تَجَهَّمَ العيدُ وَانْهَلَّتْ بَوَادِرُهُ وَكَنْتُ أَعْهَدُ مِنْهُ البِشْرَ والضَّحِكا كَأَنَّما جاءَ يَطْوي الأَرْضَ مِنْ بُعُدٍ شَوْقاً إلَيْكَ فَلَمَّا لَمْ يَجِدْكَ بَكى «ابن رشيق» ذكّرني تأدّب ابن رشيق وتهنئته غير المطروقة لصاحبه الذي كان غائبًا في عيد ماطر، بصديق التقيتُه وهو ممتعض من رسالة تهنئةٍ نصيّةٍ وردت على هاتفه بمناسبة قدوم العيد. كانت الرسالة مذيٌلة باسم غريب غير اسم الشخص الذي أرسلها إليه. رمى صاحبي هاتفه جانبا، وقال لي، كان الناس قبل ثورة الإنترنيت في مجتمعنا يباركون لبعضهم في المناسبات الهامة كالأعياد وغيرها، من خلال الزيارات أو عبر الهاتف إذا كانوا بعيدين عن بعض. آما اليوم، فقد أصبح للتقنية أثر كبير في تغيير عاداتنا الاجتماعية. فمعظم الناس يلجؤون للرسائل النصية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنيت ليبعثوا تهانيهم، ربما قبل المناسبة بأيام. والسبب الرئيس في ذلك هو سهولة وسرعة ورخص العملية، حيث بإمكان أحدنا بعث رسالته للجميع بلمسة واحدة، بعد أن ينسخ نص الرسالة من مصدر آخر، ودون أن يكلف نفسه عناء كتابتها، أو حتى تعديلها. وتابع كلامه، بأنه خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة بعد انتشار برامج التواصل الاجتماعي كالواتس أب، رأى العجب العجاب فيما يتبادله الناس من التهاني والتبريكات في الأعياد. وذكر لي هذه الأمثلة ورأيه فيها. هناك تهانٍ عامة يرسلها شخص لمجموعة من الناس دفعة واحدة دون أن تحمل اسم أي منهم. ويكون المرسِل هو كاتبها وليست صورة أو نصا منقولا. وهذه الرسالة من التهنئة ليست الأفضل ولكنها تبقى مقبولة. وقد تجد تهنئة مرسلة لشخص معيَّن دون أن توجه له باسمه. وفي الغالب هي رسالة منسوخة وملصقة. وهذه تنقصها اللباقة. والأجدى أن تكتب في الرسالة اسم صاحبك أو لقبه المفضل. وتعبر له بكلماتك أنت، فمهما كانت بسيطة، فهي الأفضل. وقد ترى رسائل يهنئ صاحبها نفسَه ويدعو لها قبل أن يهنئ المرسَل إليه أو يدعو له. ومثال ذلك: «تقبل الله منا ومنكم،» أو «رحم الله والدينا ووالديكم»، أو «لا تنسونا من دعائكم» وهذه فجّة، وتحمل روح الأنانية والجهل معا. فهل يزاحم الرجلُ الكريمُ ضيفَه على طعامه؟ وهل يطلب منه أجر إطعامه؟ أم أنه يعطيه أفضله! أمامك العمر كله لتدعو لنفسك ووالديك. اترك هذه الرسالة مخصصة لصاحبها وأهله، ولا تزاحمه فيها. قل مثلا: «تقبل الله منكم صالح أعمالكم، ورحم والديكم، وأعتقكم من النار» وقف عند هذا! وهناك رسائل يتكلم صاحبها عن نفسه بصيغة الجمع، مثل: «يسرنا أن نهنئك»، وتلك الرسالة عدم إرسالها خير من إرسالها. والأحرى أن يبدي المرسِلُ التواضعَ ويتكلم عن نفسه بصفة المفرد لا الجمع. ويفضَّل أن يخاطب المرسَلَ إليه بصفة الجمع، مثل «يسرني أن أهنئكم» أو «أشكركم على تهنئتكم الرقيقة». والأغرب أن تجد رسائل يكون المرسَلُ إليه قد سبق صاحبها بالتهنئة. ولكن صاحب الرد يغفل الإشارة إلى ذلك، وكأنه لم يرها. ولا يشكر صاحب المبادرة. فتلك تخلو من الذوق. والأسوأ من ذلك، أن تكون الرسالة المبادِرة شخصيةً وبالاسم ويكون الرد برسالة عامة لا اسم فيها ولا شكر على المبادرة، وتلك ينقصها حسن الذوق والأدب. فالإسلام علمنا بأن نرد التحية بمثلها أو بأحسن منها. والصحيح أن يكون الرد بمثل: «أشكركم أخي العزيز فلان على المبادرة بالتهنئة. وأنا أبارك لكم....» فهناك شكر وتقدير على فضل المبادرة. وهناك ذكر لاسم صاحب المبادرة، لتكون الرسالة خاصة ومصوّبة باتجاه الشخص وليست مسلوقة سلقًا ومن طرف اللسان، كما يقولون. وهناك ما يسميه صاحبي حوار الطرشان. أناس في مجموعة تواصل، كل منهم يبعث برسالة تهنئة بقدوم رمضان أو العيد، دون الرد على من سبقه. وهذه معناها أن الكل يرسل ولكن لا أحد يستقبل. والأفضل في مثل هذه الحالة أن يشكر الشخص من سبقه، ويهنئ الجميع، بدلا من الإرسال وكأن شيئا لم يكن. وملاحظة أخرى حول التهنئة ضمن الأقارب. فابنُ يرسل لأبيه أو لعمه أو لخاله رسالة عامة دون كلمة «أبي» أو «والدي» أو «عمي» أو «خالي».. وتلك والله طامة، لأنها رسالة جلفة تخلو من البِر بالأب ومن هم في منزلته. والأسوأ أن تكون رسالة عامة مذيلة بكلمة «أخوك فلان». وتابع كلامه بأن رسائل التهنئة التي لا تحمل اسم الشخص الموجهة إليه، هي مثل «العزيمة المراكبية» كما يقولون، حيث لا نية صادقة بالدعوة، وإنما هي من باب المجاملة ورفع العتب. وهي أيضا مثل أن تدعو ضيفا وتجلسه عند الباب. بينما لو وجهت له رسالة باسمه، فكأنك أجلسته في صدر مجلسك، بل في قلبك. الهدف من التهنئة هو التعبير الصادق عن مشاعرنا تجاه الآخرين الذين نحبهم، والسعي بشكل أساس إلى إدخال السرور والبهجة إلى نفوسهم. وليس الهدف التعالي عليهم أو إغفالهم. يبدو أننا ابتلينا بمرض العصر، بالتعلق بالقشور وترك المضمون، فالصلاة والصيام وغيرها كلها واجبات نؤديها كالآلات فقط بلا روح. والتهنئة مثلها، المهم أن نؤديها ولو صفعنا بها وجه صاحبنا، فهذا غير مهم.