بعد نحو عام من الانتظار المر، دشنت الهيئة العليا لمكافحة الفساد عملها، بالإعلان عن عمليات فساد من العيار الثقيل، طالت مسؤولين كباراً في وزارات خدمية، كان ينبغي أن تكون، مثالاً يُحتذى به في الشفافية والصدق والمُثل العليا، وخدمة المواطن، وتوفير حاجاته، والارتقاء به، وليس العكس. تدشين عمل الهيئة بقدر ما أسعد الملايين، الذين استشعروا أن زمن الفساد قد يذهب إلى حال سبيله قريباً، بقدر ما أصاب الكثيرين بالتوجس والخوف من المفاجآت المقبلة للهيئة الوليدة، التي حصلت على صلاحيات ملكية، تطال الفساد والفاسدين كائناً من كان، فلا نستبعد أن نسمع أن مسؤولين كنا نحبهم ونحترمهم ونجلهم، يثبت أنهم لصوص للمال العام. وليس في الأمر جديد، إن عرفنا أن الفساد انتشر وترسخ في قطاعات عدة، إلى أن فاحت رائحته النفاذة، مما يحتاج إلى اقتلاع جذوره بآلية محكمة، تحد من العشوائية التي قد تفتح الباب أمام عمليات الانتقام الكيدية والتشفي، وعلينا أن نمعن النظر في عمليات الفساد التي أعلنت عنها الهيئة أخيراً، لنجد أنها تمت في ظل تعطيل متعمد للأنظمة، وتجاهل تنفيذ التشريعات، وهي أمور شجعت ضعاف النفوس على التلاعب بمصالح الناس والغش والتدليس، ومن الخطأ الاعتقاد أن الهيئة بمفردها تستطيع القضاء على الفساد في المملكة، خاصة إذا عرفنا أنها (الهيئة) لا تتحرك إلا إذا وضعت تتجلى الاستفادة إذا منعنا هؤلاء من إهدارهم للمال العام، بأنظمة إدارية ذات عيون وألسن وأيدي، ترشد عنهم، شريطة أن تخلو هذه الأنظمة من البيروقراطية. يديها على أدلة الفساد، وبراهين الغش، فماذا ستفعل إن انعدمت هذه الأدلة والبراهين؟ وهذا ما سيحرص عليه الفاسدون مستقبلاً بعد أن يستوعبوا الدرس، وهذا يؤكد أن الفساد لن ينقطع مسلسله، إلا إذا وجد نظام إداري محكم، يصل إلى الفاسدين أثناء ارتكاب الجرم، أو قبل السطو على المال العام، أو قبل تهريبه أو إنفاقه. وإذا كان مواطنون دعوا الهيئة إلى مكافحة الفساد من أعلى المناصب، فإني أدعوها إلى مكافحته قبل وقوعه، فلن يستفيد الوطن أو المواطن من حبس مائة أو ألف مسؤول «فاسد»، وإنما تتجلى الاستفادة إذا منعنا هؤلاء من إهدارهم للمال العام، بأنظمة إدارية ذات عيون وألسن وأيدي، ترشد عنهم، شريطة أن تخلو هذه الأنظمة من البيروقراطية، التي هي شكل من أشكال الفساد. [email protected]