أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لجوازات المنطقة    "أوكيو" تدشّن المرحلة التشغيلية لبرنامج "لدائن" بتسعة مصانع    "البيئة" تحذّر من الاحتطاب الجائر وتؤكد: عقوبات رادعة لحماية الغطاء النباتي    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل رئيس وأعضاء جمعية "تعافي"    محافظ الأحساء يرأس اجتماع برنامج المدن الصحية    إطلاق مبادرة "احترافية القرار" لتمكين طلاب المرحلة الثانوية من مهارات اتخاذ القرار    لقاء ديوانية جمعية أكابر لكبار السن بمنطقة عسير لعام 2025م    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في معرض الدوائر الحكومية المتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان    الشؤون الإسلامية بالمدينة تشارك في البرنامج التوعوي "إنما يعمر مساجد الله من آمن" بمحافظة ينبع خلال شهر جمادى الآخرة    القيادة تهنئ ملك مملكة بوتان بذكرى اليوم الوطني لبلاده    مسار رياضي لذوي الإعاقة بتعليم مكة    وزارة الداخلية تطلق حزمة خدمات رقمية جديدة تعزز التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي    أمين التعاون الإسلامي: السلام العادل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال والاستيطان وتجسيد سيادة دولة فلسطين    الشؤون الإسلامية بجازان تُنفّذ (555) جولة فنية في الجوامع والمساجد خلال شهر نوفمبر 2025م    15 يوما على تطبيق قرار إلزام شركات الطرود بعدم استلام الشحنات البريدية دون العنوان الوطني    جستر محايل تزور غرفة عمليات المدن الصحية بالمركز الشبابي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل وفد من أعضاء مجلس الشورى    أمير منطقة الجوف يرأس اجتماع المحافظين الأول للعام 1447ه    وزير الخارجية يستقبل رئيس مجلس أمناء وأعضاء مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية    المساحة الجيولوجية : الهزة الأرضية المسجلة اليوم بالمنطقة الشرقية لم تحدث خسائر    أمانة الشرقية ومركز البركة يوزعان 300 حقيبة شتوية على عمال النظافة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    نوح ومحمد أكثر الأسماء شعبية في كندا لعام 2024    مسجد عمر بن الخطاب.. معلم إسلامي تاريخي يروي بدايات العمارة الدينية    مظلات المسجد النبوي.. تُحف وإبداع معماري    فيصل بن مشعل يطلع على برامج الكلية التطبيقية بجامعة القصيم    شوطا «المنغولية» في أكبر تجمع للصقور بالعالم    «هيئة الحرمين» توفّر سوارًا تعريفيًا للأطفال    أمير نجران يُدشِّن مبادرة النقل الإسعافي للمرضى المحتاجين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالصحافة يفتتح أحدث مركز للطب النووي والتصوير الجزيئي    تعليق الدراسة.. قرار تنظيمي تحكمه إجراءات ومعايير واضحة    جودة الحياة: تقدم جودة الحياة في مدن السعودية    إطلاق برنامج «خبراء التطوير المهني» التعليمي    رصد مخالفات بيع على الخارطة.. هيئة العقار: مباشرة الإجراءات النظامية بحق 25 مطوراً عقارياً    أمينة العنزي: أول رائدة في مجال الصقارة بالحدود الشمالية    أبها يحافظ على الصدارة.. وسباق الهدافين يشتعل بين سيلا سو و نوانكو    الأخضر بطلاً لكأس الخليج تحت 23 عاماً    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة تنزانيا    فوز المملكة برئاسة اتحاد إذاعات الدول العربية    الإعلام تنظم جلسة «حديث إمباك» بصنع في السعودية    الرياض وجمال المطر    في دور ال 32 لكأس ملك إسبانيا.. قطبا العاصمة أمام تالافيرا وبالياريس    حققت 26 جائزة متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية.. السعودية الأولى عالمياً في مسابقة WAICY للذكاء الاصطناعي    الحياة الفطرية يطور الحوكمة ب« الثقوب الزرقاء»    القيادة تعزي ملك المغرب في ضحايا الأمطار والفيضانات    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    بسبب قمع المعارضين.. كندا تفرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين    ترفض أي وجود لقوات غربية.. روسيا تسعى لإنهاء الحرب في أوكرانيا    «أمهات المختطفين»: عذبوا المحتجزين.. مطالبة باستبعاد مسؤولين حوثيين من مفاوضات مسقط    الصحة العالمية: ظهور سلالة فيروسية جديدة للإنفلونزا    5 أشياء في منزلك تزيد من خطر السرطان    تراجع النفط إلى أدنى مستوياته الشهرية    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيسة جمهورية تنزانيا المتحدة    ساركوزي قد يمثل أمام القضاء مجدداً بشبهة التلاعب بالشهود    ترامب وقع أوامر تنفيذية في أقل من عام أكثر ممّا وقعه في ولايته الأولى    أمير جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    زيلينسكي: مقترحات إنهاء الحرب في أوكرانيا قد تُعرض على روسيا خلال أيام    أمير جازان يستقبل مدير عام حرس الحدود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجابري ومفهوم التسامح.. فحص وتحليل (13)
نشر في اليوم يوم 22 - 05 - 2016

في كتابه (قضايا الفكر المعاصر) الصادر سنة 1997، ناقش الدكتور محمد عابد الجابري (13541431ه/19362010م)، مفهوم التسامح في نطاق علاقته بالفلسفة والدين والأيديولوجيا، متخذا من الفلسفة مدخلا وإطارا ومنهجا، في سعي منه لإقامة نوع من الربط بين التسامح والفلسفة، ليكون التسامح أقرب إلى الفلسفة من الدين والأيديولوجيا.
ومع أن الدكتور الجابري يرى أن مفهوم التسامح ينتمي إلى سجل الفضائل ومكارم الأخلاق التي تمتدح في سلوك الشخص وينصح بالتحلي بها، إلا أن من المناسب في نظره التدقيق في هذا المفهوم من خلال ربطه بالفلسفة، باعتبارها البوتقة التي تمتحن فيها المفاهيم، ولكونها تمثل المجال الحيوي لإغناء هذه المفاهيم ومنحها القوة، قوة التأثير في الفكر والسلوك.
ولتأطير التسامح داخل الحقل الفلسفي، حدد الدكتور الجابري ثلاثة محاور أساسية للتدقيق والنقاش، منطلقا في كل محور من سؤال مركزي، هذه المحاور وتساؤلاتها هي:
أولا: التسامح في الفلسفة، والسؤال المركزي في هذا المحور هو: هل تقبل الفلسفة التسامح داخل مملكتها؟ وهل طبقته تاريخيا؟
ثانيا: التسامح كموضوع للفلسفة، والسؤال المركزي في هذا المحور هو: هل هناك فلسفة أو فلسفات للتسامح؟ وهل التسامح مفهوم فلسفي حقا؟
ثالثا: التسامح كفلسفة، والسؤال المركزي في هذا المحور هو: إلى أي مدى يمكن توظيف هذا المفهوم في التفكير فلسفيا في قضايا عصرنا؟
في المحور الأول يرى الجابري أن الفلسفة هي أكثر المجالات استعدادا لقبول التسامح والعمل به، فهي كما تعرف بصورة عامة البحث عن الحقيقة، ولا تعني امتلاكها، وما دام المرء يبحث عن الحقيقة ولا يدعي امتلاكها، فهو بالضرورة يعترف بالتعدد والاختلاف، ويتجنب إصدار أحكام تقصي الآخر، ولهذا فإن الفلسفة في نظره هي المجال الحيوي للتسامح.
وحين تساءل: ولكن هل كانت الفلسفة طوال تاريخها المديد مخلصة لهذا المبدأ؟
أمام هذا السؤال لا يستطيع الجابري أن يجيب بالإيجاب مطمئنا إلى أنه يقول الحقيقة كل الحقيقة، وما أثار شكه بهذا الأمر ما ذكره المفكر الألماني كارل ياسبيرز (1883-1969م) في كتابه (مدخل إلى الفلسفة)، من أن الفلسفة غالبا ما خانت نفسها.
هذا القول رتب عليه الجابري اعتبار أن الفلسفة حصل وأن تجاوزت مهمتها من البحث عن الحقيقة إلى إدعاء امتلاكها، التحول الذي يصفه الجابري بإنقلاب الفلسفة إلى أيديولوجيا تعمل على تقرير الحقيقة، وتقدم نفسها بوصفها واحدة كاملة لا حقيقة بعدها.
ولكن متى ولماذا تتحول الفلسفة إلى أيديولوجيا، من مجال حيوي للتسامح إلى مجال يغلق الباب بقوة في وجه التسامح؟
في نظر الجابري أن الفلسفة تتحول إلى أيديولوجيا كلما تخلت عن مهمتها النقدية، واستسلمت للأمر الواقع تعكسه بوصفه الحقيقة. ويستدرك الجابري بعد هذا الكلام، مظهرا ميلا إلى الأيديولوجيا ومعتبرا أن تحول الفلسفة إلى أيديولوجيا في حالات معينة يعد شيئا طبيعيا، ولا يشكل بالضرورة خيانة لنفسها، فالفلسفة لا يجوز لها ولا يمكنها أن تبقى دائما متعالية عن الزمان والمكان، وبعيدة عن قضايا الإنسان، بل لا بد لها من الالتزام، ويصبح هذا الالتزام ضرورة.
وبشأن المحور الثاني، وبعد أن تساءل هل هناك فلسفة للتسامح وهل التسامح مفهوم فلسفي؟
أجاب الجابري بقوله: إن لفظ التسامح كان غائبا في الخطاب الفلسفي عموما، سواء تعلق الأمر بالفلسفة العربية أو بالفلسفة اليونانية أو بالفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة، ومع أن تاريخ الفلسفة شهد مذاهب كثيرة ومتنوعة في الأخلاق، وهناك فلاسفة ركزوا جهدهم الفلسفي أو قصروه حصرا على ميدان الأخلاق، مع ذلك لا يجد الجابري في قاموس مصطلحاتهم لفظ التسامح إلا نادرا وبصورة عرضية في الغالب، وإذا غاب المفهوم فمن الطبيعي في نظر الجابري أن تغيب الفلسفة التي تؤسس نفسها عليه.
وعن تفسيره لهذا الغياب، يرى الجابري أن التسامح ليس مفهوما أصيلا في الفلسفة، بل هو يقع بين الفلسفة والأيديولوجيا، وناظرا إلى أن هذه الكلمة لم تدخل الفلسفة من باب الفلسفة نفسها وإنما من باب الأيديولوجيا، ولهذا بقي مفهوم التسامح في نظر الجابري موضوع تشكيك واعتراض، ولم يقبل في رحاب الفلسفة إلا بامتعاض ومع كثير من التسامح والتساهل.
أما بشأن المحور الثالث، وبعد أن تساءل إلى أي مدى يمكن توظيف التسامح في مواجهة اللاتسامح في عصرنا؟
أمام هذا التساؤل يرى الجابري لا بد من التدقيق في المعنى الذي ينبغي اعطاؤه لكلمة تسامح عندما يراد توظيفها ليس في الفلسفة وحسب بل وفي الدين والسياسة أيضا، لكون أن الحاجة التي تدعو إلى توظيف شعار التسامح في ميدان الدين هي غيرها في ميدان السياسة والأيديولوجيا، وهكذا في ميدان الفلسفة.
وما ينتهي إليه الدكتور الجابري أن التسامح لا يمكن أن يوظف في مواجهة قضايا العصر الكبرى إلا بالاقتران مع مفهوم العدل، وحسب قوله: إن عالما يفتقر إلى العدل والاعتراف بالآخر وبحقه في امتلاك خصوصية خاصة به، وفي تقرير مصيره، سواء كان هذا الآخر فردا أو أقلية دينية أو عرقية أو كان شعوبا وأمما، عالم مبني أصلا على الظلم واللاتسامح، ومن ثم فلا معنى لرفع شعار التسامح ضده إلا مقرونا بالعدل الذي ينطلق من توفير حق الغير.
هذا هو تقريبا إجمال قول الدكتور الجابري حول مفهوم التسامح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.