تمر أوقات يتخيل فيها الإنسان أنه أكثر من يتعرض للظلم في هذه الدنيا وخاصة في العمل، ليس من أحد يختلف على أن هذا الشعور بالظلم له أثر سيئ على الإنسان والغالبية العظمى من الموظفين الذين يتعرضون للظلم هم الذين اختاروا عدم السكوت على الخطأ، والأمانة في أداء أعمالهم ولم يلجأوا إلى التزلف إلى رؤسائهم وإسماعهم ما يودون سماعه، وليس ما تقتضيه منهم الأمانة المهنية والمصلحة العامة، مثل هؤلاء الموظفين للأسف الشديد هم الأكثر عرضة لظلم من رؤسائهم! من واقع خبرة عملية تفوق ربع قرن فإن الواسطة والمحسوبيات مرض فتاك أثر سلباً على الأداء والخدمة في بعض المؤسسات وخاصة الحكومية، ومن أسبابها إسناد المسؤوليات على أسس ليس من بين أولوياتها الكفاءة المهنية للموظف، وإذا ما تجاوزنا ما تسببه هذه الحالة للموظفين الأكفاء من إحباط، فإن لها تداعيات سلبية على أداء المؤسسة، فهي تؤدي إلى صعود غير الأكفاء درجات السلم الوظيفي، وهؤلاء وبدافع من شعورهم الداخلي بأنهم غير مؤهلين للمناصب التي يشغلونها يعيشون على هاجس القلق من مرؤوسيهم الأكفاء الذين يرون فيهم تهديداً لمناصبهم، وبالتالي فإنهم يناصبونهم العداء ويشنون عليهم حرباً خفية مستخدمين ما تتيحه لهم المسؤولية من قدرة على تسخير اللوائح والنظم لتزييف الحقائق من أجل حجب الضوء عنهم خوفاً من أن يحلوا محلهم على كراس يدركون جيداً هم قبل غيرهم عدم أهليتهم لها. الموظف المظلوم وظيفياً يلجأ إلى التظلم إلى المدير العام أو المسئول الأعلى، وفي هذه الحالة تلعب العلاقات الحميمة بين المدير ورئيسه، الذي ينظر في التظلم المرفوع له، دوراً في اغتيال العدالة التي يبحث عنها الموظف المتظلم، فغالباً ما يتم غلق الباب في وجه الأخير من خلال نفوذ المدير العام أو الرئيس الأعلى، فيضيع صوته إلى إشعار آخر، المسئول الأعلى لا يقبل في أي حال من الأحوال أن يتعرض مدير رشحه هو لمساءلة قانونية أو للجان تحقيق داخلية، وحتى عندما يحال الموضوع الى لجنة تحقيق داخلية، فإن نزاهة أعضاء تلك اللجان قد تغيب بدافع كون أغلب أعضائها موظفين في تلك المؤسسة لهم مصالح ينظرون لها بعين الاعتبار، ونتيجة لذلك يضيع حق الموظف المتظلم، بل ربما في حالات كثيرة يتم تجميده وظيفياً أو ينقل إلى إدارة أو عمل لا يتناسب مع مؤهلاته!. ما سبق يستدعي تفعيل دور الأجهزة الرقابية للقيام بالرقابة الدقيقة والمستمرة لأداء إدارات المؤسسات الحكومية لضمان عدم الإخلال بأمانة العمل والوظيفة، وبموازاة ذلك يجب معالجة الاختلالات التنظيمية والإدارية في مؤسسات القطاع العام بما يضمن تقليل المركزية التي تدار بها تلك المؤسسات، فالسلطة المطلقة لدى المدير هي أحد مداخل الظلم الإداري كون النفس أمارة بالسوء إلا من رحم ربي ومع يقيني بأن المدير الظالم لا يقرأ مثل هذه المقالات وإن قرأ لن تردعه تلك الكلمات عن الاستمرار في غيه وما دام القهر والظلم والغبن سلاح تلك الإدارات الفاشلة التي تستخدمها لكبح حماس كل موظف يرجو العلو والرفعة لمهنته وتخصصه أملي وطموحي أن يفهم أولئك القابعون خلف مكاتبهم والذين تركوا مهمة مراقبة العمل.. لعملائهم السريين أن يجلسوا مع أنفسهم.. ولو لمرة واحدة فقط أو أن يحاسبوا أنفسهم على ما اقترفت أيديهم قبل أن يُحاسبوا حينها سوف يعرفون مدى ما اقترفوا في حق وطنهم وإخوانهم وستكون البداية بإذن الله تعالى لتصحيح المسار. إعلامي وكاتب مُتخصص في قضايا الشأن العام