قبل بضع سنوات نشب بيني وبين أحد أكاديمي جامعة الإمام السابقين جدل حول فضل الرجل على المرأة، حيث كان ذلك الأكاديمي يصر على أن الرجل يفضل المرأة، ليس في الدنيا فحسب، بل وفي الآخرة أيضا. ويبدو أنه غاظه مني آنذاك أني لم أقبل قوله فخطأته فيما ذهب إليه، فما كان منه إلا أن أمطرني كتابات ساخنة للنيل مني، ختمها بأن خصص للرد علي فصلا كاملا في أحد مؤلفاته القيمة. طافت بذهني ذكرى تلك الحادثة عندما قرأت مقالا حكيما في صحيفة الحياة (5/4/2010) يناقش أقوال بعض الفقهاء عن المرأة. ويشير إلى أن أفكار الفقيه تتأثر بالموروثات الثقافية والحالة النفسية والبيئة الاجتماعية التي يعيش الفقيه في داخلها. كاتب المقال هو الدكتور محمد الدحيم، وهو مستشار شرعي وقاض سابق، وقد رأيت في كلامه تعبيرا جميلا عن التفكير المستقل غير المتأثر بالاتباع المضل، ونموذجا باعثا على الاحترام والتقدير لما ينبغي أن يكون عليه العالم الباحث الحر. وتقديري البالغ لكتابة الدكتور الدحيم لا يأتي من كونه منصفا للمرأة المظلومة في كثير من أقوال الفقهاء، وإنما هو في المقام الأول نابع من إعجابي الجم بتحرره العقلي من التأثر بالأسلوب التقليدي في النظر إلى المعرفة، فقد استطاع أن يلفت النظر في مقاله هذا إلى جوانب في أقوال بعض الفقهاء، قليلا ما التفت إليها الباحثون مثل ما ذكره عن ميل بعض الفقهاء إلى انتقاص المرأة بأنوثتها، أو أنهم كانوا أحيانا ينظرون إليها نظرة فيها تجريد لها من الإنسانية. وهي جوانب في غاية الأهمية، متى أخذت بعين الاعتبار وأعيد فحص الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة، في ضوئها وضوء أمثالها من المقدمات غير الصحيحة التي بنيت عليها تلك الأحكام، فإن وضع النساء في العالم الإسلامي سيكون له شأن آخر مختلف. أورد الكاتب في مقاله بعض النماذج من أقوال بعض الفقهاء كالقاضي ابن العربي أو أبو حامد الغزالي أو غيرهما. التي يظهر فيها نمط التفكير المتأثر بما جرت به العادة من توارث الأخطاء وتعليمها وتنميتها، دون التأمل فيما أحاط بها من مؤثرات بيئية واجتماعية وثقافية أدت إلى ظهورها. يتحدث القاضي ابن العربي، عن العلل فيجعل «من نقصان المرأة بأنوثتها سببا تعلق عليه الأحكام»، يقول: «فأما قياس العلة فهو كقولنا في أن المرأة لا تتولى نكاحها، لأنها ناقصة بالأنوثة فلم يجز أن تلي عقد النكاح كالأمة، فاتفق العلماء على أن الأمة لا تلي عقد نكاحها واختلفوا في تعليله، فمنهم من قال إن العلة في امتناع إنكاح الأمة نفسها نقصان الرق، ومنهم من قال نقصان الأنوثة، فنحن عللنا بنقصان الأنوثة وعللنا عليه الحرة». كما يظهر تجريد المرأة من الإنسانية بوضوح في كلام الغزالي الذي ينص على أن: «القول الشافي فيه أن النكاح نوع رق، فهي رقيقة له، فعليها طاعة الزوج مطلقا»، وكذلك في قول ابن عقيل: «ولا خلاف بين الناس في صحة إكراه المرأة على إيقاع الفعل فيها بالوطء، لأنها محل لإيقاع الفعل، والذي يصح الإكراه عليه إنما هو أفعال الجوارح الظاهرة المشاهدة التي يتسلط عليها التصريف في المرادات من الأفعال فتعلق أفعالها بحب الإلجاء إلى أحد الدواعي، فأما الإكراه على ما غاب وبطن من القلوب فلا..». بودي هنا، أن أوجه الشكر الخالص لهذا العالم الحر، الذي لم يستعبده اتباع، ولم يقيده تقليد، فمضى يبحث متجردا لا يرجو سوى بلوغ الحق. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة