كنت أعرفه تماماً ..قلب مفعمٌ بالبراءة ..ووجهٌ مثل وجه البدر ...في الأشهر الأولى من ولادته وبعد عملية الختان اكتشف الأطباء أنه مصابٌ بالهيموفيليا –سيولة الدم-عانى من هذا المرض الخبيث الأمرين ..حُرم من الركض والقفز كأقرانه , فأي إصابة مهما كانت بسيطة تعني تورّم ومعاناة طويلة مع المرض تستمر لأيام وشهور .. وصل إلى سن الدراسة والتحق بالمدرسة كان الجميع يعلم بحالته وكانوا متعاونين معه ..ووقعت الطامة الكبرى عندما جاء وقت استبدال الأسنان ..كان ينزف نزفاً شديداً دون توقف ...حتى أضطر الأطباء لأن ينقلوا إليه دم يعوضه عما فقده ...وليتهم لم يفعلوا ... كان الدم لا يخضع لأي فحوص .. ونُقل إليه دم ملوث بفايروس نقص المناعة (الإيدز)...وليس هو وحده بل كل من كان معه من الأطفال الذين دخلوا المستشفى في ذلك اليوم المشؤوم أصيبوا بذات المرض..... بدأ معاناة جديدة عندما أصابته لعنة الإيدز ...فدمه سريع السيلان واحتمال العدوى بالفايروس لمن هم حوله كبيرة ....كان منفصلاً عن الباقين يأكل وحده ويشرب وحده وتغسل ثيابه بعيداً عن ثياب إخوته ...وفي كل مرة يصاب بها بأبسط مرض يأخذه والداه إلى المستشفى لتلقي العلاج الخاص ....وبعد سنوات ساءت أحوالهم المادية ... وأصبح الوالد يستجدي العلاج من المستشفيات مجاناً والتي كانت تعطي للشاب صاحب الخمسة عشر عاماً علاج طفل في الثامنة ...الجرعات لم تعد تكفي ليأخذ الجسم المناعة الكافية...وبدأت صحته بالتراجع ...حتى بلغ السابعة عشرة ...وجاء الموت ليأخذه من حضن والده وهو لا يلوي على شيء .... فمن المسؤول ..من المسؤول!