قبل أسبوع من كتابة هذا المقال دُعيت من قبل منظمة الهلال والصليب الاحمر العربي لحضور ندوة حول اليوم العالمي للهلال والصليب الأحمر الدولي، فتم استعراض معاهدات جنيف الأربع المعنية بالمصابين والمفقودين واللاجئين والأسرى والقتلى من العسكريين في الميادين القتالية البرية والبحرية وغيرها وكذلك المعنية بالمدنيين في مناطق القتال، فاستحضرت بحثا سابقا لي يقارن بين معاهدات جنيف الأربع ومبادئ الحروب والأعمال القتالية في الإسلام. وهذه المبادئ هي منهج القوات المسلحة في المملكة العربية السعودية. وكان عنوان البحث «اللاءات العشرون ومعاهدات جنيف». ونستطيع القول إن الشعوب والأمم، عبر التاريخ وفِي تعاملها مع الشأن الحربي، تعمل وفق ما تمليه عليها مبادئها وقوانينها وعاداتها، بل وقبل ذلك ما تمليه عليها معتقداتها الدينية. والمتتبع التاريخي يجد ان الامم المتحضرة في القرنين الماضيين أبرمت معاهدات واتفاقيات مشتركة، سواء كانت ثنائية أو ضمن الإطار العام الإقليمي أو الدولي لتعالج شأن الحروب والعمليات العسكرية على مختلف المستويات، سواء المستوى الاستراتيجي او المستوى العملياتي او المستوى التكتيكي، آخذة في الاعتبار الأطراف المتضررة من الحروب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. والمتتبع لمعاهدات جنيف الأربع يجدها بدأت في 1860 تقريبا، حيث كانت انطلاقة أول معاهدة من المعاهدات الأممية المسجلة في العصر الحديث المبنية على مشاهدات من نتائج الحروب والصراعات، فالمعاهدة الأولى تهتم بالجرحى العسكريين في ميدان المعركة، ثم تلتها المعاهدات الثانية والثالثة، وأخيرا المعاهدة الرابعة، وتهتم جميعها بالأسرى والمصابين والمفقودين والمساجين واللاجئين والمدنيين غير المنخرطين بالقتال. ونجد أن المملكة العربية السعودية، كدولة عضو في الاممالمتحدة وقبل ذلك بعصبة الامم، اعتنت كثيرا بهذه المبادئ منطلقة من مبادئها الشرعية التي أمر بها الله ورسوله ووصى بها الخلفاء الراشدون منذ 1400 سنة، فارضة قيودا ومبادئ حتى جعلت تلك القيود -إذا صح التعبير- منهاجا لها في حروبها وقتالها وتعاملاتها مع الدول الأخرى سواء في شأنها الداخلي أو في شأنها الخارجي، وكذلك تعاملها مع اعمال الارهاب المختلفة المحلية منها والدولية وانها تتعامل بها قبل مسألة توقيع او عدم التوقيع للمعاهدات الأربع وبروتوكولاتها. والمتتبع لمبادئ المملكة يعلم أن المملكة سنت قيودا على أعمال القتال والحروب وغيرها، حتى ناهزت العشرين قيدا سميتها ب«اللاءات العشرين»، فعلى سبيل المثال نجد وصايا القرآن الكريم والاحاديث النبوية ووصايا الخلفاء الراشدين تقيد حركة الجنود في الميدان أو خارج الميدان، بل وأكثر من ذلك نجد أن هذه القيود او اللاءات العشرون اعتنت ليس فقط بالبشر بل والحيوان والشجر أيضا، وجعلت لكل منها نصيبا في الحفاظ عليها وعلى وجودها في الحياة «لإعمار الارض وليس لدمارها». من هذه اللاءات العشرين: لا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا صبيا ولا عابدا أو راهبا في صومعته ولا تهدموا دارا ولا تقطعوا شجرة أو تذبحوا حيوانا إلا لضرورة ولا تمثلوا بالجثث. وكذلك منها: الا تقاتلوا الا لدفع الظلم او رد العدوان وعليكم إيضاح اهداف القتال قبل بدئه وتفادي البدء بالحرب والامتناع عن الغدر والجنوح للسلم إذا جنحوا له، وعليكم بالعفو والصفح وحفظ الانفس. من يضع معاهدات جنيف في كفة و«اللاءات العشرين» في كفة يجد ان كفة «اللاءات العشرين» تميل وترجح بقوة ضد كفة معاهدات جنيف. وهذه المبادئ والقيم تعالج اعمال الحروب ما قبل الحرب وأثناء الحرب وبعد الحرب، ليتبين جليا أن الهدف من هذه اللاءات العشرين هو «الإعمار وليس الدمار». وبالنظر لأهمية هذه المبادئ، فلا بد من تنظيم مؤتمر دولي تحضره جميع الجهات ذات العلاقة في أعمال الحروب، سواء الوحدات المقاتلة والمنظمات المعنية بالعون والإنقاذ والسلامة وكذلك المنظمات العدلية والقانونية الدولية.