تعاني منطقة اليورو مرضا مزمنا يزداد تفاقما ويصيب الأسواق المالية العالمية بنوبات مستمرة من الألم الحاد، لكنها تفتقر إلى علاجات فورية له. و قال تانغ شوانغ نينغ، المسؤول السابق بالبنك المركزي الصيني فى مقالة نشرتها صحيفة "الشعب" اليومية الصينية مؤخرا "على نحو مغاير للولايات المتحدة التي شهدت أزمة مالية حادة ولكنها تمكنت من التعافي منها على نحو سريع نسبيا، فإن أزمة الديون الأوروبية الحالية الجارية أزمة سرطانية". وذكر تانغ، وهو حاليا رئيس مجموعة "تشاينا أيفربريت"، أن المشكلات في أوروبا مزمنة وقد لا تنتهي في غضون أشهر قليلة، وتنجم عنها آلام مفاجئة مبرحة تلقي بظلال قاتمة على الاقتصاد العالمي. لا يوجد المزيد من الوقت لإضاعته.. العالم يتحدث عما إذا كانت منطقة اليورو ستظل قائمة بعد شهور قليلة أم لا». وتزايدت حدة الأزمة في منطقة اليورو نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض في أسبانيا الأسبوع الماضي لتتجاوز المستويات التي جعلت اليونان والبرتغال وإيرلندا وقبرص تضطر لطلب حزم إنقاذ. وقد جاء ذلك بعد أيام فقط من موافقة مدريد على اقتراض مبلغ يصل إلى 100 مليار يورو لدعم بنوكها المتعثرة. علاوة على ذلك، قال مسؤولون بالاتحاد الأوروبي إن اليونان بعيدة جدا عن تحقيق أهدافها للإصلاح بواسطة حزمة الإنقاذ الثانية، التي اتفق عليها قبل خمسة أشهر فقط. وكانت محادثات قد بدأت حول برنامج إنقاذ كامل جديد من أجل أثينا واحتمال قيام البنوك المركزية باتخاذ إجراء لمنح اليونان المزيد من الوقت لإعادة هيكلة قطاعها المالي العام. وفي ضوء تراجع على نحو أسرع للاقتصاد اليوناني الذي يمر بعامه الخامس من الركود، الأمر الذي يعمل على تآكل قدرته على سداد ديونه، يرى الخبراء أن هناك احتمالا في أن يسير هذا الاقتصاد في حلقة مفرغة. وقال تانغ "إذا اختارت اليونان عدم الخروج من منطقة اليورو، فلا بد أن تطبق خفضا شديدا في الإنفاق. ولكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الرعاية الاجتماعية لمواطنيها"، مضيفا "أن استياء الجمهور سيحفز حينئذ الحكومة على تخفيف الإجراءات التقشفية، ما سيثير غضب ألمانيا ويوقف في نهاية المطاف المساعدات المالية الخارجية". ويواجه المقرضون الأغنياء في أوروبا مأزقا مماثلا حيث ينبغي على الساسة الاختيار بين اليورو وناخبيهم الذين لا يحبذون فكرة ربط الأحزمة على البطون لمساعدة جيرانهم الفقراء. ويقول المحللون إن جوهر مشكلة أوروبا تكمن في اختلال التوازن بين مؤسسات الرعاية الاجتماعية السخية وركود النمو الاقتصادي. إذ تضطر الحكومات لاقتراض الأموال ويفرض النظام الانتخابي الديمقراطي ضغوطا عليها لتقدم تعهدات غير عملية أو حتى مستحيلة لجذب الناخبين. وقال تانغ إن "أوروبا وقعت الآن في مأزق". ان مستقبل اليورو، وهو عملة موحدة جريئة وخلاقة بدأ العمل بها في عام 1992، لا يزال غير واضح حتى الآن. ويقول المحللون إن الأزمة الحالية، التي تمر الآن بعامها الثالث، يمكن أن تدفع القارة إما إلى توافق أكبر حول تشكيل اتحاد مالي أو "ولايات متحدة أوروبية" محتملة، أو تقسيم الاتحاد ، إذ أن خروج دولة واحدة من اليورو، بأي شكل من الأشكال، يمكن أن يكون له تأثير الدومينو، ويؤدي إلى انهيار كامل للكتلة التي تضم 17 عضوا. وقال تانغ "إننا لا نرى في الوقت الحاضر أي تقدم أو تراجع في أوروبا حول مشكلات الديون" مضيفا أن "أوروبا تؤجل أي حلول أو قرارات لأنها تضم العديد من البلدان المختلفة ذات الكثير من المصالح المتباينة". ويؤثر افتقارها إلى اتخاذ عمل سريع وفعال ومنسق على جميع الشركاء التجاريين في أوروبا، مثل الولاياتالمتحدة وآسيا، والذين يتعين عليهم مواجهة انخفاض حاد في طلبيات الصادرات وقد يخسرون نحو 20 بالمائة من إجمالي حجم التجارة. وإن تباطؤا لا مفر منه تقريبا يشهده الاقتصاد العالمي حاليا سوف يشكل تهديدا كبيرا على قدرة دول منطقة اليورو على استعادة النمو. وقال هيكو بيترز، الخبير الاقتصادي في "دويتشه بنك" لوكالة أنباء "شينخوا" إن "الأمر سيستغرق من الدول عقدا أو أكثر لإعادة توازن اقتصادياتها". من جهته، قال جان كلود يونيكر رئيس وزراء لكسمبورج ورئيس مجموعة اليورو في تصريحات صحفية نشرت أمس إن منطقة اليورو تمر بمرحلة حرجة وعليها التحرك سريعا جدا لحماية الاستقرار المالي للمنطقة. وقال يونيكر لصحيفة سوديتشه تسايتونج الألمانية إنه "لا يوجد المزيد من الوقت لإضاعته.. العالم يتحدث عما إذا كانت منطقة اليورو ستظل قائمة بعد شهور قليلة أم لا". وجاءت هذه التصريحات بعد أيام قليلة من وصول سعر الفائدة على سندات الخزانة الأسبانية إلى مستوى قياسي جديد يزيد على حاجز 7 بالمائة الحيوي. وقال يونيكر في رسالة موجهة إلى وزراء مالية منطقة اليورو التي تضم 17 دولة من دول الاتحاد الأوروبي "علينا أن توضح بكل الوسائل المتاحة لدينا أننا مصرون على حماية الاستقرار المالي للاتحاد النقدي". وأكد يونيكر أن دول منطقة اليورو إلى جانب البنك المركزي الأوروبي وآلية الاستقرار المالي الأوروبية مستعدين للقيام بشراء سندات دول اليورو المتعثرة ماليا بصورة عاجلة لمساعدة هذه الدول في مواجهة ضغوط أسواق المال عليها. وأضاف "علينا أيضا أن نحدد ما الذي سنفعله ومتى" مشيرا إلى أن سرعة التحرك ستعتمد على التطورات خلال الأيام القليلة المقبلة.