لعل البعض يستغرب عندما يعلم أن أصل المشاكل التربوية في عدم تربية الأبناء علي تحمل المسؤولية، ولو حلل المربي أو دقق لعلم صحة ما نقوله، فأي شكوى من شتم الأبناء أو عنفهم أو تكاسلهم عن الصلاة يرجع لسبب عدم تحملهم للمسؤولية، فعندما يتحمل الطفل مسؤولية نفسه وإخوانه وأهله والمجتمع فإنه سيكون مبادرا ومعينا وكريما ومستقيما، وعندما يلغي أي اعتبار للناس أو للمجتمع أو للخالق فإنه يتصرف بطريقة أنانية وسلبية لأنه لا يهمه إلا نفسه فلا يتحمل أي مسؤولية. وبالمناسبة فإن كثيرا من المربين يخطئ في الوقت الذي يربي فيه الطفل على تحمل المسؤولية، فبعضهم يبدأ من عمر سبع سنوات وبعضهم يبدأ من سن المراهقة والصواب أن يبدأ من عمر ثلاث سنوات، فهذا هو العمر المناسب لتعلم تحمل المسؤولية لأنه سن التعويد والتدريب للطفل، فلو علمناه حمل حذائه ووضعه في مكان مخصص فإنه سيتحمل مسؤولية حذائه كل يوم، ولو علمناه ترتيب غرفته فإنه سيتحمل مسؤوليتها كذلك، وبعض الآباء يظنون أن من محبتهم لأبنائهم أنهم يتحملون كل مسؤولياتهم ولا يعلمون أنهم بهذا التصرف يفسدونهم ولا يربونهم، فإني أعرف أما استمرت في مذاكرة ابنتها حتي المرحلة الجامعية وتسهر أحيانا لعمل واجباتها وهي نائمة، وأعرف أبا أولاده أطول منه وما زال يحمل لهم حقيبتهم المدرسية كل صباح، وقصص كثيرة يعبر بها الوالدان عن حبهم بطريقة خاطئة تفسد الأبناء وتميت عندهم روح تحمل المسؤولية. ولهذا فإن هناك تسعة أساليب جمعتها لو اتبعها المربي لساهم في تربية أبنائه على تحمل المسؤولية وهي: الأولى أن يوزع مسؤوليات البيت على أبنائه ولو كانوا صغارا فيعطي كل واحد منهم مسؤولية حسب عمره، والثاني أن يستخدم التأديب في حالة ترك الابن القيام بمسؤولياته مع أعطائه الثقة والدعم للاستمرار في تحمل المسؤولية، والثالث إذا تأخر الابن في تنفيذ المهمة الخاصة به فلا يبادر المربي بإنجازها حتي لا يتعود الابن على إلقاء مسؤولية مهامه على والديه،، والرابع لو أعطاك ابنك وعدا بإنجاز عمل معين ولكنك شعرت أن العمل أكبر من طاقته وقدراته ففي هذه الحالة يمكنك التدخل لمساعدته مع استمراره في أداء المهمة، والخامس أن تطلق عليه أوصافا من باب التشجيع فتسميه مثلا (المهندس الصغير) أو (المنجز السريع) أو (المساعد الإداري) أو إذا كان كبيرا تطلق عليه وصف (ولي العهد في البيت) وهكذا حتى يتحمس في تحمل المسؤولية، والسادس تدريبه على تحمل المسؤولية الاجتماعية في المجمتع بالمشاركة بأنشطة وبرامج مع فرق شبابية في حملة لتنظيف الشواطئ أو حملة للتقليل من التدخين أو حملة لبر الوالدين أو حملة عدم الإسراف بالماء والكهرباء وهكذا، والسابع إذا كلفت ابنك بمسؤولية تكون واثقا في أن يؤديها وتشجعه بالكلام بأنه قادر على إنجاز المهمة، والثامن متابعة الابن بأداء الصلاة لوقتها فالتزامه بهذه المهمة يعني أنه تحمل مسؤولية أداء التكليف الرباني، والتاسع تعليم الطفل لو رأى خطأ بالمدرسة أو في المجتمع أو في السوق أن يبادر بالنصيحة أو ابداء الملاحظة إما بتأييد السلوك لو كان حسنا أو محاولة تغييره لو كان منكرا وهو ما نسميه نحن (بالتربية الاحتسابية) يعني أن يكون آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر. ففوائد تحمل المسؤولية كثيرة وأساليبها متنوعة ولكن أهم ما فيها أن نجعل الطفل يعتمد على نفسه ويتحمل مسؤولية قراراته، فلو أخطأ يصحح خطأه، ولو حقق إنجازا يفرح بإنجازه، فلا يعتمد على الآخرين في يومياته ولا يلقي باللوم على الآخرين وهو ما نسميه بمرض (الإسقاط) فيسقط تقصيره على الآخرين ويكونون شماعة له، وقد مرت علي حالات كثيرة في فشل الزواج بسبب عدم تحمل مسؤولية الزوج أو الزوجة لمهام الأسرة، وعند البحث عن السبب أكتشف أن عدم تربيتهم على تحمل المسؤولية من صغرهم هي السبب في فشل الزواج، فلو عملنا بمنهج (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وبمنهج (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لكانت تربيتنا ناجحة.