العرب القطرية في تراثنا العربي الأصيل أنواعٌ من مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال ما زالت تتناقلها الأجيال على مر القرون. بيد أن الخُلُق الأهم والمنقبة الأتم التي يفخر بها العربي ويعدّها مفرق رأسه وقلادة معصمه هي الكرم والجود وإعانة الملهوف ونجدة المكروب. ولذا كان من مأثور القول مدح سفانة بنت حاتم الطائي رضي الله عنها لأبيها (إن أبي كان يفكّ العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب، ويفشي السلام ويُطعم الطعام). وكان أمثل أجواد العرب وأنبلهم أولئك النفر الذين تعلو هممهم عند حلول الأوقات التي يشتد فيها البلاء كالليالي الشاتية، أو عند وقوع الأزمات والمجاعات، أو اشتداد الحاجات سواء كانت خاصة أو عامة. ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فكان له القِدح المُعلّى والنصيب الأطيب الأوفى وضرب في أمر الكرم والنجدة والإغاثة والرحمة أروع الأمثال: يحدثنا جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه عن حادثة وقعت في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيها أعظم العظة والعبرة، قال جرير: كنا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صدر ِالنهارِ، قال: فجاءه قومٌ حُفاةٌ عُراةٌ مُجتابي النِّمارِ عليهم أثر الفاقة «الفقر» فتمعَّر وجهُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لما رأى بهم من الفاقةِ فدخل ثم خرج، ثم خطب الناس ودعاهم إلى الصدقة ولو بشق تمرة! قال: فجاء رجلٌ من الأنصارِ بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجِزُ عنها فوضعها ثم تتابع الناسُ حتى رأيتُ كَومَين من طعامٍ وثيابٍ، قال جرير: فرأيتُ وجهَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يتهلَّلُ فرحاً كأنه مذهبة. ثم أطلق النبي صلى الله عليه وسلم تلك القاعدة العظيمة: من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَن عمل بها بعدَه من غير أن ينقص من أجورِهم شيءٌ!. هذا هو ماضينا وتلك مآثرنا، بل هذا هو ديننا وشرع ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم. أما واقعنا.. فوا خجلاه، واحزناه، واحر قلباه!! كم يستغيث بنا المستضعفون وهم جوعى وهلكى فما يهتز إنسانُ في كل بقعة لنا مصيبة وفي كل مكان لنا جُرح غائر وفي كل قطر لنا إخوة يعانون القهر والجوع والشدة والتشريد ولا نزال نأكل الطعام ونضرب في الأسواق وننعم بالرفاهية ونلتذ بالنعيم وكأننا عن هذا العالم بمعزل. كنا نعتذر لأنفسنا عن دعم المجاهدين والمظلومين بأنواع الأعذار، فما عُذرنا ونحن نرى الصبية يتضاغون جوعاً وينتفضون برداً بل ويموتون في مخيم اليرموك وفي الزبداني وفي الغوطتين المحاصرتين: يموتون جوعاً وعرياً وبرداً، فيما يموت ذووهم من الكبار في ميادين القتال قتلاً وتفجيراً وتدميراً. أين الدين؟ أين الإيمان؟ أين المروءة؟ أين النخوة العربية؟ بل أين الرحمة والشفقة وأين حقوق الطفل والمرأة بل وحقوق الإنسان؟ لقد ذهبت تلك الشعارات وتولت تلك المكارم ولم يقم ببعض فرض الكفاية سوى نفر من أهل العلم والدعوة والخير (عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) ورغم ضعف إمكاناتهم وقلة حيلتهم ومنعهم في كثير من الأحيان من نشر الحسابات البنكية إلا أن جهودهم قد أثمرت أينع الثمار، وما أمر حملات كرافانات مخيم الزعتري عنا ببعيد. لقد كان عشرات الآلاف من البشر يعيشون في خيام لا تُكِنُّ من مطر ولا تُجِنُّ من برد ولا تحمي من هواء، وما هو إلا قليل حتى أُطلقت تلك الحملات فتغير الحال وسكنت آلاف الأسر السورية المنكوبة المحصورة في مخيم الزعتري في بيوت جاهزة دافئة آمنة مطمئنة وذلك بجهود فردية وفي ظروف غير مهيأة ولا مواتية. فكيف لو كانت حملات الإطعام والتدفئة والعلاج والسكنى حملات عالية المستوى تقوم بها حكوماتنا أو كبريات مؤسساتنا أو كبار علمائنا ورجال أعمالنا؟ وقتها ستكون حاجاتنا ومآسينا المتعلقة بالجوع والفاقة والمرض صفحة تاريخية ماضية لا وجود لها في واقعنا. أيها الموسرون من المسلمين عامة.. ومن أهل الخليج خاصة، اتقوا الله في إخوانكم المسلمين واجعلوا ثراءكم سبب خير لكل مسلم مكروب، وتذكروا موعظة نبيكم صلى الله عليه وسلم القائل: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وتذكروا أن الجزاء من جنس العمل، فمن نصر إخوانه فهو موعود بالنصر ومن خذلهم فليخش من العقوبة. [email protected] صفحة الكاتب على تويتر http://twitter.com/ReemAlatef