المسألة لا تحتاج إلى آلة حاسبة ولا إلى ورقة وقلم كي تتأكد أن المسألة بطيخ في بطيخ، فقد كشف تقرير صادر عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية نشرته جريدة المدينة، أمس، عن أن أكثر من 52 بالمائة من المسجلين لدى التأمينات الاجتماعية يتقاضون رواتب أقل من 1000 ريال شهريا، منهم 21 بالمائة يتقاضون رواتب أقل من 500 ريال، أي أننا باختصار أمام ملايين الحالات التي نعلم جميعا أنها تتقاضى رواتب وهمية لتفادي نسب السعودة، أو تم تسجيلها برواتب أقل من الحقيقية لتفادي نسبة التأمينات التي حددها النظام، وهذا الاستنتاج لا يحتاج إلى (نشدة شيخ) أو سؤال خبير مختص، فأنا وأنت عزيزي القارئ نعرف أن هذه الرواتب وهمية دون أن نطلع على التفاصيل، فكيف قبلت مؤسسة التأمينات بتسجيل ملايين الأسماء بمثل هذه الرواتب، وهي تعلم علم اليقين أنها أمام وهم كبير؟!.عموما، سأفترض عزيزي القارئ أنني وإياك نطلق أحكاما سريعة على أشياء لا نفهمها، ونتجه إلى رأي الخبير الاقتصادي محمد دليم القحطاني الذي قال معلقا على تقرير مؤسسة التأمينات: «إن هذا الأمر به تحايل والمؤسسة العامة للتأمينات تعلم أن هناك تحايلا»، فلماذا تقبل هذه المؤسسة العملاقة بمثل هذا التحايل الواضح، والذي لا يمكن أن يمر على تلميذ في الصف الأول الابتدائي، بل وتنشر هذه الإحصائية محاولة أن تستخف بعقولنا، وتريد منا أن نصدق بأن حوالي 3 ملايين عامل وموظف يعملون بهذه الأجور التي لا تكفي حتى بنزين السيارة للذهاب إلى العمل يوميا والعودة بباص خط البلدة توفيرا للنفقات؟!.. هل المسألة (جمع فلوس والسلام)؟. وهل هذه المؤسسة التي تملك الأبراج العملاقة والمشاريع الجبارة بحاجة إلى هذه المبالغ التي جعلت سوق العمل يقوم على أسس من الوهم والتلاعب والتحايل حتى أصبح الأمل بحل المشاكل المستعصية المتعلقة به وهما أكبر؟!.التأمينات على لسان مصدر مسؤول فيها حاولت تبرير هذا الوهم المكشوف بحكاية أنها تنسق مع وزارة العمل لاعتماد الحد الأدنى في الأجور والبالغ ثلاثة آلاف ريال؛ كي تتلافى مثل هذا الأمر في المستقبل، هل تعلمون؟!، لقد بدأت أتعاطف مع وزارة العمل وأفهم لماذا عجزت منذ أيام القصيبي رحمه الله وحتى أيام فقيه في حل مشاكل سوق العمل، فهي تتعامل مع سوق للبطيخ، حيث لا يمكن الإمساك بأي شيء حقيقي، فالضحك على الذقون هو سيد الموقف، فكل الجهات المرتبطة بسوق العمل تفعل ما يحلو لها من مخالفات جسيمة، ثم ترمي كوارثها على وزارة العمل كي تتعامل مع هذا الواقع البطيخي؟!.من الناحية العملية، مؤسسة التأمينات الاجتماعية هي أهم الجهات التي تدير سوق العمل في البلاد، بل إنها أهم من وزارة العمل، فهي التي تملك السجلات، وهي التي تعلم قبل غيرها بتنقلات العاملين وترقياتهم والزيادات التي تطرأ على رواتبهم، ومن دونها يستحيل أن تعرف أي جهة كانت واقع سوق العمل، فكيف يمكن الوثوق بمعلوماتها إذا كانت هي نفسها تقبل بملايين الحالات الوهمية وتسجلها رسميا وتتقاضى نسبتها من هذه الرواتب الوهمية، كيف يمكننا التحدث عن أي دور لوزارة التخطيط أمام هذا الوهم الكبير؟، وكيف تستطيع أي جهة اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية قراءة الواقع، في الوقت الذي تعتمد فيه مؤسسة التأمينات الاجتماعية على معلومات ليس لها أدنى علاقة بالواقع؟!.من أطرف الآراء التي حملها تقرير جريدة المدينة حول هذه الإحصائية أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية جهة (مستقلة) ولا شأن لها بوزارة العمل، وهو رأي ثقيل الدم بالطبع، ولكن مكمن الطرافة فيه يأتي حين ننطق كلمة (مستقلة) على طريقة أشقائنا في السودان!. نقلا عن (عكاظ)