اعترف ابتداء أن اهتمامات المواطن العربي قد احتكرتها لقمة عيشه اليومية، من أين يكتسبها؟ وكيف يحسّن نوعيتها؟ وهل يستطيع الدفاع عنها في وجه غول الغلاء الفاحش الذي يكتسح في طريقه كل المواد الغذائية من دون استثناء؟ وهل إذا بقي عنده بعض وقتٍ يفيض عن سعيه وراء حاجته وحاجة عياله، فأين؟ وكيف يصرف ذلك الوقت المستقطع؟ قد لا يختلف المواطن العربي المغترب كثيرا عن أخيه المحصور داخل حدود الوطن. لكن قد تتنوع اهتمامات هذا المغترب أكثر. لكنها في النهاية تصب بوعاء البحث عن مصادر اللقمة، في تحسينها أو الدفاع عن بقائها في نفس مستواها في هذا الزمن الذي لا يعترف بشيء اسمه حاجة ضرورية يجب أن ندافع عنها في وجه غول الغلاء ووحش الاحتكار. مع هذا الاهتمام الشخصي الصرف، كنا نتحسس ما يهم وطننا العربي غير بعيد عن السياسة، اقتصاداً وسلطة. كانت البسمة ترتسم في وجوهنا أحيانا عندما كنا نسمع ونقرأ عن ارتفاع أسعار البترول عالميا ، وإن كنا في النهاية لن ينالنا –كأفراد- شيء من تلك العوائد الدولارية الضخمة، إلا أننا كنا نقول مع المثل: "اطلب الخير لجارك تجده في دارك". ظاهرة سيئة أزعجتنا، رافقت ارتفاع أسعار النفط، وهي انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، (لا حبا في أمريكا، فربما كان خفض قيمة الدولار هو من صنع ساسة واشنطن) لأن عملات معظم بلداننا العربية مرتبطة بشكل أو بآخر بالدولار. ومع تنامي هذه الظاهرة قد يقال: انقلب السحر على الساحر. ولكن من هو الساحر هنا؟ براميل نفط يرتفع سعرها ودولار أمريكي ينخفض سعره. ما جعل البسمة التي ارتسمت تنقلب إلى عبوس وتقطيب في وجوهنا، وتركتنا نتحسس جيوبنا وما فيها من غلة ضئيلة اقتطعناها من مصروفنا اليومي لندخرها لوقت الحاجة ولتعليم أبنائنا، خصوصا أننا كنا مقطوعين عن بلداننا، -ولكل أسبابه- إن كان لأحدنا فيها مال أو عقار. وهكذا .. وجدنا قطعة الثلج ولا أقول كرة الثلج تذوب شيئا فشيئا، ومدخراتنا –القليلة على كل حال- تتضاءل يوما فيوما. ولأن أكثر المواطنين العرب لم يستفيدوا من زيادة أسعار البترول، فقد غدا ارتفاع قيمة برميل النفط التي سعدنا لها يوما ، نقمة على هؤلاء المواطنين –لاحقاً- لا نعمة. وعندما بدأت براميل النفط تتدحرج أسعارها هابطة بسرعة، كأنها تقول: "ما طار برميل وارتفع . .إلا كما طار وقع"، عادت البسمة الخجول ترتسم على شفاهنا، لا تشفيا من أصحاب براميل النفط، بل لأن انكماش الدولار توقف، بل بدأ يرتفع بخجل وإن كان ارتفاعا متعثرا، فاستعادت الريالات والدراهم القليلة في جيوبنا بعضا من عافيتها. ليس ارتفاع سعر برميل النفط أونزوله، ولاذوبان مدخرات المواطن مع انخفاض قيمة الدولار أو تناميها هو ما دفعني إلى تسجيل هذه الخواطر، فهناك من لايملك مدخرات أصلا. بل فعلت لأمور أجل وأخطر. فأخبار المال كانت تذاع مع نشرات الأخبار السياسية على مدار الساعة، ما جعل المتابع مضطرا لسماع أخبار الأسهم العالمية والعربية، -شاء أم أبى- تحمل معها ما يذكرنا بهامشية اهتمامات أصحاب رؤوس الأموال، وأصحاب مليارات الدولارات. فما ساءني في نشرات المال عبر الفضائيات، أن صفقات ضخمة لم تكن تذهب في مشاريع البنية التحتية في أقطارنا العربية، أو في بناء مصانع سيارات توقف نزيف المال العربي في شراء تلك السيارات، أو في مشاريع الزراعة في السودان الذي يصفه خبراء الزراعة بأنه سلة الغذاء ويمكنه لو استثمر أراضيه جيدا، أن يحقق الاكتفاء والأمن الغذائيين في العالم العربي الذي يستورد معظم غذائه من أمريكا ومن أستراليا وأوروبا. لقد سمعنا أن محافظ ضخمة بعشرات مليارات الدولارات تأسست لشراء أصول مؤسسات مالية في أمريكا، أو لشراء نوادٍ رياضية أوروبية، أو لشراء أرصفة لتحميل السفن في بعض الولاياتالأمريكية. لعل المضحك المبكي في الأمر أن السلطات الأمريكية حاولت إيقاف صفقات الأرصفة زيادة في الإغراء للشراء أو رفض إتمام هذه الصفقات. فهل استنفدنا بناء المشاريع في البلاد العربية، بلداً بلدا، حتى نشتري نادي "مانشستر سيتي" الرياضي بمليارات الدولارات، كما فعل متمولون عرب؟ وفي مجال المؤسسات المالية: هل خلت البلاد العربية من مؤسسات استثمارية مالية حتى تشتري هيئة "استثمار أبو ظبي" بنك "سيتي كروب" في العام 2007، في صفقة قيمتها 7.5 مليار دولار بقيمة 30 دولارا للسهم. وبعد ثلاثة أشهر هبطت قيمة سهم هذا البنك في 15 سبتمبر إلى 15 دولارا (كما ذكرت الحياة في 17 سبتمبر من نفس العام)؟ أي أن الصفقة أصبحت بنصف قيمتها حينئذ. ولا ندري كم بلغت قيمة سهم هذا البنك الآن خصوصا وأن هذا البنك كان من البنوك التي تزعزع مركزها المالي خلال الأزمة المالية التي ضربت أمريكا في صيف عام 2008! فربما تكون الخسارة تضاعفت الآن. لست خبيرا في الاقتصاد. لكن الكل يعرف أن أصحاب المؤسسات المالية الغربية لا يبيعونها كاملة إلا إذا كانت على شفا الإفلاس. وكما يقول المثل المعروف: "لو كان فيها خير ما رماها الطير"... وهذا ما أظهر للعالم أجمع: كم كانت المؤسسات المالية الضخمة في أمريكا تنطوي على دخيلة سيئة، وقد كان مدراؤها يعلمون، لكنهم ساكتون لا يتكلمون كما تبين للحكومة الأمريكية عندما انكشف المستور؟ حتى إذا فاض الإناء بما فيه ظهر "عوار" تلك المؤسسات، بل "عماها" دفعة واحدة! .. اللهم لا شماتة،،،،،