حينما يعتذر الكبار في أحد المجالس العلمية أهديت أحد أساتذتي نسخة من كتابي (تنزيل الآيات على الواقع)، فأخذ يقلبها ثم قال بابتسامة على مسمع من الحضور: (تنزيل) مصطلح شعبي وليس بعلمي!! فالتزمت الصمت. وفي اليوم الذي يليه وفي نفس المجلس ونفس الحضور نظر إلي وقال: مصطلح (تنزيل) مصطلح علمي وأصيل، عرفت ذلك من خلال قراءتي للكتاب، واستخدام العلماء له كابن القيم والشاطبي. أنا آسف يا أخ عبدالعزيز. حينما يتأسف الكبار يكون ذلك درساً للأجيال، وإخباراً لهم بأنَّ الإنسان مهما بلغ علمه فإنه إلى الله أحوج (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، إنه درس في التواضع والاعتراف بالخطأ مهما كلف الأمر، لا سيما في قضايا العلم والمعرفة التي تبني قيم الإنسان وحضارته. كدنا نخسر شيخ البلاغة القرآنية قد تكون الاستجابة إلى رأي أحد الطلاب نوعاً من الحمق، غلطة ارتكبتها المجموعة في بداية الفصل حينما حذرنا أحد زملائنا الطلاب بأن نرفض أن يقوم بتدريسنا شيخ البلاغة القرآنية في العالم العربي الأستاذ الدكتور: محمد محمد أبو موسى؛ بحجة أنه لا ينجح عنده أحد. دخلت المجموعة على وكيل الدراسات العليا بقصد الاحتجاج... فدرَّسنا أبو موسى وأفادنا، وأمتعنا، ونجحنا، ونتشرف بأننا من تلاميذ هذه القامة العلمية الكبيرة رغم أنوفنا جميعاً. مجلس القسم المتخصص يوافق ومجلس الكلية يرفض!! قدمت إلى مجلس القسم خطة بحث في أحد موضوعات علوم القرآن، فتمت الموافقة عليها بالإجماع، ثم ترفع إلى مجلس الكلية فيرفضها بحجج غير واضحة منها، أنَّ الموضوع لا يؤهل لأن يكون رسالة علمية، وعندما اتصلت بأحد أعضاء المجلس الموقر وهو غير متخصص في الدراسات القرآنية أجابني بأنَّ هذا الموضوع كتب حوله مناع القطان في كتابه مباحث في علوم القرآن!! الله يعينك يا أخ عبدالعزيز.. دور لك موضوع ثاني.. استعجل قبل فوات الوقت!! وإن تعجب فعجب من هذه التراكمات الغريبة المحزنة، قسم متخصص في الدراسات القرآنية يربو عددهم على (30) متخصصاً يوافق، ومجلس ليس فيه متخصص إلا واحد يعارض، فيكون الطالب ضحية بين المجلسين. كما تعجب من حجة أحدهم الذي يعتبر كتاب الشيخ مناع القطان (مباحث في علوم القرآن) مصدراً مهماً في تحرير المسائل، واستيعابها، ويبدو أنه نسي أنَّ الكتاب كتب لأن يكون مقرراً دراسياً يعرض المسائل على سبيل الإجمال لا التفصيل!! لله الأمر من قبل ومن بعد.. فكم وئدت كثيراً من الموضوعات المهمة بحجج واهية. وجود الدراسات السابقة لا يعني الاكتفاء بها كنت دائم السؤال لأحد الأساتذة حول رأيه لبعض الأفكار البحثية، التي قد سبق الكتابة فيها، فكان يُرحب ولا يمانع في ذلك بحجة: أنَّ هناك فرصة للبحث، فكم من موضوع قيل عنه: قتل بحثاً فإذا سبرته وجدته غير ذلك. بخلاف بعض أعضاء المجالس/الأقسام العلمية الذين يردون موضوعات علمية رائعة بحجة أنَّ فلاناً قد كتب في هذا الموضوع، وهم لم يكلفوا أنفسهم بالنظر في خطة البحث والمقارنة بينها وبين البحث السابق. ما تمارسه بعض المجالس سيكون مخجلاً للتاريخ في يوم من الأيام. أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة الإمام