قطرات فموية فعّالة    5 مثبطات طبيعية للشهية وآمنة    فخ الوحدة ينافس الأمراض الخطيرة .. هل يقود إلى الموت؟    أمطار الرحمة تهطل على مكة والمشاعر    فرنسا تهزم النمسا في بطولة أوروبا    مدرب رومانيا: عشت لحظات صعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة لرواية الحمامة بعباءاتها السوداء
نشر في عكاظ يوم 23 - 05 - 2013

الولوج لعوالم الحمامة بعباءتها السوداء للروائية السعودية ليلى عقيل، والصادرة عن دار نينوى للدراسات والنشر 2012م، لا يمكن أن يتم دون الوقوف على أعتاب الغلاف الذي تفضح تفاصيله غواية العنوان الذي يبدو أن الكاتبة لم تجتهد في إخفاء تذمره وامتعاضه، كما لم تنزعج من شفافية معناه.
فالحمامة ليست سوى تلك الأنثى المحاصرة بالسواد، والمصلوبة أمام النافذة المحكم إغلاق قضبانها، والتي تمثل: «شرفتها الوحيدة لتأمل العالم» كما تقول الراوية.
ولا يخفى على متأمل ما تحمله العباءة السوداء من دلالة، فهي وإن كانت رمزا شائعا لتقدم هنا برهانا حسيا على سطوة التقاليد والأعراف التي لا تألو الكاتبة جهدا في الشكوى منها على امتداد صفحات الرواية التي بلغت مئة وثلاثين صفحة اكتظت بالصراعات الداخلية والمعارك النفسية لشخوصها.
تستهل الكاتبة معاناتها بالإهداء الذي يساند العنوان في فضح ملامح المأساة: «إلى الحرمان حين تضيق العقول عن إنسانيتنا» مذيلة الكلام بتوقيع السيدة (ن) التي نعلم لاحقا أنها إحدى ضحايا ذلك الحرمان.
نجحت الكاتبة في التسلل للعالم عبر الموت الذي تفوح رائحته، والذي تكرر ذكره في الصفحة الأولى فقط خمس عشرة مرة، في مقابل مرتين هما مجموع ذكر الحياة «أتجول في هذه الحياة دون أن يشعر بي أحد، والكشف عن عوالم الأنثى التي ترفض الكاتبة آراء الآخرين عنها: وأنتم ماذا تعرفون عن المرأة؟»، فيما تشغل إشكالية الموت والحياة، التحول والقرين مقدمة العمل التي زخرت بالاستفهامات المتفتقة عن قلق داخلي «هل رأى أحدكم موته كيف يغادره"؟
الموت والحياة مثل عقرب الساعة وأنا كنت ميناءهما.. من سيسبق الآخر؟
هل كنت سأموت وأنا أحلم؟... إلخ.
تتصاعد أحداث الرواية التي تحكي علاقة امرأتين اختلفت ظروف معيشتهما وتفاصيل حياتهما لتتمكنا معا من قهر الظروف والتمرد على الأعراف في قصة تزخر بالمنولوجات الداخلية الغاضبة والحزينة في ذات الوقت.
تسقط «ن» ضحية «يا» فتخسر زوجها وجنينها وتقدير أسرتها ومجتمعها.
ثم تخسر «يا» فتستعيد عافيتها ونقاءها وتكسب ذاتها.
تبرز في العمل ثلاث نساء: «ن» الضحية المسلوبة الإرادة و«يا» المتسلطة ذات الرغبات الشيطانية، والراوية التي قد تكون هي نفسها العائدة من مدائن الموت. وتتخفى أخريات في السياق العابر للأحداث، إذ تصر الكاتبة على إخفاء ملامحهن.
يلوح الرجل في أسمال لا تعدو كونه الشرقي المنهزم المسلوب الذي تحول العادات بينه وبين المجاهرة بحبه أو الاستماتة في الدفاع عنه، فلا يلبث أن يتخلى عن فتاته متسلحا بالطلاق.
والشرق في نظر ليلى ليس سوى اللغة المنسية بين دفاتر الريح «شرقنا هذا الذي نلملم شعثنا لرؤيته دون أي غشاوة ضبابية تغلف بصائرنا» إنه الشرق الذي تصرخ ناقمة عليه: «أي شرق هذا الذي أبحث ولم أزل غائبة عن وعيه»؟
ويضيق المكان بالكاتبة فلا تكاد تذكر سوى «جدة ، وماليزيا» ذكرا مجردا من أي انتماء روحي لأي من هذين المكانين.
يزخر العمل بالكثير من المفردات والأساطير الشعبية التي حرصت الكاتبة على توظيفها، والتي تمثل بيئتها الجنوبية التي بالغت في إخفاء اسمها واكتفت بذكر تفاصيلها وشيء من موروثها الشعبي «زهوا، النباش، الشمطري، يكشح الودع، الحناء»، كما يعالج الكثير من القضايا الاجتماعية التي ألمحت إليها دون الخوض في تفاصيلها؛ كالتباهي في الأعراس وقيادة المرأة للسيارة .
كما يظهر جليا ثقافة الكاتبة وإطلاعها، بدءا بالمقدمة التي تذكر برواية «اسمي أحمر» للروائي التركي أورهان باموق، والتي يستهلها بالاعتراف بحقيقة موته: «الآن أنا ميت». مرورا بالعطر للروائي الألماني باتريك زوسكيند والتي بدا أثرها واضحا في حديثها عن رائحة العرق «كم أمقت هذه الرائحة التي هي دلالة عميقة عن شخصية المخلوق، من خلال تنشقي لها أعرف نوعية الطعام الذي يتناوله الواقف إلى جواري، وكذلك الدواء وكمية الانفعالات، وهل هو عصبي المزاج، حار أم بارد الطباع؟، وانتهاء بالمعارف والفلسفات التي حرصت على تطعيم نصوصها بها ما وجدت لذلك سبيلا.
ومع كل ذلك، فالحمامة بعباءاتها السوداء نسيج مفعم بروح الكاتبة ولغتها التي أخذت طابعا شعريا وفلسفيا خاصا طوال حواراتها النفسية التي امتدت لتشمل كل تفاصيل العمل، فالراوية التي اتخذت العزلة وسيلة لمقاومة الهيمنة الذكورية تضج بالحكمة ويندلق السحر من أحاديثها الموسومة بالحزن: «ما الذي يعنيه انهيار الذات التي كنت منذ وعيك بالحياة تقاتل لإبرازها؟»، «أولئك الذين نتماهى معهم ونغزل أحلامنا بصحبتهم هم رغيف الحياة و شرابها»، تقابلها «ن» بمراراتها وانكساراتها الجلية في عباراتها الطافحة بصور الخذلان واليأس وحرارة الندم.
وعلى مدار الحكاية تفيض الأسطر بالجمل والتراكيب الشعرية التي تدعو لإعادة النظر والتأمل:
«ريح الشمال تزداد شوقا كلما أوغل حنينها للبحر، بقيت دون حراك كحجر يصب عليها الماء، للسقوف حكمة ربما لذلك علقت في الأعلى، الكلمات في فمي كطفل كسيح، الظل يأوي إلى سكنه حين تأوي الشمس».
وفي المجمل، فليلى عقيل صوت تهامي فريد قادم بقوة ليسجل حضورا مختلفا داخل الرواية السعودية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.