تهيئة محيط مشروع المدينة العالمية بالدمام وتعزز انسيابية الحركة المرورية    أمير القصيم يدشّن مبادرة "الهاكثون البيئي" لدعم الابتكارات والأفكار البيئية الرائدة    الشطرنج السعودي يسجّل قفزة نوعية في 2025 ويعزّز حضوره محليًا ودوليًا    أمير حائل يدشّن مشروعات تعليمية بالمنطقة بأكثر من 124 مليون ريال    تعليم الطائف يتجاوز المستهدفات الوطنية في برامج ومسابقات الموهوبين    القوات الخاصة للأمن والحماية تستعرض الزيّ التاريخي والبندقية «البلجيك» في «واحة الأمن»    فرع الشؤون الإسلامية بالقصيم ينفّذ أكثر من 2600 منشط دعوي خلال شهر    الندوة العالمية تفتتح مستوصفاً طبياً جديداً لخدمة آلاف المستفيدين في بنغلاديش    إطلاق خدمة تصوير الرنين المغناطيسي للأجنة بمستشفى الولادة والأطفال ببريدة    مستشفى الأمير سلمان بن محمد بالدلم ينقذ حياة مقيم تعرّض لإصابة خطيرة    سوق الأسهم السعودية يخسر 109 نقاط في أولى جلسات الأسبوع    بدء استقبال وثائق مقدمي خدمة إفطار الصائمين في رمضان بالحرمين    أمانة القصيم تعزز الأجواء الشعبية بفعالية الطبخ الحي في حديقة إسكان بريدة    باكستان تدين اعتراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما يسمى أرض الصومال    "التجارة" تشهر ب 60 مواطنًا ومقيمًا لارتكابهم جرائم التستر التجاري    ترقية د.رانيا العطوي لمرتبة أستاذ مشارك بجامعة تبوك    ماذا يقفد آباء اليوم ؟!    رئيس الوزراء الصومالي يدين إعلان الكيان الإسرائيلي المحتل الاعتراف بأرض الصومال    ديوان المظالم يطلق أول هاكاثون قضائي دعمًا للابتكار    مشاركة فنية تلفت الأنظار… سعاد عسيري تحوّل ركن أحد المسارحة إلى حكاية بصرية في مهرجان جازان 2026    جمعية فنون التصميم الداخلي تنطلق برؤية وطنية وأثر مستدام    رحل إنسان التسامح .. ورجل الإصلاح ..    حقيقة انتقال روبن نيفيز إلى ريال مدريد    هدف النصر والهلال.. الخليج يفرض شروطه لرحيل مراد هوساوي    السماء أكثر زرقة وصفاء في الشتاء لهذا السبب    ختام رائع لمهرجان كؤوس الملوك والامراء 2025    اختتام الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في نجران بمشاركة 40 دارساً ودارسة    ناويا إينوي يحافظ على لقبه العالمي في ليلة الساموراي بمحمد عبده أرينا    الجزائر تعرب عن قلقها إزاء التطورات في المهرة وحضرموت وتدعو إلى الحوار    إصابة خالد ناري بكسور في القفص الصدري بسبب حارس النصر    اعتلى صدارة هدافي روشن.. رونالدو يقود النصر لعبور الأخدود بثلاثية    10 أيام على انطلاق كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. الجزائر والسودان يواجهان غينيا وبوركينا فاسو    مسيرات الجيش تحدّ من تحركاته.. الدعم السريع يهاجم مناطق ب«الأبيض»    315 صقرًا للمُلاك المحليين تتنافس بمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025 في يومه الثالث    رواية تاريخية تبرز عناية الملك عبدالعزيز بالإبل    لطيفة تنتهي من تصوير «تسلملي»    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    موجز    53 مليار ريال حجم الامتياز التجاري    دعا لتغليب صوت العقل والحكمة لإنهاء التصعيد باليمن.. وزير الدفاع: لا حل ل«القضية الجنوبية» إلا بالتوافق والحوار    أفراح التكروني والهوساوي بزواج محمد    ضمن جهودها لتعزيز الرقابة الصحية.. جولات رقابية لمراكز فحص العمالة الوافدة    الداخلية: ضبط 19 ألف مخالف    الخارجية اليمنية: جهود السعودية مستمرة لحفظ الأمن    عصير يمزق معدة موظف روسي    مختص: لا ينصح بأسبرين الأطفال للوقاية من الجلطات    إطلاق 61 كائنًا بمحمية الملك خالد    أمير المدينة يتفقد العلا    وزير الداخلية: يطمئن على صحة رجل الأمن الجندي ريان آل أحمد    51% إشغال مرافق الضيافة السياحية    الذهب والفضة أبرز الملاذات الآمنة في 2026    تصعيد حضرموت: تحذير للتحالف وتحركات لاحتواء الانفلات الأمني    رفض إفريقي وعربي لاعتراف إسرائيل بأرض الصومال    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي طاهر الزهراني: توقفتُ عن الدفع للناشرين
نشر في عكاظ يوم 13 - 09 - 2024

كان ضيفنا في هذا الحوار شغوفاً بالقصص والحكايات سماعاً وقراءة، يعيد الفضل في هذا الشّغف لجدته التي كانت تحكي له قصص القرية، وقصص السعالي والغيلان، تعلّم منها فنّ القصّ، واكتشف معها توظيف الكلمات.
صقل ضيفنا تجربته بالقراءة الموسعة في الأدب العربي والفرنسي والروسي، وأثرى تجربته بالعيش في الحارة، فكانت تجربته ثرية على الصعيد الإنساني.
كتب ضيفنا القصّة والرواية، وعمل على العديد من المشروعات الثقافية. راضٍ عن نفسه وعن الدراسات الأكاديمية التي درست أعماله الإبداعية، إلاّ أنّ في نفسه شيئاً على الناقد الذي لا يقرأ! فإلى نص الحوار مع الروائي طاهر الزهراني:
• دعنا نبدأ من انعكاسات الكتابة الإبداعي لديك.. إلامَ تعيدها؟
•• دعني أنطلق من تجربتي الخاصة، قبل الكتابة كنت شغوفاً بالقصص والحكايات سماعاً وقراءة، كانت جدتي -رحمها الله- هي أول حكواتي عرفته في حياتي، كانت تحكي لنا قصص القرية، وقصص السعالي والغيلان، وبهذا علمتني فن القص والكشف وتوظيف الكلمات، ثم كانت هناك أشرطة تأتي من بيروت تقص علينا بعض القصص، وكانت بها بعض المؤثرات الصوتية. لكن الأثر الأكبر كان يأتي من تشجيع الوالد -رحمه الله- على القراءة التقليدية، وتوفير الكتب، وكانت عندنا وما زالت مكتبة عظيمة تحوي كل الفنون الإنسانية؛ ألف ليلة وليلة، وأساطير شعبية لعبدالكريم الجهيمان، وقصصاً مترجمة، والكثير من السير والتراجم. كنت في كل مرحلة أقرأ قصصاً تناسب المرحلة العمرية.
ثم كانت قراءة موسعة في الأدب العربي والفرنسي والروسي، وكان الأدب الروسي أدباً عظيماً ومؤثراً جداً. ودلتني القراءة على بعض الكتب التي كانت صعبة المنال؛ بسبب فقر وقلة المكتبات حينها، لكني وجدت الكثير من الكتب النادرة في مكتبة جامعة الملك عبدالعزيز التي كانت حديقة عظيمة للأدب، وأتذكر أنها كانت تحوي الكثير من النتاج الروسي العظيم.
غير الكتب كان العيش في الحارة تجربة ثرية على الصعيد الإنساني، في الحارة كانت الأبواب تفتح بواسطة حبل نازل من ثقب الباب، والأمهات كنّ يصنعن الطعام في قدور كبيرة من أجل الجيران، الأزقة مكان للعب، والعبور للزيارة والصلة، الشرير في الحارة ليس شريراً على الدوام، قد يصنع معروفاً لا يلتفت إليه أحد، والصالح لا يسلم من الخطأ، خلق القصص والحكايات المختلقة لا ينتهي، تعدد الروايات لكل حدث لم يشاهد، لم يكن للناس عمل بعد الرزق إلا الاقتراب، والحديث، (وشوشات) الجارات عبر الأبواب والنوافذ، وأيضاً كانت القهوة الشعبية نقطة جذب للجميع، وكان إنسان الحارة البسيط في القهوة يقصد أي جلسة فيها أناس يعرفهم وقد لا يعرفهم، علمتنا الحارة قراءة أخرى للحياة، غير القراءة التقليدية.
• هل كُتِب الجنوب في الأعمال الإبداعية بشكل حقيقي ومكتمل؟
•• محلياً كُتِب الجنوب بشكل رائع، وذلك عندما نستعرض بعض العناوين مثل (الموت يمر من هنا) و(مدن تأكل العشب) و(ساق الغراب) و(الحزام) وروايات عبدالعزيز مشري -رحمه الله-.
روايات الجنوب مشغولة بعوالم موغلة في الجمال، وتملك المفردات والمناخات والحكايات الخاصة به، ويملك حكاياته الإنسانية الأصيلة القادرة على تجاوز الجغرافيا.
• لديك أعمال روائية ك(الفيومي) و(آخر حقول التبغ) و(نحو الجنوب)، هل استنفدت هذه الأعمال مخزون القرية لديك؟
•• لقد سمعت حكايات من جدتي، وأحداثاً كبيرة وقعت في قريتنا الصغيرة، وكذلك قرأت في بعض المسودات التي خطها أبي، كل هذه الأمور تدل على أن القرية مكان ثري ومترع بالحكايات، أتحدث معك عن قرية صغيرة تقع في تهامة، فما بالك بالجنوب كله.
كتبت ثلاث روايات عن الجنوب، ولدي المزيد، ذاك أني أتعامل مع القرية كمسرح ثري، يصلح لكل الأحداث والقصص التي ما زالت خاماً، وتنتظر من يبعث فيها الروح.
القرية مسرح نموذجي للكتابة، فهناك فضاء مفتوح، والتصاق بالبيئة والكائنات، وبعث دائم للإرث والحكايات، وعندما أكتب عن القرية فأنا أكتب عن مكان خصب للحكي، وتحضر فيه أغلب العناصر الأساسية للسرد بإذعان شديد.
• يميل كثير من المبدعين السعوديين الشباب إلى استيراد عناصر العمل الإبداعي من خارج البيئة المحلية.. هل هذا مؤشر على افتقاد بيئاتنا المحلية لما يغري بالكتابة، أم أنّ هناك نقصاً في المعرفة بالمكان الذي يكتبون عنه لدى بعض هؤلاء المبدعين الشباب؟
•• قرأت، أخيراً، أعمالاً كل عناصرها مستوردة من بيئات ليست لنا، تصور أن بعض الكتابات وصل بها الحال أن تكون لغتها أشبه ما تكون بلغة الأعمال المترجمة، صحيح أن اللغة وسيلة، لكن لا يعني هذا أن تكون مسخاً، أنا أريد كتابة تشبهنا، تعنينا، وليس هذا حائل دون الأفكار الإنسانية الخلاقة التي نبحث عنها، والتي لها أجنحة لتعبر الحدود، وهذا ما يطالب به أي قارئ للأدب.
في جدة تنوع بشري هائل، وثري، وفي المقابل هناك ارتباط قوي بالقرية تكرسه اللغة والإرث والعادات، وسبق أن أثرت هذا الكلام من قبل، وظن البعض أني أحاول تأطير الكتابة في الشعبي، والقروي، وليس هذا ما أقصده، ما أقصده أن كل كاتب لو انطلق من بيئته لحصل الثراء الإبداعي الذي نسعى إليه، خصوصاً أنني أتحدث عن وطن كبير مثل وطني.
• كيف تنظر كمبدع لقيمة الإبداع الذي تكتبه ويكتبه مبدعون غيرك ودوره في حياة الناس؟
•• أنظر أن وظيفتنا أن نملأ هذا الفضاء كتابة وإبداعاً، ثم يتلقى الناس كل هذا، ثم تنمو حياة أخرى، وتأويلات أجمل تزدهر بها النصوص، فلا يكون الأدب أدباً إلا بمتلقٍ يحتفي بالنص، ويعمله في مخيلته، أجمل الأشياء في الكتابة تلك العلاقة الساحرة بين القارئ والكاتب، جميل عندما تشعر أن أحدهم في مكان ما في هذا الكون يقرأ لك، اقتطع جزءاً من وقته الثمين، لزم زاوية في مكان صاخب، اختار لك وقتاً قبل أحلامه ليكون معك لينصت لك، ثم يكون سحر القراءة فترسم بسمة، أو تذرف دمعة صادقة لشعور إنساني مشترك، ليس هناك أجمل من أن تسكن في مخيلة الناس وقلوبهم، شعور جميل من قارئ هو أعظم ما قد تحصل عليه ويسكنك أثناء القراءة لك.
• في حوار على هامش معتزل الكتابة في عسير، كنتَ تسألني عن المبدعين السعوديين الذين يكتبون الرواية كمشروع.. هل لديك إجابة بصفتك قارئاً وكاتباً في الوقت ذاته؟
•• لم أعد أتذكر السياق الذي كنا نتحدث عنه، ما أريد قوله إنه لا ينبغي لنا أن نتضجر من عدد الأعمال الروائية التي تصدر؛ لأن من تبنى الرواية كمشروع حياة لدينا تستطيع أن تعددهم على الأصابع.
أنا كقارئ أسعد بالنص الجميل لأي زميل، وأحتفي به، حتى نضمن استمرار هذا المشروع، وكوني أكتب فأنا أعزز هذا الفعل بالاستمرار في مشروعي كروائي.
• كتابة المراجع في الأعمال الروائية، لماذا يلجأ إليها كاتب روائي مثلك في عملين من أعمالك؟•• أشعر أن أي مصدر معرفي يلجأ له الروائي أثناء كتابته من الواجب الإشارة إليه، ومن النبل أن تكون هناك تلويحة امتنان لهذه الأعمال، ولا أرى أن ذكر المراجع يقلل من جمال العمل الإبداعي، بل يضيف عليه لمسة وفاء، رغم أن العمل الإبداعي لا يتم التعامل معه بصرامة بخلاف العمل البحثي، لكني في الغالب إن كان هناك مصدر استفدت منه فإني أشير إليه، كما حدث معي في رواية (أطفال السبيل) و(الفيومي).
• في حديثك عن النقاد، انتابني شعور أنك غير راضٍ عن مواقفهم من أعمالك الإبداعية التي تجاوزت 10 روايات، وربما أربع مجموعات قصصية، هل أنا محقّ في هذا الشعور؟
•• لا، على العكس، فالناقد يمارس دوره بشكل جيد في المؤسسة التعليمية، يتواصل معي الكثير من المشتغلين في النقد، وهناك دراسة في كل وقت عن أعمالي، لدرجة أن الأمر أصبح مزعجاً أحياناً، لكن أرى من الواجب أن أقدم كل ما يريده الناقد لإنجاز واجبه، طالما مشروعي في إطار عمله.
أنا غير راضٍ عن ناقد لا يقرأ -وهم بالمناسبة كثر- ثم يأتي ليحاول أن يقلل من تجربتنا السردية، ويتساوى في هذا الناقد وغير الناقد.
بالنسبة لي الذي يهمني القارئ، كم من الدراسات كتبت حول تجربتي، لكني أبتهج برأي وانطباع القارئ العادي، القارئ الذي بحث عن رواية أو مجموعة قصصية ثم بعث رأيه بكل تجرد وحب في الفضاء ثم وصل لي دون أن أعلم، هذا القارئ هو أعظم الهدايا.
• هل أنت ممن يصغون للنقد؟
•• نعم، وكل تحسن، ونضج في تجربتي -إن لمسه القارئ- أعزوه لإصغائي بكل حب وامتنان للنقد، حتى لو كان نقداً سلبياً، وأحياناً لا أتردد أن أرفعه على حساباتي في وسائل التواصل، فكما أننا نسعد بالانطباعات الجميلة عن أعمالنا، علينا أن نضع الاعتبار لكل نقد سلبي يصلنا، وننصت إليه بكل تواضع، إن أردنا أن نصقل تجربتنا.
• ذهبت العام الماضي، وأيضاً هذا العام إلى عُمان، ما الذي رأيته في الوسط الثقافي في سلطنة عمان؟
•• نعم؛ حضرت العام الماضي فعاليات بيت الزبير، وقدمت ورقة بعنوان: الرواية وسلطة المجتمع رواية «جاهلية» للروائية ليلى الجهني أنموذجاً، وبداية هذا العام شاركت في ندوة بمعرض مسقط الدولي للكتاب، وتحدثت فيها عن مبادرة انثيال، الذي أعجبني في الوسط الثقافي العماني، أنه وسط داعم، بمجرد أن يصدر لأحدهم كتاباً، تجد عشرات الكتابات والمراجعات حوله، كما أنهم يحضرون الندوات المنعقدة حول نتاجهم، وفي حفلات التوقيع تجدهم يصفون من أجل دعم زميلهم، هذا غير الاستضافات في الراديو والتلفاز -بالمناسبة أتعجب كثيراً من تعلق الناس في السلطنة بالمذياع- أمر يا عزيزي في غاية الجمال والود، هنا العلاقة بيننا نحن الكتّاب -وأنا منهم طبعاً- مربكة، نحن بحاجة لندعم بعضنا، ونحتفي بتجربتنا، أما على المستوى المؤسسي، الجميع يشاهد ما تبذله هيئة الأدب والنشر والترجمة من اهتمام بالغ بالنتاج، والترجمة، وإقامة المعتزلات، والإقامات الخارجية، وهنا يظهر دور العمل المؤسسي في دفع الحراك الثقافي وإنعاشه، في معتزل الكتابة الأخير في أبها الذي شارك فيه كتّاب من العالم العربي مما ذكروه لنا، أنهم يتابعون الحراك الثقافي السعودي، ويتقدمون لأي مشاركة ثقافية تقيمها وزارة الثقافة، هذا أمر صحي ومبهج.
• ما بين «جانجي» أولى رواياتك وآخر عمل كتبه في حقل الرواية، هناك حكايات لا يعلمها إلاّ أنت.. حدثنا عنها.
•• أزعم أني بحاجة لكتابة كتاب أسميه (سيرة روائية) كما فعل غازي القصيبي -رحمه الله- عندما كتب (سيرة شعرية). لكل رواية من رواياتي حيثيات غريبة قبل النشر، وحكايات بعد النشر، كتابي الأول نشرته عند ناشر في الحارة، وأمضيت معه عقداً لمدة عامين وحقوق بنسبة 8%، وهو الناشر الوحيد الذي التزم معي بالمدة، وبنسبة الأرباح ليس على المباع، بل على كل المطبوع، فكانت بداية مبشرة، بعد ذلك طبعت (جانجي) فطلب الناشر مبلغاً بالدولار مقابل النشر، وبنسبة 10%، وطبع العديد من الطبعات دون إشارة لطبعة ثانية، وعندما أرسلت له (أطفال السبيل) طلب مبلغاً، ورفضت، فطلب مني التنازل عن حقوقي من الكتاب الأول والثاني، ومن يومها توقفت عن الدفع، وأصبحت أراهن على ما أكتبه!
بعد ذلك كتبت رواية بعثتها لناشر وذكر أنه لا يعترف بالعقود المكتوبة، وأنه يكتفي بالعقد الأخلاقي، لا تسألني هل التزم الناشر بعقده الأخلاقي أم لا.
خذ هذه القصة، طبعت عند ناشر عربي وكان حينها رئيساً لاتحاد الكتاب العرب، بعد النشر، تحدثت معه عن العقد، فقال إنه يكتفي بإعطاء المؤلف 100 نسخة من عمله فقط!
ربما أفضل تجربة في النشر من حيث الحقوق ما كانت تقوم به النوادي الأدبية، من دفع المكافآت، وإعطاء النسخ، وصدقاً كنت كلما طلبت نسخاً منهم كانوا لا يترددون، أيضا تجربتي مع دار أدب أخيراً كانت تجربة رائعة، وكانوا في منتهى الرقي، أتمنى لهم التوفيق.
أنا أتمنى أن أطبع كل أعمالي محلياً، لكن المعضلة الكبرى دائماً تكمن في الرقابة، جاءني ناشر محلي يرغب في طباعة كل نتاجي، عندما رفع روايتي (أطفال السبيل) للرقابة، أصبنا بإحباط، صحيح لم تمنعها الرقابة لكنها رفعت العديد من الملاحظات حول العمل من ضمن تلك الملاحظات صياغة بعض الفصول مرة أخرى، تخيل أن تعيد صياغة رواية لك من أجل الطبعة الثانية، أتفهم ذلك في الطبعة الأولى لكن أن أغير رواية فقط من أجل الرقابة أمر في غاية الصعوبة؛ لذا لم تنجح محاولة طبع النتاج مرة أخرى محلياً، وعلى سيرة الرقابة في عام 2009م ترجمت (جانجي) للغة الإنجليزية، وفسحت، بينما النسخة العربية ممنوعة، ونشر الصديق محمود تراوري حينها خبراً بعنوان: «الرقابة تمنع ووكيل الوزارة يترجم» بعد ذلك فسحت النسخة العربية.
من الأشياء الجميلة أيضاً أن رواية (نحو الجنوب) تحولت إلى فيلم سينمائي 2017م من إخراج عبدالرحمن عايل، وسيناريو نهلة محمد، وصُوّر الفيلم في نفس المكان الذي كانت فيه أحداث الرواية، وكانت تجربة رائعة بالنسبة لي، حتى بالنسبة لعبدالرحمن الذي أنتج الفيلم أكثر من مرة حتى يخرج في أفضل صورة، الفيلم عرض في المغرب في 2018م، في العام نفسه تواصلت معي قناة مشهورة بخصوص نقل روايتي (الفيومي) للشاشة، لأكتشف بعد ذلك بسنتين أنها قامت بإنتاجه عبر فريق قام بتشويه العمل بحيث لا يظهرون للعالم بأنها جناية، وكان الفعل مؤذياً جدّاً، فلو أخبروني لتعاونت معهم كما تعاونت مع الصديق عبدالرحمن عايل، الذي طلب مني إذناً خطياً بموافقتي على نقل العمل للسينما ووافقت مباشرة.
هذه بعض الحكايات الصغيرة حول أعمالي، وهناك الكثير لكن المساحة هنا تحكمنا.
• لديك مشروعات إبداعية غير كتابة القصة والرواية، لديك «روى» ومبادرة «انثيال» حدثنا عن هذه المشروعات، ولماذا تعمل عليها رغم التعب وقلّة المردود؟
•• بعد أكثر من عقد ونصف في الكتابة الإبداعية، انتابتني رغبة أصبحت مُلّحة مع الوقت، وهي رغبة تتعلق بما بعد مشروعي الخاص بالكتابة.
لا شك أن الكتابة في حد ذاتها منحة عظيمة، ومجد يكلل رؤوس الكتّاب، لكن إلى متى يتعامل الكاتب مع الكتابة بشكل فيه نوع من الأنانية، الكاتب الذي أمضى عقوداً من عمره في الكتابة، واكتسب منها الخبرة والأدوات، واستطاع أن يملك المهارة، والاحترافية التي قد تؤهله إلى نقل مهارة الكتابة إلى الآخرين، لماذا لا يفعل ذلك؟
صدقاً كان لدي هذه الرغبة الملحة والمضمرة في نقل هذه المهارة للناس الذين يرغبون في الكتابة، كان هذا النداء يتكرر صداه في نفسي كثيراً، لكن لم أتوصل للوسيلة التي تمكنني من ذلك.
في عام 2018م تحدث معي الصديق فؤاد الفرحان عن رغبته في أن نشترك في عمل يخص السرد، اجتمعنا تناقشنا أياماً عدة، ثم خرجنا بإطلاق مبادرة (انثيال) التي تعنى بمساعدة من يرغب في الكتابة الإبداعية، ولم يسبق له أن أصدر كتاباً من قبل، بحيث نصحب المشارك من لحظة انقداح فكرته إلى لحظة إصدار كتابه.
اتفقنا أن أقوم ومعي بعض الأصدقاء المعنيين بالكتابة بالمبادرة السردية، ويقوم الأصدقاء فؤاد الفرحان وعبدالعزيز الغامدي -رحمه الله- بالعناية بالجانب التقني الذي يخص المنصة الإلكترونية التي قررنا أن تكون هي مخيمنا الرقمي الذي منه ننطلق لعمل هذه المبادرة السردية التطوعية.
عملنا على نسختين؛ الأولى في 2019، وكانت مخرجاتها خمسة أعمال روائية، والثانية في 2020 وكانت مخرجاتها خمسة أعمال أيضاً، وما زلنا نبحث عن جهة تتبنى هذا المشروع الواعد.
بالنسبة ل(روى) في البداية كانت الفكرة مجلة شهرية ورقية باشتراك سنوي، يتكون العدد من ثلاثة أقسام: بروفايل عن الكاتب، ثم النص، ثم حوار مع الكاتب حول النص المنشور، اجتمع الفريق، واتقفنا على اسم المجلة، وناقشنا التفاصيل ثم وجدنا أنّ تكلفة البريد أكثر من تكلفة طباعة المجلة، فقررنا أن تكون المجلة رقمية، عملنا على الهوية، وحددنا المنصة، ثم قمنا بالإعلان عن المشروع، بدأنا مراسلة كتّاب السرد في المملكة وفي جميع العالم العربي، ووجدنا إعجاباً شديداً بفكرة المشروع، وشاركت معنا أسماء كبيرة في عالم السرد.
ثم نشرنا أول نص للروائية السورية شهلا العجيلي تحت عنوان: (إلى تشيخوف) عبر منصة (إكليل) واشترك عدد لا بأس به من القراء في المجلة، وصنعنا مجتمعاً عبر المنصة لمناقشة الأعمال المنشورة، ثم استضافة الكاتبة افتراضياً وقمنا بعمل حوار معها بحضور القراء.
تتالت الأعداد بعد ذلك، ووجدنا بعد ذلك أننا سنضطر مع الاشتراك السنوي أن ننشر أعمالاً جودتها أقل من المعايير التي وضعناها لقبول النص؛ لذا قررنا أن نوقف الاشتراك، وننشر النصوص متى توفر فيها الشرط، حتى لو دعا الأمر أن ننشر نصّاً في العام. قمنا بإعادة الاشتراكات لأصحابها كاملة، وهنا أتذكر موقفاً نبيلاً من الدكتورة الكويتية سعاد العنزي، إذ لم تقبل إعادة الاشتراك، وأخبرتنا أنه دعم للمشروع.
ربما موقف الدكتورة سعاد هو الذي حفزنا طيلة سنة كاملة على نشر عمل كل شهر.
نشر خلال ذلك العام 12 نصّاً عبر منصة (إكليل) ثم توقفنا بعد ذلك لرغبتنا في منصة مستقلة. ثم توقفنا.
خلال فترة التوقف كانت هناك العديد من النصوص التي تأتي لبريد المشروع، لكنها لم ترقَ للمعايير التي وضعناها؛ لذا لم ننشر، وأيضاً لكوننا في مرحلة انتقالية مهمة للمشروع، بعد ذلك انتقلنا لمنصة جديدة مستقلة هي منصة (روى للنشر) ونشرنا نص الكاتبة نجوى العتيبي بعنوان (أسئلة اليدين).
المنصة سهلة الاستخدام، وتتيح النص بصيغة رقمية، ذات تصميم موحد.
نسعى من خلال روى أن نحتفي بالنص الفريد، أن نبعث رسالة أن العمل ليس بعدد الصفحات وإنما بطريقة التناول، وهذا هو ما نحرص عليه، ونطمح في المستقبل أن نصدر الأعمال العربية بلغات العالم، من خلال الرهان على الكلمة والإيمان بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.