معركة إسرائيل وإيران الإعلامية.. والموقف السعودي    الظروف الجوية تجبر الهلال على تدريبات بدنية .. استعداداً لمواجهة العين الإماراتي    سان جيرمان يقصي برشلونة ب «ريمونتادا» مثيرة ويتأهل إلى نصف نهائي "أبطال أوروبا"    عودة بطولة بريطانيا للدراجات للسيدات    الهلال يطلب تأجيل لقاء الأهلي    السينما في عالم يتشكل    محادثات مشتركة بين وزيري الدفاع الأمريكي والصيني    مؤتمر باريس: مساعدات للسودان بأكثر من ملياري يورو    أخضر الصالات ينهي تحضيراته لمواجهة العراق في كأس آسيا    الإمارات تشهد أكبر كميات أمطار خلال الأعوام ال 75 الماضية    حريق يدمر بورصة كوبنهاجن    رئيس مجلس النواب الأردني يقيم مأدبة عشاء على شرف رئيس مجلس الشورى    فن «التعشير».. حماس المحاربين وفرح الأعياد    "عيد إثراء" يجذب أكثر من 95 ألف زائر    انخفاض الإنفاق بالعيد 31%    صندوق النقد: نمو الاقتصاد السعودي 6%    الخطيب: المملكة تركز على مشاريع سياحية مستدامة    أمير الرياض يحضر حفل تسليم جائزة الملك فيصل    مدرب تشيلسي يتوعد لاعبيه بعد مشاجرة ركلة الجزاء!    برنامج لتحسين إنتاجية القمح والشعير    أمير الشرقية يرعى تخريج دفعة بجامعة الملك فيصل    «موارد وتنمية الرياض» يقيم حفل معايدة لمنسوبيه    المملكة تعرض مبادراتها لحماية واستدامة البحار في مؤتمر «محيطنا» التاسع في اليونان    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 21 لمساعدة الشعب الأوكراني    ملابس العيد تتصدر نقاط البيع    أوقفت العمل والتعليم في المدن المتضررة.. الفيضانات تضرب عمان والإمارات والبحرين    المدينة المنورة تتقدم 11 مرتبة في المؤشر العالمي للمدن الذكية    محافظ جدة يستقبل القيادات العسكرية    نائب أمير مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير سعود بن مشعل يستقبل أئمة المسجد الحرام ومديري القطاعات الامنية    المملكة تُسجل رقمًا قياسيًا ونموًا في الحركة الجوية لعام    مذكرة تفاهم لتسريع استيفاء الحقوق الصادرة عن ديوان المظالم    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء الجمعية التعاونية الأستهلاكية    نائب أمير منطقة مكة يرأس لجنة الحج المركزية    القبض على شخص لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة القصيم    وزير الخارجية ونظيره الباكستاني يرأسان اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين    الأمين العام ل"التعاون الإسلامي" يُعزي سلطنة عُمان في ضحايا السيول    42 مزادًا لبيع 278 عقارًا في 11 منطقة    نائب أمير الشرقية يطلع على دراسة تطوير أقسام العزل الصحي بالمراكز الصحية    منتدى دولي لتطوير رحلة العمرة والزيارة    تأجيل مباراة الهلال والأهلي    بدء تسجيل الطلاب والطالبات المحتاجين في تكافل .. الأحد القادم    أمير منطقة تبوك ينوه بالجهود والإمكانيات التي سخرتها القيادة الحكيمة لخدمة ضيوف الرحمن    موافقة سامية على تشكيل مجلس أمناء جامعة الملك عبدالعزيز    "القوات الجوية" تشارك بتمرين "علم الصحراء"    علاج جديد يعيد الأمل لمرضى السلّ    ارتفاع أسعار الذهب    «رافد» تدعو أولياء الأمور للتسجيل في خدمة النقل المدرسي    تحرك مشترك وآليات للتنسيق الخليجي لمواجهة التطورات    كيف تصبح أكثر تركيزاً وإنتاجية في حياتك ؟    5 أكلات تريح القولون    ثلث النساء يعانين من صداع نصفي أثناء الدورة الشهرية    الكشف المبكر لسرطان الثدي    ماذا بعد العيد ؟    لصوص العيد    مراحل الوعي    أكثر من 380 ألف طالب وطالبة بتعليم جازان ينتظمون في 2,659 مدرسة    13 فكرة من آداب استخدام «الواتساب».. !    السلام.. واتس !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم شحبي يستعيد سيرة الحلّاج روائياً بوردة قاتلة
نشر في عكاظ يوم 03 - 02 - 2018

يقبل البعض أن نتحدث عن الزهد، ولا يقبل مصطلح التصوف، من باب التنطع، والتاريخ مصيدة، مثلما أنه صيد معرفي لمن ملك أدوات البحث والتقصي، ولا ريب أن للكمائن حضورها، وربما كانت الأداة الفنية (الرواية) -مثلاً- سبيلاً آمناً لمن يود توظيف التاريخ لخدمة قضايا معاصرة. والحلاج من الرموز الإسلامية الخالدة في سفر الزهد (التصوف)، وحياته تراجيديا مفرطة في الوجد، كونه أستاذ العشق العرفاني الكاملي، ومن لوازم الإعجاب والافتتان بشخصيته الفاردة والفريدة أنه أسطورة عند العرب وعند غيرهم من الأمم فرسا وروما وتركا وهندا وسندا، وحتى الملل والنحل البشرية تأثرت به، وكان عنواناً لما يعرف اليوم باليوغا والمناجاة الذاتية.
ومن يقرأ تاريخ الحلاج وسيرته يصل إلى قناعة بأن الرجل ذهب ضحية قضية مسيسة، وكان اللاعب الرئيس فيها فقهاء ووعاظ لا بضاعة لهم سابقاً ولاحقاً إلا الحسد لمن بزّهم علماً وتقى، والتحريض على كل من استشعروا خطورته كونه مؤهلاً لسحب البساط من تحت أقدامهم وقطعه عليهم طريق التعيش بالدين.
كتب المستشرق الفرنسي لويس ماسينون كتابه «آلام الحلاج» وتناول شخصية الحلاج المعرفية بدءا من محاولاته الأولى في الزهد الفردي ثم الروايات الرسمية لقضيته، وصولاً إلى «المشهد الجلي» لاستشهاده.
وكشف المؤلف عن شفافية هذا المتصوف الذي رفض «نظام السرية» الفطن الذي خضع له أتباع الصوفية الآخرون، وعرض مذهبه ضمن إطار علم الكلام في زمانه، والتحولات التي مرّ بها حتى بلوغه مراتب عليا في التجلي والكشف، وغدت له آليته الخاصة في أداء الشعائر، وكان مؤسساً لعلم التأمل، ومبشراً بنبوءات من خلال استقراء الواقع واستنتاج المستقبل عبر منهجية الصوم الطويل، ما أدخله في جدلية كبرى، دفعت الوشاة إلى اتهامه بالزندقة، والنيل منه بالتشكيك في معتقده، كونه فيلسوف الحب الإلهي، ولم يكن صاحب هوى كما نعته شانئوه، بل مؤسس طريقة لعبادة السر بعيداً عن الرياء وادعاء الورع والتقوى.
ويبقى الحلاج (الحسين بن منصور) مادة خصبة، للنقاد، والكتاب والشعراء، كونه عميق الأثر، في حياته، وكان أكثر تأثيراً إثر قتله وصلبه، إذ نجح في تحويل موته إلى درس لأجيال لاحقة لتتمكن من تخليص حب الله من كل ما سواه، وإعلاء مظنة الحق والعدل على أهواء المذهبية والطائفية، ولعل أبلغ ما في تجربة الحلاج أنه دفع حياته ثمناً لصدقه.
ويستعيد الروائي إبراهيم شحبي (الحلاج) عبر رواية «الوردة القاتلة»، الصادرة 2018 عن دار جداول، وتضمنت بعضاً من سيرة الحلاج (الحسين بن منصور) مزج فيها الكاتب بين الواقع والخيال، مستنداً إلى بعض ما كتب عن سيرته، وما آلت إليه نهايته المأسوية في بغداد من سجن وجلد وصلب، ثم قتل وإحراق، وذر رماد جسده في نهر دجلة، وتشير الرواية إلى بعض الأحداث المهمة في عصره، مستمدة ذلك من كتب التاريخ، وتقوم فكرة الرواية على تخيل نفحة من روح الحلاج بقيت في الأرض تستحثه على سرد تفاصيل سيرته الواقعية والمتخيلة، تلك البقية من الروح هي الوردة التي رماه بها صديقه (الشبلي)، بعد أن أحضرته شرطة الخليفة في بغداد ليشارك جموع الناس في رمي الحلاج المصلوب بالحصى، إمعاناً في تعذيبه، فأشفق عليه الشبلي ورماه بوردة، إلا أن ألمها النفسي على الحلاج كان أقوى من الحجارة، لأنها أتت من صديقه المقرب، فذهبت تلك الوردة ببعض روحه بينما صعدت بقيتها إلى السماء بعد قتله، وظلت تلك البقية تصله بعالم الأرض.
في مشهد من مشاهد الرواية يوثّق شحبي العلاقة الوجدانية بين رموز العشق الإلهي «أنا وردة محبك (أبوبكر الشبلي) التي أخرجتْ نارُها بعض روحك التي وهَبتْني الحياة قبل أن تصعد بقيةُ روحك بعد ضرب عنقك بالسيف إلى السماء فهِمْتُ وراءها في الفضاء لألتحم بها التحام الجزء بالكل فمضيتُ أسبح دون أن أدركها، وحيل بيني وبين أن اندمج فيها فتركَتْني بعد أن قصرتْ حدود قدرتي على إدراكها لأبقى إلى آخر الزمان أتلظى بالشوق إليها، ورغم مرور هذا الزمن في بعدي عنك فروحي البعض تشتاق روحك الكل، تطوي إليها الأزمان، وتعبر إليك مسافات النور».
وتتكامل السيرة المتخيلة لحياة الحلاج ولأسفاره ومواقفه الصوفية على لسانه كسارد تخللتها بعض العبارات من كتابه الطواسين، وبعض المرويات المختارة المنسوبة لبعض معاصريه «عندما أخبرت زوجتي أم الحسين بعزمي على السفر دون أن تكون بصحبتي بكت ورمت برأسها على صدري تتوسلني البقاء خوفاً عليّ من غوائل الطريق، فضممتها ورحتُ أقبّل عنقها ونحرها وكل جزء منها، فقد أحسستُ بحب جارف يجتاح مشاعرها لم تبح به من قبل بهذه الحرارة، أمضيتُ أياماً في محاولة إقناعها بضرورة خروجي للحج وطلب العلم، فلم يعد في البصرة ما يستحق البقاء من أجله إلا هي وابني، مؤكداً لها أن سفري لن يطول، وسأعود لها وآخذها إلى مدينة أكثر أمناً وسلاماً، وأوصيتها بنفسها فهي حامل، وأن تبقى في داري تحت رعاية والدها، فإذا شعرت بما يخيفها فلها أن تذهب إلى بيت أسرتها حتى أعود، أعطيتها بعض الدراهم، وأخبرتها أن تأخذ ما تحتاجه من بعض تجار البصرة الذين تربطني بهم صداقة ريثما أعود، فوافقتْ على مضض».
وفي المشهد الأكثر إيلاماً ومأساوية، يروي الحلاج الغائب الحاضر بشاعة الانتقام من زاهد مسالم «تقدم السياف نحوي مشهراً سيفه ومن حوله حملة الرماح والدروع، فقطع يدي اليمنى من مفصل الكف، ثم قطع يدي اليسرى من المفصل فلم أجزع، أو أتأوه، وبقيتُ مبتسماً، ولم يفتر لساني عن ذكر الله ومناجاته، لقد اعتصمتُ بشيءٍ أعظم من كل ما يدب على وجه الأرض من عدوانٍ وبغيٍ، اعتصمتُ بإيماني، ولذتُ بحبي، ولجأتُ إلى ربي، فغبتُ عن نفسي وعن حسي، فسموت إلى الأفق الأعلى، ودخلت نشوة المشاهدة فشعرتُ بنعيم القرب الذي أنساني ما أرى وما أتذوق من هول آلامٍ وعذابٍ، ولما أخذ وجهي في الاصفرار لكثرة ما نزف من دمي مسحت بذراعي النازفة على وجهي فخضَّبته بالدم حتى أخفي اصفراره، وقلتُ مبتسماً: ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.