الهلال «المنقوص» يقصى الاتحاد ويحجز مقعداً في نهائي «أغلى الكؤوس»    سمو محافظ الخرج يكرم الجهات المشاركة في حفل الأهالي لزيارة سمو أمير المنطقة    سمو أمير منطقة الباحة يستقبل مدير شرطة المنطقة ويتسلم التقرير السنوي لعام 2023    الأمان في دار سلمان    المملكة ترشد 8 ملايين م3 من المياه    مشروع سياحي استثنائي ب"جبل خيرة"    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    الهلال يتفوق على الاتحاد ويتأهل لنهائي كأس الملك    الدراسة عن بُعد بالرياض والقصيم بسبب الأمطار    الوسط الثقافي والعلمي يُفجع برحيل د. عبدالله المعطاني    من أحلام «السنافر».. مانجا تعزز دورها في صناعة الألعاب    خبير قانون دولي ل«عكاظ»: أدلة قوية لإدانة نتنياهو أمام «الجنايات الدولية»    مدرب بلجيكا يؤكد غياب تيبو كورتوا عن يورو 2024    أمريكا تطلب وقف إمداد الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة    نمر يثير الذعر بمطار هندي    تطوير العمل الإسعافي ب4 مناطق    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية المكسيك يناقشان آخر التطورات في قطاع غزة ومحيطها    موسم الرياض يطرح تذاكر نزال الملاكمة العالمي five-versus-five    مهتمون يشيدون ببرنامج الأمير سلطان لدعم اللغة العربية في اليونيسكو    41 مليون عملية إلكترونية لخدمة مستفيدي الجوازات    محافظ الريث يستقبل مفوض الإفتاء الشيخ محمد شامي شيبة    عسيري: مناهضو اللقاحات لن يتوقفوا.. و«أسترازينيكا» غير مخيف    «جامعة نايف العربية» تفتتح ورشة العمل الإقليمية لبناء القدرات حول مكافحة تمويل الإرهاب.. في الرياض    أغلى 6 لاعبين في الكلاسيكو    دوريات «المجاهدين» بجدة تقبض على شخص لترويجه مادة الحشيش المخدر    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    ميتروفيتش ومالكوم يقودان تشكيلة الهلال ضد الاتحاد بنصف نهائي كأس الملك    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لجودة الحياه    مساعد وزير الدفاع يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية في إسبانيا    نائب أمير مكة يطلع على الاستعدادات المبكرة لحج 1445    وزير الصناعة والثروة المعدنية يرعى أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2024    اجتماع الرياض: إنهاء حرب غزة.. والتأكيد على حل الدولتين    مفوض الإفتاء بالمدينة: التعصب القبلي من أسباب اختلال الأمن    مجلس الوزراء يجدد حرص المملكة على نشر الأمن والسلم في الشرق الأوسط والعالم    3000 ساعة تطوعية بجمعية الصم وضعاف السمع    الحقيل يجتمع برئيس رابطة المقاولين الدولية الصينية    شؤون الأسرة ونبراس يوقعان مذكرة تفاهم    مدير هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة نجران يزور فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    فهد بن سلطان يطلع على الاستراتيجية الوطنية للشباب    وزير الطاقة: لا للتضحية بأمن الطاقة لصالح المناخ    الصحة: تعافي معظم مصابي التسمم الغذائي    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 34.535 شهيدًا    فيصل السابق يتخرج من جامعة الفيصل بدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الثانية    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في منظمة سيجما الدولية    إطلاق هاتف Infinix GT 20 Pro الرائد    الفرص مهيأة للأمطار    الذهب يتراجع 4.6 % من قمته التاريخية    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    وهَم التفرُّد    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    لوحة فنية بصرية    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرفض كل دعاوى الحرية والمرأة تهان في الشارع
نيويورك صدمته ثقافياً .. د. سعيد أبو عالي الغريب على أمريكا ل «عكاظ»:
نشر في عكاظ يوم 09 - 07 - 2010

قطع مدير عام التربية والتعليم في المنطقة الشرقية سابقا ورئيس تحرير مجلة الشرق ونائب رئيس النادي الأدبي في كل من الباحة والشرقية الأستاذ الدكتور سعيد عطية أبو عالي، شوطا طويلا من الألم انبثق عنه أمل طرق أبواب التعليم في وقت كانت الإمكانيات شحيحة والأفكار ممتزجة بأيديولوجية ذات صبغة اجتماعية معقدة، فانبرى للثقافة والصحافة عله يخرج بشيء يصحح المفاهيم، وتولى دفة الريادة في تأسيس
أول بوابة للثقافة في المنطقة الشرقية، ومن غرفة مجاورة لمكتبه في تعليم المنطقة أسهم في بناء خطط وأهداف لناد وليد أصبح اليوم يشار إليه بالبنان.
قصة نجاح باهرة، ومسيرة عمل فذة كشف عنها أبوعالي في حواره ل«عكاظ» مستعرضا من خلاله تجربته في ميادين التربية والتعليم والثقافة والأدب والصحافة ورحلته إلى أمريكا لمواصلة دراساته العليا.
«عندما كلفت بتدريس مادة اللغة الإنجليزية لطلاب السنة الرابعة النهائية في كلية التربية في مكة المكرمة، كان البعض لا يؤمن بجدوى دراسة لغة أجنبية بل يرون في دراستها مخالفة للدين ومع هذا تغلبت على هذه الآراء وأكملت التدريس في هذا التخصص». وعندما وصلت إلى نيويورك واجهتني صدمة ثقافية عظيمة وأخذني التفكير في كل ما حولي فوجدته غريبا: أصوات الناس والمحال التجارية وشعرت بغربة فتساءلت: لماذا جئت إلى هنا، ولماذا أقطع كل هذه المسافات.. ولماذا لا أدرس في بلد عربي.. ولماذا تركت أمي وزوجتي وأطفالي وهل سأنجح؟ وعندما سأله رئيس قسم اللغة الإنجليزية أثناء رسالة الدكتوراة عماذا سيأخذ معه من إمريكا إلى السعودية وما الذي سيدعه، قال: «سأخذ إعجابي بحب الأمريكيين لبلدهم وحبهم للعمل، وسأترك هنا التفكك الأسري فقد أغرق المجتمع الأمريكي في مبدأ الاستقلالية فتركوا أبناءهم، وسأترك حرية المرأة فقد رأيتها تضرب وتهان في الشارع». وعندما انبرى منافحا عن المملكة والملك فيصل والتاريخ الإسلامي، انفجرت زميلة إمريكية له باكية بحرقة ونشيج متواصلين، ولما سألها عن سر بكائها، فاجأته بقولها: «أبكي لأنه ليس لنا في أمريكا تاريخ، فالناس يتحدثون عن تاريخهم بآلاف السنين، ونحن لم نكمل مائتي سنة بعد الاستقلال ونحاول أن نحكم العالم ونفرض على الناس نظمنا وأساليب حياتنا».
• محطات حياتكم وتجاربكم متعددة، أين كان المولد والنشأة، وما أبرز ملامح تلك الحقبة؟
أنتمي لأسرة من قرية العبالة في وادي العلي من بني ظبيان في منطقة الباحة، وهي إحدى القبائل المعروفة بين قبائل غامد. توفي والدي -رحمه الله - عام 1364ه وأنا صغير وبعد وفاته أشرفت والدتي -رحمها الله- على تربيتي وأخوتي من البنين والبنات وبناء علاقة من الاحترام والتقدير والمودة شملتنا جميعا، فوجدت نفسي حينها مطيعا لأخي مسفر وكان الأكبر فينا ومنفذا لكل ما يريد، فرغم طفولته المبكرة إلا أنه أصبح يؤدي دور الرجل الكبير في البيت وخارجه، فتأثرت بهذه الشخصية وشققت منهجه وطريقته في الحياة إلى جانب أخي علي -رحمه الله- وعندما أتذكر تلك المرحلة من الحياة تتساقط على خدي دموع على تلك اللحظات التاريخية من عمري.
• وماذا عن القرية وصور الحياة فيها آنذاك؟ وهل لتلك الوديان والسفوح أثر على شخصيك؟
تشرف قريتي من الجنوب على واد فسيح تكسوه الخضرة وتحفه الجبال من الشرق والغرب يسمى وادي العلي، كانت تبكيني تلك المشاهد اليومية لأناس أتذكرهم عندما يغدون إلى مزارعهم ومراعيهم كل صباح، ورغم بساطة حياتهم ومحدودية علمهم كانوا يرددون القصص والعبر، ويسألون عن بعضهم البعض وينشدون عن أحوالهم ويستبشرون بالعائد من سفره ويتحدثون عن الأسواق والأسعار والطقس وأخبار الحكومة والحكام، كل هذا علمني درسا لن أنساه ما حييت بل كان منهجا شققت به طريقي نحو الحياة فكانت القرية وأهلها مصدرا من مصادر المعرفة أولوني حبا وتقديرا وأرجو الله أن ألقاهم في جنات النعيم.
• المدرسة.. أين مكانها في قلب وذهنية الدكتور أبو عالي، كيف كانت، وماذا كنتم تدرسون؟
قصتي مع الدراسة طويلة مرت بمراحل عديدة وعصيبة: ألحقتني أمي -رحمها الله- بمدرسة يقال لها مدرسة بني ظبيان عام 1368ه فكنت أدرس القراءة والكتابة والحساب حتى أتقنتها على يد شيخي وأستاذي سعيد بن أحمد السبالي الزهراني -رحمه الله- فأحببته كثيرا ولفرط محبتي له كنت أقلد صوته وأترقب سيره فأعمل مثل ما يعمل، كنت أقلد خطه حتى أصبح خطي مثل خطه، فتأثرت بشخصيته التي كانت مرهوبة الجانب وكان يعاونه في التدريس الشيخ عثمان المنصوري -رحمه الله- فتركت الدراسة بعدها واتجهت لمكة المكرمة، حيث الناس وقتها يتحدثون عن السفر طلبا للرزق، حتى أن بعضهم كان يبعث بنقود ومعها أكياس من الشعير والقمح والذرة فتملكتني فكرة السفر التي قوبلت في بادئ الأمر بالرفض من والدتي، لكن ما هي إلا أسابيع قليلة حتى قبلت وكان ذلك عام 1369ه. حتى أن من المواقف الطريفة أثناء السفر عندما هممنا بركوب السيارة التي ستقلنا إلى مكة المكرمة والتي كان يطلق عليها (اللوري) وتتسع لقرابة ال20 شخصا، حيث كانوا يجلسون القرفصاء جميعهم بل كانوا يتشاجرون من أجل التوسع في المكان وإفساحه من شدة الازدحام داخل ذلك الحوض الكبير وعندما تحركت السيارة وأنا على ظهرها أحسست أن كياني كله قد انهدم وشعرت بأنني سأسقط على الأرض لدرجة أن وجهي تشربته حمرة وتبحلقت عيناي ومددت يدي ممسكا بابن عمي الذي رافقته في السفر ناظرا إلي بنظرة الغرابة والدهشة وضاحكا مما أعمله حتى أنني صرخت بصوت عال «بأطيح بأطيح» فهدأ من روعي حتى أطمأنت نفسي، وبعد عناء طويل وأيام قضيناها في السفر وصلنا مكة وعملت لدى أحد التجار واسمه عباس خيرو مقابل جعل (جواد) وقضيت قرابة العام ونصف العام بمبلغ مائتي ريال، وكان عملي مشتركا بين الدكان والمنزل من صلاة الفجر حتى منتصف الليل وكنت أراقب ابنا له يدرس في مدارس الفلاح يقال له عبد الرزاق وأخذ بعض كتبه وأقرأها خلسة، حتى أنني كنت ألح في التساؤل لماذا لا أكون مثله؟ ماذا بي؟ لماذا لم تكن لي فرصة في الدراسة مثله فقررت الهرب والخلاص من هذا العمل فهربت إلى جدة، فلم يرحب بي هناك وسرعان ما عدت إلى مكة لأعمل في الدكان بعد وساطات ولم أستقر كثيرا، حيث كنت أهرب منه وأذهب للحرم المكي وأشتري كتاب الطوافة وأعرض على المعتمرين أن أطوف بهم لقاء ريالين، وأخيرا قررت العودة لقريتي تاركا هذا العمل، وأملا يصاحبني بأن أعود من جديد لحياة جديدة.
• بعد أن عدت للقرية هل عملت أم واصلت دراستك آنذاك؟
- عندما قررت العودة للقرية ودعت التاجر الذي كنت أعمل عنده واستأذنت من عمي سعيد أبو الريش، وشرحت له رغبتي في ترك العمل والعودة إلى القرية للدراسة فرفض حتى أنه صفعني على وجهي قائلا: نحن بحاجة إلى «جوادك» أي راتبك لتعيش به أمك وأخواتك، ولكنه في اليوم التالي استدعاني ووافق على رغبتي فعدت مجددا للقرية والتحقت بمدرسة بني ظبيان حيث كان أستاذي وشيخي سعد المليص رئيس نادي الباحة الأدبي سابقا -متعه الله بالصحة- فهو يسعى إلى نشر التعليم في المنطقة وكانت جهوده معنا كناشئة تتمثل في تطبيق المناهج الحكومية واهتمامه بتعليم الكبار وفتح المدارس الليلية على نفقته الخاصة بل كان -أمد الله في عمره- يفتح بيته للدروس العامة وأسس مكتبة عامرة ودعا الناس إلى القراءة في أمهات الكتب والدين والأدب العربي والتاريخ وأعار كثيرا من كتبه ووزع منها مجانا حيث كانت صلاته كبيرة بجميع المشايخ والدعاة الذين عرفتهم المنطقة فتعلمت على يديه حتى يسر الله في عام 1372 تعيين عدد من المعلمين في المنطقة، وكنت أنا من ضمن الذين تم اختيارهم، وباشرت في مدرسة بني سالم وهي المدرسة الأولى التي عملت فيها معلما وأنا في سن مبكرة، ثم انتقلت إلى مدرسة بني ظبيان حتى عملت مديرا لمعهد المعلمين في المندق، وبعدها اتجهت لكلية التربية في مكة وواصلت دراسة البكالوريوس وتخرجت عام 1389 بتقدير جيد جدا وكنت الأول على الدفعة في ظل ظروف قاهرة أحاطت بي بشكل مثير، وعينت مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة أم القرى المتوسطة في مكة المكرمة قرابة الشهرين ثم انتقلت معيدا في كلية التربية التابعة لوزارة المعارف في مكة فتم تكليفي بتدريس مادة اللغة الإنجليزية لطلاب السنة الرابعة النهائية عاما كاملا على الرغم من أن بعضهم لا يؤمن بجدوى دراسة لغة أجنبية ويرون دراستها مخالفة للدين، ومع هذا تغلبت على هذه الآراء وأكملت التدريس لهذا التخصص إلى أن أعددت نفسي للسفر للخارج لمواصلة الدراسات العليا.
• إذن كيف جاءت فكرة السفر للخارج.. وأين كانت وجهتك؟
- لن أنسى نصيحة الأمير خالد بن فهد مدير البعثات الخارجية وقتها في وزارة المعارف عام 1390 حيث ذهبت إلى مكتب الوزير في الطائف الشيخ حسن عبدالله آل الشيخ والتقيت حينها بالأمير خالد ودار بيني وبينه حوار قال لي خلاله: ستسافر إلى أمريكا، فقلت له: لقد رتبت أموري للدراسة في بريطانيا، فقال لي: الجميل لأبنائك أن يدرسوا في مدارس أمريكية لأنهم يعتمدون هناك في التدريس على قدرات الطالب وميوله، فإذا كنت ستدرس لغة إنجليزية أو أدبا إنجليزيا فسافر إلى بريطانيا، وإذا كنت ستدرس تربية وإنجليزي فأنصحك بالسفر إلى أمريكا فقررت السفر إلى أمريكا ولم أنس توجيهات سمو الأمير خالد لي في هذا الخصوص مع توجيهات وزير المعارف الذي نصحني بعدم أخذ أسرتي في البداية حتى أتعرف على موقع دراستي والمكان الذي سأقطن به ثم أعود لأخذهم معي.
• ماذا عن حالة الغرابة التي لمستها هناك.. وهل واجهت صدمة ثقافية وحضارية؟
- بالفعل واجهتني صدمة ثقافية عظيمة أولها عندما وصلت إلى نيويورك وثانيها عندما جلست لأول مرة على مقعد الدراسة حيث الطلاب يعتمدون على ثلاث مهارات: الاستماع والسؤال والبحث، فكنت في الأولى (الاستماع) بطيئا وفي الثانية (السؤال) خجولا وفي الثالثة (البحث) جاهلا، فلم أكن أعرف طريقة البحث عن الموضوع الذي أريد دراسته أو الكتابة فيه، ولكن بعد بضعة أشهر اكتسبت هذه الطرائق، ومن الأشياء التي لن أنساها عندما وجه لي رئيس قسم اللغة الإنجليزية أثناء رسالة الدكتوراة سؤالا قال فيه: ماذا ستأخذ معك من أمريكا إلى السعودية وما الذي ستدعه هنا؟ قلت: سآخذ معي إعجابي بحب الأمريكيين لبلدهم وحبهم للعمل، وسأترك هنا التفكك الأسري فقد أغرق المجتمع الأمريكي في مبدأ الاستقلالية فتركوا أبناءهم، كذلك سأترك حرية المرأة فقد رأيتها تضرب وتهان في الشارع، وقلت له إن الذي يجدد الحياة الإنسانية ليس الذكاء وحده، بل كيف نستفيد من الذكاء وكيف يمكن للتعليم أن يكون ضابطا للسلوك الاجتماعي عندها تنهد البرفيسور جونيكلز وقال لي: يا سعيد كيف ترى أمريكا؟ قلت له؟ بلد جميل يستحق التأمل ولكنه لا يغرينا بالعيش فيه وما أذكر أنه عام 1973م عندما حظر البترول على الدول الأوربية المؤيدة لإسرائيل ارتفعت أسعار الوقود وغاز التدفئة حينها وجه الرئيس الأمريكي نيكسون نداء للشعب الأمريكي للتعاون مع الحكومة من خلال تخفيض التدفئة داخل المنازل إلى 65 درجة وعدم إضاءة الحجرات إلا التي تستعملها العائلة في المنازل فقط وعدم إضاءة أشجار الزينة للاحتفال بعيد الميلاد والتقليل منها بل وتخفيض سرعة السيارات على الطرق العامة من 75 ميلا إلى 55 ميلا وتقديم ساعات العمل حتى يقضي العمال ساعات عملهم في ضوء النهار حتى إنني كنت أستيقظ مبكرا لتوصيل أبنائي لمدارسهم، فأدركت حينها أن المواطنة تعني الانتظام مع الحكومة والامتثال لقراراتها دون مناقشة طالما كانت في مصلحة الوطن.
• ما قصة الطالبة التي أجهشت بالبكاء عندما سمعت ذلك الحوار الذي دار بينك وبين أستاذك الأمريكي حول مواقف الملك فيصل -رحمه الله- تجاه الأمة الإسلامية؟
- القصة وما فيها أنه دار حديث بيني والمشرف على رسالتي للدكتوراة البروفيسور (نيكلز) الذي كان يدرس نظريات المناهج، وكان مشبعا بفلسفة التربية والفلسفة عموما، وكان مما تحدث عنه طريق التقدم الإنساني، قائلا إن الديموقراطية لم تصل إلى حل المشكلات الخاصة بالحكم وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وكان مما أشار إليه أسفار الملك فيصل -رحمه الله- واختلافه عن كثير من أهل الفكر والسياسة، فطلبت حينها السماح لي بالكلام عن الملك فيصل والمملكة فقلت إن العرب قبل ألف وأربعمائة عام كانوا قبائل متناحرة، كل قبيلة ترى أنها الأكرم والسلطة فيها للقوي، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس أن الله وحده خالق الأحياء والجماد والريح والمطر والنور والظلام، وهو المتحكم في حركة الكون ومرسل الأنبياء والرسل، كما أن الإسلام الذي دعا إليه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين هو دين التوحيد، فهو يكرم الإنسان ويدعو إلى العلم والمعرفة والإيمان ويساوي بين الرجل والمرأة وعليه قامت حضارة عظيمة، وكان الملك فيصل مفوضا من الشعب بإدارة شؤون المملكة وهو مسؤول أمام شعبه عن إدارة شؤونهم بما يحمي ديارهم ويطور معاشهم، فأسلوب الحكم ونظم الحياة الاقتصادية والاجتماعية تخضع لتطوير وتغيير وإصلاح بشكل متدرج ومنطقي وبدون هزات تضر سلامة البناء الاجتماعي فالملك فيصل ملزم باستشارة أهل المعرفة والرأي والأمانة في بلاده والطاعة من المواطنين وهي تشكل معادلة بين الحاكم والمحكوم في بلادي، وفي نهاية الحديث، فجأة انفجرت زميلة أمريكية لنا اسمها (لويس) باكية بحرقة ونشيج متواصل وفاجأتنا بقولها: إنني أبكي لأنه ليس لنا في أمريكا تاريخ، فالناس يتحدثون عن تاريخهم بالآف السنين ونحن لم نكمل مائتي سنة بعد الاستقلال ونحاول أن نحكم العالم ونفرض على الناس نظمنا وأساليب حياتنا، فما كان من الأستاذ في المرة القادمة إلا أن أفرد حديثا لخص فيه مبدأ العدالة والقيم الأصيلة.
• عندما عدتم عملتم في الجامعة وسرعان ما انتقلتم للعمل في التعليم العام، كيف أتت فكرة الانتقال من التدريس في الجامعة للعمل مديرا للتعليم؟
عندما عرض علي الدكتور عبد الله الزيد فكرة الانتقال من الجامعة للعمل مديرا عاما للتعليم في المنطقة الشرقية وافقتة بداية من حيث المبدأ على أن نجلس سويا للتفكير في هذا الشأن وتقليبه على وجوهه المختلفة، وانتهينا إلى قناعة بأن أي تحديث أو تمديد أو تطوير خاصة في مجال التعليم لابد أن ينطلق من الجامعة، ولكن من حيث الواقع فإن التعليم العام بما توفر له من إمكانيات، إلى جانب إيمان القيادة العليا بأهميته، موقف لا نملك فيه إلا الموافقة على العرض الذي جاء من وزارة المعارف (التربية والتعليم حاليا)، الحقيقة أن الوزارة كانت وقتها مقدمة على تطوير المناهج التعليمية وطرق إعداد المعلمين والتنظيمات الإدارية وإقامة المشاريع المدرسية والتعليمية وسوف تمنح كلا منا صلاحيات تعطيه حرية الحركة وإمكانية سرعة اتخاذ القرار، وبناء على ذلك أعطيت موافقتي، فقدمني الدكتور الزيدإلى وكيل وزارة المعارف للشؤون الفنية آنذاك الدكتور سعود الجماز عندما جاء لحضور المؤتمر العالمي الأول للتعليم الإسلامي، وعبر سعود عن سعادته بموافقتي على الانتقال للعمل معهم، وقال: التفاصيل لدى الأخ عبد الله.
• عندما جاءت الموافقة بنقلك مديرا للتعليم دار حديث مطول بينكم وبين وزير المعارف آنذاك الدكتور الخويطر قبل مباشرتكم لمهماتكم، ما الذي دار بينكما؟
كان ذلك عام 1397ه عندما ذهبت للرياض وقابلت وكيل وزارة المعارف للشؤون التعليمية والإدارية صاحب السمو الأمير خالد بن فهد آل سعود فرحب بي قائلا: الوزير في انتظارنا وكان معي الدكتور الجماز واستقبلنا معاليه، وقال: نرحب بكم للعمل معنا وسوف تكون الممارسة اليومية هي المحك الحقيقي الذي تتعرفان من خلالها على مهمات التعليم، ونحن أيضا سنتعرف عليكما وتدخل الأمير خالد وقال: نحن نهدف إلى تطوير نظام التعليم وأساليبه ونعلق عليكما آمالا كبيرة، وسوف نمنحكما صلاحيات واسعة حسب موافقة الوزير فانتقلت مباشرة إلى المنطقة الشرقية.
• إذن حدثنا عن اليوم الأول أثناء وصولك الدمام وعن رؤيتك لتطوير التعليم هناك؟
وصلت مطار الظهران يوم السبت 16/7/1397ه وكان مدير التعليم في المنطقة الشرقية عبد الله محمد بونهية في استقبالنا، وتوجهنا إلى إدارة التعليم في الدمام وكانت مبنى حكوميا أقيم منذ أكثر من 20 عاما، وفي الطريق شرحت له توجيهات الوزير وتأكيد سمو الوكيل بإنشاء إدارة عامة يكون لها الإشراف على التعليم في المنطقة الشرقية والأحساء ومنطقة الحدود الشمالية، وقلت له إن خبرته ستساعدنا على النجاح فقال لي: «الذي يكتبه الله فيه خير، وحياك الله ونحن معا نقوم بالواجب».
• كيف كان لقاؤك بالأمير عبدالمحسن بن جلوي رحمة الله أمير المنطقة الشرقية سابقا عند تعيينك مديرا للتعليم؟
كان أول لقاء مع سموه رحمه الله إبان توليه الإمارة ضحى يوم الاثنين ال 18 من رجب عام 1397ه، وقد قابلته في الإمارة، وكان جم التواضع حتى أنه نهض مبتسما عندما رآني وصافحني وأشار علي بالجلوس فقلت له: لقد عينت مديرا عاما للتعليم في الشرقية ومنطقة الحدود الشمالية، وإنه ليشرفني أن أعمل معكم وكلي آذان صاغية لتوجيهاتكم، فرد هامسا مبتسما: «على بركة الله»، وأخذ يسألني عن عملي السابق ومكان دراستي، فهو رجل يحترم النظام وحبه للوطن بلا حدود وينطلق من حبه للإسلام، فقد كان مبادرا لقضاء حاجات المواطنين، عادلا متواضعا وحازما، لايتهاون في معالجة الخطأ ولايسمح بالتأجيل أو التسويف، وقد رافقتة في أسفاره فوجدته إنسانا دائم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار والتسبيح يحترم العلماء ويقدر المتعلمين.
• كيف كنت تشرف على تعليم ثلاث جهات من المنطقة الشرقية الأحساء وصولا إلى الحدود الشمالية؟
أولا درست لائحة الأنظمة الداخلية والمشتريات والاختيارات وصلاحيات مدير التعليم واختصاصات العمل في كل قسم، فخرجت بنتيجة مفادها أن التجربة أكبر برهان، ولكن كيف تكون التجربة؟ ومتى تبدأ ومع من؟ فبدأت جولاتي على هذه الجهات.. بدأت بالأحساء التقيت بمدير تعليمها هناك، فشرحت لهم أهدافي لتطوير التعليم وتحديث أساليبة في المنطقة ما أمكن، كما أني غير مستغن عن خبراتهم وأني وهم نعمل بإرشاد وتوجية، حتى أني كنت أجلس كل يوم في كل قسم من الأقسام شعرت حينها بأن المسؤولية كبيرة، كنت أستمع إلى كل من يعمل في هذه الجهات وكان لي شرف اللقاء مع أمراء هذه الجهات كالأمير محمد بن فهد بن جلوي أمير الأحساء الذي وجهني بالعناية بالمستوى العلمي للطلاب والحفاظ على اللغة العربية والاهتمام ببناء وتجهيز المدارس، وكذلك الاهتمام بالآثار، فكان لوقوفه مع التعليم أن أفادنا في تسريع البحث عن أراضٍ وبناء مدارس عليها، كانت تعليماته لنا واضحة وكنا نحرص على إجاباتنا المسددة معه. أما الحدود الشمالية فكانت أول رحلة عمل قمت بها إلى مدينة عرعر في شهر ذي القعدة عام 1397ه، حيث كانت المنطقة تخضع وقتها لعملية تنمية واسعة شملت المدن والقرى والهجر برعاية مستمرة ومتابعة من سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود أمير منطقة الحدود الشمالية الذي التقيته ووجهني قائلا: ستزور المدارس وسترى حاجاتها عن كثب.
تحدث معنا عن رغبته في تأثيث المدارس وتوفير الكتب المدرسية والمرور على مدارس القرى والهجر، فكان يتعامل بأسلوب راق في التوجية، فهو لايأمر مع أن ذلك من حقه، ولكنه يذكر حاجة الموقع الفلاني إلى مدرسة، وكنت ولله الحمد محققا لطلباته ورغباته، لذلك كان عملي يسير بانتظام ومتابعة دقيقة لهذه المناطق، وكان معي عاملون متميزون يقومون بعملهم على أتم وجه.
• وهل استمرت منطقة الحدود الشمالية بغير إدارة تعليم مستقلة فترة طويلة؟، وهل لكم دور في استقلاليتها تعليميا؟
بعد سنوات اقترحت فتح إدارة تعليم كاملة التشكيل وأيدني وزير المعارف الدكتور عبد العزيز الخويطر الذي أصدر قراره بإنشاء إدارة تعليم عرعر بدون تردد، وهذا القرار يحسب لحنكته ودرايته بالأمور وحبه في نشر العلم، كما أن الأمير عبد الله بن مساعد آل جلوي هو رجل محب للعلم وعليه ربى أولاده فكان لهم الإسهام في ذلك.
• ماذا عن منحك للصلاحيات الإدارية في تعليم المنطقة؟، يقال بأنك نجحت في وضع آلية للصلاحيات والتفويضات، حدثني عنها؟
صممنا قرار الصلاحيات، بحيث تمنح كافة صلاحياتي لمدير التعليم في الأحساء ما عدا صلاحية البت في المناقصات، وفوضت كثيرا من الصلاحيات إلى كل من مدير الشؤون الإدارية ومدير الشؤون الفنية في الدمام، وفي العام التالي فوضت بعض الصلاحيات لرؤساء الأقسام مباشرة ولأول مرة في المنطقة حتى أصبحت الصلاحيات مرنة بما يحقق سرعة الإنجاز وزرع الثقة في نفوس الموظفين.
• ما قصة استحداثك لإدارة تعليم في الدمام وهل تحقق ذلك؟ وكيف قادك تفكيرك لذلك؟
عندما بدأنا العمل وضعنا خططا تنفيذية للتوسع في فتح المدارس والعمل على تطوير العملية التربوية والتعليمية في المنطقة، بالإضافة إلى التصميم على بناء أكبر عدد من المدارس والمرافق التعليمية الأخرى، فرأيت استحداث إدارة تعليم في الدمام عام 1398 ه رغبة في تسريع الأعمال والتسهيل على المراجعين، وأوكلت هذه المهمة إلى الزميل عبدالله الحميضي على سبيل التجربة، وبعد عام دراسي تقريبا لاحظت أن المراجعين من المدارس وغيرها يتوجهون إلى مكتب المدير مباشرة مما أوجد تضاربا في الاختصاصات وتعقيدات روتينية لا تخدم الهدف، فاجتمعت مع الحميضي لبحث الموقف ففاجأني بتفهمه العميق للوضع وطلب إلغاء إدارة تعليم الدمام قائلا: (يسعدني أن أكون بجانبك وليس منفصلا عنك) فأصدرت قرارا بفصل العمل على تشكيل إدارة تعليم مستقلة في الدمام رغبة في الإنجاز وحسن سير العمل وتكليف الحميضي مساعدا للمدير العام للشؤون الإدارية.
• يقال أنكم نجحتم إبان إدارتكم بتحويل مسمى (تفتيش) إلى مسمى (توجيه) ما أدى إلى إشهار المسمى في الوزارة.. كيف توصلتم إلى ذلك؟
كانت أكثر المشكلات التي تحدث في قطاع التعليم خاصة في المدارس هي مشكلات تربوية والدافع لها في أكثر الأحيان هو الاجتهاد أو الاختلاف في الرأي سواء بين المؤسسة التربوية الواحدة (المدرسة) أو بين المؤسسة وإدارة التعليم وقد رأيت أن هذه المشكلات إذا لم تكن تعطيلا أو منعا لحق شخص ما أو إتلافا لممتلكات الدولة من مبان وتجهيزات وغيرها فينبغي إزالة أسبابها وعلاج نتائجها بالتوعية والإصلاح، من هنا قررت أن يكون التفتيش الإداري عملية توجيهية تفرض حلا وعلاجا ولا تتطلب عقابا إلا فيما يتعلق بالحقوق، وأمضينا العام الأول بنجاح متدرج حاولنا إشهار الفكرة لجهاز الوزارة فكان نجاح التجربة عموما ورحب بها الجميع.
• وجود شركة أرامكو السعودية كان له الأثر الفعلي في المنطقة.. فهل كان لديكم توجه للتعاون معها؟ وما هو إسهامها في التعليم في المنطقة؟
في البداية عندما وصلت إلى المنطقة الشرقية كانت فيها عشرات المدارس الابتدائية والمتوسطة في كل من الظهران والخبر والدمام والقطيف وسيهات ورأس تنورة وصفوى وبقيق والهفوف والمبرز، اتفقت مع قيادات الشركة على بناء مدارس تتناسب والفكر التربوي الحديث.
• وهل سارعت الشركة لتلبية رغباتك في ذلك؟
في الحقيقة أنني أجريت لقاءات ومفاوضات غير رسمية مع كبار المسؤولين في شركة أرامكو حول بناء مدارس ثانوية للبنين والبنات لمقابلة المتطلبات التربوية الحديثة، وتلاقت وجهات النظر ثم بدعم من المهندس علي التميمي الذي كان نائبا أعلى لرئيس أرامكو استقدمت أرامكو ثلاثة مهندسين للتصميم من جامعة ستانفورد في أمريكا أحدهم مهندسة ديكور ومكثوا في المنطقة ثلاثة أشهر، زاروا مكتبي أكثر من عشرين مرة وفي كل مرة كنا نجلس ساعة على الأقل، متحدثا معهم عن الاتجاهات التربوية الحديثة في بناء وتجهيز المدارس ودعوتهم مع بروفيسور (ريد) لتناول عشاء في منزلي كي يتسنى التعرف على مدرسة المستقبل التي نتخيلها ونريدها ونستطيع بناءها، وحددنا حاجاتنا المستجدة في أن يتوسط المدرسة مسجد كبير يتسع لثلاثمائة مصل، وأن تكون المدرسة مفروشة ومكيفة تكييفا مركزيا، وكل ستة فصول في وحدة مستقلة في مركز التعلم الخاص بها، وأن تلحق بالمدرسة ملاعب رياضية، والطريف في الأمر أنني لم أرجع لوزارة المعارف خوفا من إطالة الوقت مما قد ينتج عنه إشكالات تعيق تنفيذ هذا البرنامج الطموح، ووصل الخبر إلى الوزارة عن طريق أحد الأمريكيين الذي كان مستشارا أكاديميا للدكتور إبراهيم عبدالكريم مدير عام المشاريع في الوزارة وقتها.
• نقلكم للمدرسين بين منطقة الأحساء والمنطقة الشرقية والحدود الشمالية دون الرجوع للوزارة.. ألم يكن فيه شيء من الصعوبة وتجاوز للنظام والصلاحية؟
نعم كنت أفعل ذلك دون الرجوع إلى الوزارة.. ورغم تنبيهات هاتفية من زملائي ورؤسائي فيها، إلا أنني لم أتراجع عن هذا الإجراء لأني رأيته يحقق المصلحة للمدرس والمدارس، وقد تفردت المنطقة الشرقية بهذا الإجراء.
• ما قصة فتحك لمدرسة متوسطة في إحدى هجر محافظة النعيرية دون الاستئذان من الوزارة؟ وكيف أغلقت حينها وأعيد فتحها مرة أخرى؟
وقتها فتحت مدرسة متوسطة في هجرة (الشيط) قريبا من قرية (العليا) دون أن أستأذن الوزارة، وقد اتخذت هذا القرار بناء على حاجة الهجرة، ولأن المنطقة تستطيع توفير الكتب الدراسية والتجهيزات المدرسية والمدرسين مما يتوافر لديها دون العودة إلى الوزارة، فبعد شهر أو أكثر ونتيجة للإحصاءات المبدئية التي نرفعها مع بداية كل عام لإيضاح النقص والزيادة، فوجئت بوصول خطاب بتوقيع الوزير يأمر بقفل المدرسة؛ لأنه لم يصدر قرار باعتمادها، حزنت لذلك كثيرا ونفذت الأمر الوزاري، ولكني تأسفت بعد أن عرفت الخويطر، حيث إني ما زلت أظن أنني لو قابلته وفاتحته في الأمر، فإنه سيقبل بقاء المدرسة، لكن في العام التالي على أي حال فتحت وكانت نواة لمدرستها الثانوية.
• إذن كيف وجدت العمل في الوزارة وبالتحديد مع الوزير عبدالعزيز الخويطر؟
سعدت بالعمل معه بل إن العمل معه بالنسبة لي كان ماتعا، فالرجل يمثل مدرسة منفردة في الإدارة والتنفيذ يستحق معها أن تدرس أفكاره وتوجيهاته وقراراته من حيث صلته القوية والواضحة بعلم الإدارة.
• مواقفكم وتجاربكم مع محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية ظاهرة للعيان.. حدثنا عن جوانب من شخصية هذا الأمير.
عندما تولى الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز مسؤولية إمارة المنطقة اهتم بالمنطقة عموما وبقطاع التعليم خاصة، فهو يؤمن بأن مستقبل الأمة في يد الأجيال الشابة. كان يزور مدارس كثيرة ويجول في فصولها، كما يزور المكتبات المدرسية ومختبرات العلوم، وهو رجل يتحلى بالأخلاق الحميدة ويحترم الكبير والصغير ويجل العلماء، ويقرأ في التاريخ والسياسة والاقتصاد، مثقف شامل يمتلك القدرة على التحاور مع العلماء والمتخصصين، ورب أسرة مثالي يحنو على أطفاله ويسأل عنهم في مدارسهم ويشجعهم على العلم، وهو مضياف وفي لأصدقائه ويتواصل مع زملاء الدراسة ويمتلك قدرات إدارية بدون حدود، ويوجه رؤساء الإدارات والمصالح العاملين في المنطقة، والهدف عنده خدمة الوطن والولاء للقيادة.
• عندما صدر قرار نقلك وكيلا مساعدا للوزارة لشؤون المعلمين كان لسمو الأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة الشرقيه سابقا رحمه الله موقف من ذلك أخبرنا عنه؟
عندما صدر قرار نقلي إلى وزارة المعارف في الرياض للعمل وكيلا مساعدا للوزارة لشؤون المعلمين عرف سموه رحمه الله بذلك واستدعاني وسألني البقاء في المنطقة، فقلت له: القرار صادر من جهات عليا، قال لي: اترك الموضوع وخلال أيام صدر الأمر ببقائي في المنطقة.
• كنت مذيعا ثم رئيسا لتحرير مجلة الشرق التي أصبحت اليوم نواة لصحيفة الشرق التي سترى النور قريبا، حدثنا عن تجربتك الصحافية في المجلة؟
-في البداية، تلمسنا أنا وزملائي في الدمام والرياض وجدة هموم الناس في حياتهم اليومية، وركزنا على هذا الجانب في عملنا في المجلة وتبنينا القدرات الشابة الطموحة، واعتبرنا المجلة مركز تدريب على المهارات الصحافية ولا أخفيك سرا فقد تلقينا ردود أفعال غاضبة وراضية وتعرضنا لتساؤلات ومساءلات حول الكثير مما ينشر في المجلة، خاصة الجانب الثقافي منها، حيث كانت مصداقيتنا مبررا مقنعا لدى الأفراد والهيئات الأهلية والحكومية وكان مما أنجزناه هو استطاعتنا أن نجري حوارا مباشرا مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات -رحمه الله - عندما كان في إحدى زياراته للرياض، وأذيع ملامح الحوار في نشرة الأخبار الرئيسة من التلفزيون السعودي، كما لا أنسى جهود الشيخ سعيد غدران رئيس مجلس إدراتها ودعمه الكبير ووقوفه معنا بشكل كبير.
• كانت لكم تجربة ثقافية، حيث كنتم نائبا ومؤسسا لنادي الشرقية الأدبي وكذلك نائبا لرئيس نادي الباحة الأدبي، فما الذي أضفته للعمل الثقافي؟
عملي في نادي الباحة الأدبي وكذلك نادي الشرقية أعاد إلي الشعور بالشباب؛ فمثلا أدبي الباحة الذي كان رئيسه أستاذي سعد بن عبد الله المليص استطعنا أن نؤسس به ما يسمى ملتقى الباحة الأدبي، وكان أول ملتقى عام 1427 حضره مبدعون وباحثون وباحثات، وكانت له ثمار طيبة.
• نعيش اليوم حالة من حالات التشابك الفكري يطلق عليها أزمة ثقافية، هل هناك مخرج من هذا المفهوم؟
أقولها بكل صراحة؛ سبب ذلك أننا بدأنا بالحضارة من الرأس وغيرنا بدأها من القاعدة، وهذا تلميح وتصريح بأننا لا نعيش عمقا ثقافيا، ونحن بحسن نية نحاول صناعة المثقف لكننا لا نعد مثقفين ولا مفكرين وقد أكثرنا على أنفسنا الأوصاف متميزين مثقفين، لكن لا نزال في أول السلم، فالمشهد يعيش تحولات جديدة وهناك رفض وقبول ومع هذا أنا متفائل بالحراك الثقافي الذي يحدث الآن وأرى أنه يدعو إلى انطلاقة مجنحة -إن شاء الله-، ومشهدنا اليوم يحظى برعاية من الدولة والمجتمع.
• ماذا عن مشروعك الثقافي الحالي؟
أنهيت هذه الأيام تأليف كتاب بعنوان:(الهروب إلى النجاح) ويحكي سلسلة تاريخية لمحطات تجربتي الحياتية والعملية والاجتماعية والثقافية وهو في دور النشر، كما لدي عناوين أخرى نشرت منها: (الإسلام والغرب.. حوار للصراع) و(مسيرة التعليم خلال مائة عام) و(سوانح وأفكار) و(ماذا قال الشعراء في الرسول صلى الله عليه وسلم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.