حذر مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، حجيج بيت الله الحرام وعموم أبناء الأمة الإسلامية من «بعض المحسوبين على الإسلام» الذين وصلت بهم ضلالاتهم إلى الدعوة إلى «تسييس الحج والإضرار بأمنه وإحداث الفوضى والشغب»، مؤكدا أشد التأكيد بأن «البلد الأمين في أيد أمينة قوية، لا تسمح لا لمفسد أو مغرض أن يدنس هذا البلد الأمين، أو يخل بأمنه، أو أن يقلل من شأنه، وتظل بالمرصاد لكل عدو عابث». وأفاض مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في تشريح التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي، وهو يخاطب جموعا من حجاج بيت الله توافدت منذ وقت مبكر ظهر أمس على مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا اقتداء بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة. وتقدم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية المصلين. ووجه آل الشيخ نصيحته إلى حجيج بيت الله وعموم المسلمين ألا «تكونوا سببا لهدم بلادكم بأيديكم وأن تكونوا سلاحا في أيدي أعدائكم .. احقنوا دماءكم وحلوا مشاكلكم فيما بينكم، وأحرصوا على الوحدة والتماسك»، مبينا أن الإرهاب «من أخطر التحديات التي تواجه الأمة، حيث عانى منه المسلمون والعالم كله، فهو يستهدف المنشآت والنفوس البريئة بغير حق». ونبه آل الشيخ من تفاقم كونه بسبب أنه «مشكلة عالمية إذ يوجد في العالم صور مختلفة منه، يستغله بعض الناس ويفسره على هواه، فإن رأوا تحقيق مصالحهم أمدوه بطريقة مباشرة، وإن رأوا فيه عكس ذلك حاربوه». ونبه آل الشيخ إلى ما تواجهه الأمة من عصابات إجرامية دولية لا ضمير لها، هدفها محاربة الشعوب والأمم واستنزاف طاقة الشباب، مستشهدا بعدد الجرائم المرتكبة والأعراض المنتهكة والأموال المسلوبة والبيوت المدمرة التي تسببوا فيها، داعيا جميع المسلمين والعالم إلى تضافر الجهود والعمل على استئصال هذا الداء العضال. وألمح المفتي إلى وجود أمانة خاصة يحملها الأقوياء من الرجال الذين يخططون لمصالح الأمة العليا ولمشاريعها الكبرى، قائلا: «فأولا الأمانة الملقاة على رجال السياسة الذين سيروا الأحوال وأدركوا الكثير من حقائق الأمور ومراد الأمة، إذ عليهم أن يضعوا للأمة سياسة عادلة صالحة في الحاضر والآجل، وأن يكفوها شر المتربصين فيها من أعدائها والمتخاذلين معهم». ودعا آل الشيخ رجال السياسة إلى أن يحرصوا على سياسة حكيمة تبعد الأمة عن التهور والصراعات السياسية عن طريق وضع سياسة تؤيد الشرع وتحفظ الأمة من الانزلاق وتعالج قضايا الأمة. وطالب المفتي رجال الاقتصاد إلى التحرر من التبعية الاقتصادية، وأن يوجدوا أصولا للاقتصاد الإسلامي، مبتعدين عن المحرمات، وسوقا إسلامية لتبادل السلع بين المسلمين لتحمي مجتمعهم، بينما دعا رجال الصناعة إلى إيجاد قواعد علمية لصناعة دولية متقدمة تستعين بالخبرات والأبحاث لتخليص الأمة من الكسل والخمول وتستعين بالعقول والأيدي العاملة والطاقات الموجودة لتخليصها من أن تكون عالة على غيرها. واستعرض آل الشيخ الأمانة الملقاة على وسائل الإعلام في إيجاد إعلام إسلامي بعيد عن الفحش ونشر الرذائل وعن التهويل والإثارة وعن تضليل الرأي العام. وشدد المفتي العام على أهمية الأمانة الملقاة على رجال التربية والتعليم، داعيا إلى وضع مناهج أصيلة تقوي انتماء الأمة بدينها وتشعر كل فرد منهم بأنه عضو في أمته يجب أن يسعى في إصلاحها. وقال «يجب العمل على تربية الأبناء على الإيمان والعلوم النافعة لتأخذ الأمة مكانتها في الاقتصاد والسياسة والإعلام وكل ما تحتاج الأمة إليه». ووجه سماحة المفتي خطابه إلى شباب الإسلام، قائلا لهم «عليكم إنقاذ الأمة من ضلالتها واجتناب الشعارات الزائفة والالتزام بشعار الإسلام، محذرا إياهم من مكائد الأعداء واتباع الدعوات المضللة والشهوات». وخاطب عبدالعزيز ال الشيخ رجال الأعمال والأموال قائلا لهم «اتقوا الله فيما استخلفكم فيه من الأموال وجنبوها المكاسب الخبيثة وكونوا مثالا للتاجر الصادق الأمين الذي لا يخدع أمته ولا يدلس عليهم ولا يأكل أموالهم بالباطل». ودعا قادة العالم إلى قراءة منصفة للإسلام الذي هو دين الأنبياء كلهم منذ نوح عليه السلام إلى عيسى ابن مريم إلى محمد صلى الله عليه وسلم. كما وجه سماحته خطابه إلى رجال الفكر؛ مطالبا إياهم بالسعي والعمل على نصرة المظلوم ورد المظالم وإعطاء كل ذي حق حقه. ولمح آل الشيخ إلى الحال في فلسطين، حيث يعاني أهلها من حصار شديد وإرهاب لم يشهد العالم له نظير، متسائلا: أين العدالة وحقوق الإنسان وأين الضمير أمام هذه الاشياء. ووصفها بأنها مصيبة عظيمة. وطالب المفكرين والحكماء بالمسارعة إلى إنقاذ العالم من المعضلات والأزمات الاقتصادية والسياسية التي يتعرض لها، وقال «إن كثيرا من الأمور لا تنفق على سباق التسلح، فلو أنفقت على إغاثة المنكوبين وشد عزيمة الدول النامية لكي تعيش في أمن وإيمان لكان خيرا كثيرا». ودعا حجاج بيت الله الحرام إلى شكر الله على نعمته أن بلغهم الوصول إلى البيت الحرام والمشاعر المقدسة وأعانهم على أداء نسكهم وذلل أمامهم الصعاب وسهل الأمور، ونصحهم بالتعاون على البر والتقوى والالتزام بأدب البيت الحرام وحرمته ومكانته، إضافة إلى الأنظمة التي وضعت لأجل منفعة الجميع وتطبيقها. وقال «أيها المسلمون من خلال الاعتراف بالفضل لأهله، فإن الله جل وعلا تفضل على هذه البلاد بقادة مخلصين ودعاة مصلحين شرفهم الله بخدمة بيته الحرام ورعايته؛ فقاموا بخدمته خير قيام من توسعة للحرمين وإعانة للمسلمين وتيسير أمر الحجيج؛ يبتغون بذلك وجه الله فجزاهم الله عما فعلوا خيرا وأمدهم بعونه وتأييده». واستهجن ما تطرحه فضائيات تلفازية من سب ما يسمونه الوهابية وتلفيق التهم والأباطيل مدعين الكذب، إذ إن محمد بن عبد الوهاب لم يدع إلى مذهبه ونسبه، إنما دعا إلى الله وإلى توحيده وإخلاص الدين له. وأوصى سماحة المفتي العام جميع المسلمين بإخلاص التوحيد لله في أعمالهم، مبينا أن الله لا يقبل عملا إلا اذا كان خالصا له وصوابا على كتابه وسنة رسوله. وأبان آل الشيخ لحجاج بيت الله الحرام فضل يوم عرفة «إنه أفضل أيام الله، ما من يوم أكثر منه يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة». واختتم المفتي العام خطبته بالدعاء «أن يتقبل الحج من الحجاج وأن يغفر ذنوبهم ويجزيهم خير الجزاء وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لكل خير ويحفظه بحفظه وأن يكون له عونا ونصيرا، وأن يشد أزره بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ويلبسه الصحة والعافية، وأن يوفق النائب الثاني لكل خير ويعينه على مهمته في ملاحقة المجرمين والمفسدين والمتسللين والضالين والغاوين».