البنك السعودي الأول يدشن فرعه الجديد في مقره الرئيسي "برج الأول"    "زين السعودية" تسجل إيرادات بقيمة 2.5 مليار ريال للربع الأول من العام 2024    نائب أمير تبوك يتوج الفائزين بجائزة "رالي تبوك تويوتا 2024"    "التخصصات الصحية" تطرح مشروع تحديث التقويم التكويني المستمر    التنوير وأشباه المثقفين الجدد    مختص مناخ ل "الرياض": المملكة بعيدة عن تأثيرات الانفجارات الشمسية    القوات المسلحة تشارك في تمرين "الأسد المتأهب"    الأدوية وأفلام الرعب تسببان الكوابيس أثناء النوم    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول الأمطار على عدد من المناطق    استقبال طلائع الحجاج بالهدايا وحزمة البرامج الإثرائية    مخاوف من انتشارها.. سلالة جديدة من كورونا يصعب إيقافها !    «عدّادات الأجرة» تخضع لأحكام نظام القياس والمعايرة    طبيبة سعودية تنقذ راكبة تعرضت للصرع على متن رحلة جوية    الذكاء الاصطناعي.. الآتي أعظم    انتكاس تجربة «إيلون ماسك» لزرع الشريحة    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الطبية والغذائية    السعودية وتايلند.. تعزيز التجارة واستثمارات واعدة    كنو: موسم تاريخي    صحف عالمية:"الزعيم لا يمكن إيقافه"    براعم النصر .. أبطالاً للدوري الممتاز    أخضر الناشئين لكرة الطائرة إلى نهائيات كأس آسيا    ختام ناجح لأسبوع الرياض الصناعي    100 مليون ريال في المرحلة الأولى.. "جونسون كنترولز "تصدر" تشيلرات يورك" سعودية الصنع إلى أمريكا    جمعية مرفأ تنفذ دورة "التخطيط الأسري" في جازان    محافظ الزلفي يزور فعاليه هيئة التراث درب البعارين    القبض على مقيمين لنشرهما إعلانات حملات حج وهمية    اكتشاف قدرات الأيتام    المنامة تستعد للقمة العربية.. وغزة تتصدر أعمالها    مؤسس فرقة «بيتش بويز» تحت الوصاية القضائية    النزل التراثية بالباحة .. عبق الماضي والطبيعة    "هورايزون" و"بخروش" يفوزان بجائزتي النخلة الذهبية    أكبر منافسة علمية عالمية في مجال البحث العلمي والابتكار.. «عباقرة سعوديون» يشاركون في آيسف 2024    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    الماء    مصادر «عكاظ»: لا وجود ل «المسيار» أمام المحاكم.. تراخيص المكاتب «هرطقة»    توقيع اتفاقية تعاون وتقديم خدمات بين منصة وتطبيق متر ووكالة سمة للتصنيف    اجتياح الاحتلال لرفح يوقف معظم المستشفيات    خبراء صينيون يحذرون من تحديات صحية ناجمة عن السمنة    حذروا من تجاهل التشخيص والتحاليل اللازمة .. مختصون: استشارة الإنترنت علاج مجهول    حملة للتوعية بمشكلات ضعف السمع    جودة النقد بين نور والهريفي    أول دوري للبادل في العالم.. وقفات ومقترحات    الإسقاطات على الكيانات !؟    وما زال التدهور يخيّم في الأفق..!    مساحات ثمينة    الطلبة الجامعيون وأهمية الاندماج في جميع المناطق    الشمري يرفض 30 مليون ريال.. ويتنازل عن قاتل ابنه بشفاعة أمير منطقة حائل    أمير الرياض يتفقد المجمعة ويدشّن مشروعات تنموية    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين    وصول المنتخب السعودي للعلوم إلى الولايات المتحدة للمشاركة في آيسف 2024    المدينة أول صديقة للتوحد بالشرق الأوسط    الجوف: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    تعليم عسير يُعرّف ب«نافس» تعليمياً ومحلياً.. و8 ميداليات ومركزان في الأولمبياد الوطني للتاريخ    وزارة الحج تدعو لاستكمال التطعيمات المخصصة لحجاج الداخل    مقرن بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج الدفعة السادسة لطلاب جامعة الأمير مقرن    جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز تحتفل بتخريج الدفعة السادسة    تدشين مشروعات تنموية بالمجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقدت الشرقية عالماً حكيماً بذل وجاهته في قضاء مصالح الناس
«فؤاد الماجد» فارس ميادين الاحتساب والدعوة
نشر في اليوم يوم 19 - 06 - 2015


استطلاع: الشيخ سامي المبارك، الشيخ محمد الهزاع
إن السماء والأرض تبكي على موت الصالحين المصلحين مصداقا لقوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ).
في الأسبوع الماضي وتحديدا يوم السبت الموافق للسادس والعشرين من شهر شعبان شيعت مدينة الدمام علماً من الأعلام، وقاضيا هماماً قل نظيره، فكان نادرا في هذا العصر والزمان، إنه فضيلة الشيخ الدكتور فؤاد بن محمد الماجد قاضي محكمة الاستئناف بالشرقية، فلم يكن يوما عاديا فلقد خيم الحزن على مدينة الدمام لفقدها شيخها الماجد، كيف لا تبكي والسماء والأرض تبكيان على موت الصالحين، قال ابن كثير: أتى ابن عباس رضي الله عنهما رجل فقال يا أبا العباس أرأيت قول الله تعالى (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)، فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال رضي الله عنهما: نعم.
إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله فإذا مات المؤمن أغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، ففقده فبكى عليه، وإذا فقده مصلاه في الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله فيها بكت عليه.
واليوم ها نحن نبكي على فراقك يا شيخنا الماجد، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا شيخ فؤاد لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون.
حق البكاء أيا عيون – إذ غاب عنا المصلحون
تشكي السماء رحيلهم – يجثو على الأرض السكون
يبكيك اليوم العلماء وطلبة العلم والأئمة والخطباء، ويبكيك كل من عرفك وجلس معك وسمع منك، تبكيك المكاتب الدعوية والجمعيات الخيرية ويبكيك من مثلوا أمامك لتحكم بينهم بالعدل، فيخرج الخصوم من عندك وهم في الغالب راضون بفضل من الله ثم بحكمتك في الإصلاح وتقريب وجهات النظر.
صحبة ثلاثة عقود
شيخنا الفاضل، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته لقد عرفتك منذ ثلاثة عقود تقريبا، وكنت أزورك في بيت والدك الشيخ محمد الماجد، وكعادتك في استقبال الضيوف، حيث بشاشة الوجه، وابتسامتك المميزة على محياك الوضاء، ولم يكن مجلسك يخلو من الفائدة والحكمة، ولقد شرفت في اللجنة الشرعية للندوة العالمية للشباب الإسلامي بالعمل معك، فكنت ذا رأي سديد في أطروحاتك، جمعنا الله بك في عليين.
يتفرغ لقضية مضى عليها خمسة عقود
حدثني الشيخ -رحمه الله- أنه فرغ نفسه لقضية مضى عليها قرابة خمسة عقود لم تُحل، حيث تعلقت بأراض زراعية لورثة كانت قضيتهم من قضايا المناسخات، حيث مات جيل وعقبه أجيال، ولم توزع التركة، حتى تراكمت وأصبحت من القضايا المعضلة، وتتابع عليها جملة من القضاة، ففرغ الشيخ نفسه ومكث أربعة أشهر يعمل جاهدا لحلها، فكان يمكث في المحكمة أحيانا إلى المغرب، ويجلس مع أطراف القضية حتى أعانه الله على حلها.
موت العلماء له أثره
عبّر الشيخ خلف بن محمد آل مطلق المشرف العام على مكتب رئاسة الإفتاء بالمنطقة الشرقية عن تعزيته في وفاة الشيخ فؤاد الماجد، والذي كانت له جهود كبيرة في خدمة المنطقة الشرقية علماً وإفتاء واستشارة، حيث عرف عنه الاجتهاد في قضاء مصالح المسلمين والسعي في الشفاعات التي تحقق مصالحهم، وموت العلماء ثلمة كبيرة وفقدهم مؤثر على مجتمعهم، إذ هم مقصد الناس في السؤال عن أمور عباداتهم، ومحل ثقة ولاة الأمر، والشيخ الماجد تميّز بالهدوء في علاج المشكلات، واحتضان بعض الاختلافات بين الدعاة، وله أثر كبير في دوره القضائي الذي هو مجال عمله، فرحمه الله وأعظم الله في الأمة أجر فقده.
تأسيس الجمعيات
تحدث الشيخ عبد الرحمن آل رقيب رئيس محكمة الاستئناف بالشرقية قائلا:
في البداية، نسأل الله أن يرحم الفقيد ويسكنه فسيح الجنان، وأن يجعل قبره روضة من رياضها، وإني أعزي نفسي وجميع قضاة المنطقة ومشايخها وأهليها على فقد الشيخ فؤاد فإننا بالفعل فقدنا علما من أعلام القضاء في بلادنا لما تميز به من رجاحة عقل وسعة علم واطلاع وبحث وتدقيق، كما أنه تميز بمحبة الناس له، لسماحته ورحابة صدره، وحلمه وتواضعه، فعلى مدى سنين عمله كان مثالا للعطاء والجد، والاجتهاد والسعي للخير والشفاعات الحسنة والإسهام في تأسيس الجمعيات، فجمعية البركة تم تأسيسها برئاسته، وكذلك مكتب غراس التعاوني بجنوب الدمام، وقد كان أثر الشيخ في الناس والمجتمع جليا وواضحا مما أكسبه محبة الناس وقربهم منه، وقد شاهد من حضر جنازته الازدحام الكبير في المسجد والمقبرة، فهذا من دلائل الخير له، عوض الله الأمة خيرا بفقده.
اطلاعه على المذاهب الأربعة
من جهته، نعى صاحب الفضيلة الشيخ يوسف العفالق رئيس محكمة الاستئناف المساعد بالمنطقة الشرقية ورئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن ورئيس جمعية قافلة الخير الشيخ فؤاد الذي تربطه به علاقة أخوية، وصداقة وزمالة عمل، تربوا على ثلاثين عاما، فكان نعم الأخ والصديق، ولا شك أن فقد العلماء نقص في الأرض من أطرافها؛ لما لهم من أثر كبير في الأمة، وإصلاح المجتمع، فهم كالنجوم التي يهتدى بها، وهم ربان السفينة يقودونها إلى شاطئ الأمان.
محبة ولاة الأمر له
وأضاف الشيخ يوسف العفالق: الكل يشهد له بطيب معشره، وحسن خلقه، ولين جانبه، وتواضعه مع الصغير والكبير، دون تفريق بين أصحاب المناصب وغيرهم، وتميز بالشفاعة الحسنة لمساعدة الناس، شهد له بذلك صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية، حيث حضر إلى مقر العزاء وذكره بخير وقال:
كثيرا ما كان يتصل بنا ليشفع شفاعات حسنة، ولم يتصل بنا في يوم لصالح نفسه.
ومما تميز به الشيخ رحمه الله أنه كان مطلعا على المذاهب الأربعة، فإذا عرضت مسألة من المسائل أدلى بدلوه ولا غرابة، فهو رحمه الله كان متفرغا لطلب العلم والبحث والاطلاع والتحقيق، فكان قليل الاجتماع في المناسبات العامة، ومتفاعلا في حل قضايا المجتمع المتعلقة بالعلاقات الأسرية والزوجية ومهتما بموضوع العنف الأسري.
داعية الخير والعطاء
من جهته تحدث فضيلة الشيخ عبد الله اللحيدان مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية قائلا: لم أكن أعلم إلى وقت قريب بمرض الشيخ فؤاد، فقد كنت أتواصل معه في بعض الأمور الدعوية بحكم إشرافه على جمعية البركة، ومكتب غراس، فلم أكن أشعر منه بشيء من الضيق إذ لم يكن يتحدث عما به، وهذا شأن المؤمن الصابر المحتسب، ممتثلا بذلك قول الله (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، فالأرض تنقص من أطرافها حين يتوارى علماؤها ومصلحوها، والشيخ فؤاد يحتاج منا إلى وفاء، ومن ذلك -بل هو من أعظم الأمور- الدعاء له بالرحمة والغفران.
محبوب لدى المراجعين
وأشار الشيخ خالد بن عبدالله آل سعيد قاضي محكمة الاستئناف بالمنطقة الشرقية إلى أن الشيخ فؤاد بن محمد الماجد هو أخي ورفيق دربي وزميلي في السكن الجامعي لمدة سنتين تقريبا قبل زواجه، كنت في كلية الشريعة بالرياض وهو في المعهد العالي للقضاء، ثم زاملته في العمل القضائي بالمحكمة العامة بالقطيف لمدة اثنتين وعشرين سنة متواصلة وكنت قد خلفته بالمكتب القضائي الخامس ثم كنت مساعدا له بالمحكمة وهو رئيسها ثم خلفته في رئاسة المحكمة العامة بالقطيف بعد انتقاله لمحكمة الاستئناف بالشرقية، ثم بعد ترقيتي لمحكمة الاستئناف عدنا في الاجتماع معه رحمه الله وزاملته فيها لمدة خمس سنوات من عام 1431ه الى هذا العام.
نعم الأخ ونعم الشيخ فقد كان محبوبا من المراجعين والموظفين والزملاء، وعند انتقاله في عام 1431 هجري أقام محافظ القطيف وأعيان أهل القطيف حفل توديع تكريما له ولبعض الزملاء؛ لخلقه وجهوده وجهده في المنطقة ولمحبة الناس له. وكان رحمه الله متعاونا محتسبا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر في داخل المنطقة وخارجها بالكتابة والزيارة والمتابعة مع أمراء المناطق والمسؤولين ورؤساء التحرير للجرائد والمجلات، حتى كان له فضل كبير بعد الله في إزالة الكثير من المنكرات في الأسواق والمستشفيات والمقالات والصور والمخالفات والإعلانات والمهرجانات والاختلاط وغير ذلك.
كما كان له دور بارز وجهد منقطع النظير في تأسيس الجمعيات الخيرية والمكاتب التعاونية، منها: جمعية عنك الخيرية، جمعية حزم أم الساهك الخيرية، وجمعية حزم صفوى، والمكتب التعاوني لتوعية الجاليات بالقطيف، وكان رئيس مجلس إدارته وكنت نائبه، وجمعية البركة الخيرية، ومكتب إصلاح ذات البين بالقطيف والإشراف على الجوامع والمساجد بالقطيف، والتصدي لفتوى الطلاق في المنطقة بالتعاون مع رئاسة الإفتاء بالرياض في حياة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وبعد وفاته.
وكان رحمه الله قد خصص جزءاً من وقته للقراءة على المرضى، وكانت له جهود في تحديد المهور في منطقة عنك مع قبيلة بني خالد فجمعهم على كتابة ميثاق والتوقيع عليه، فرحمه الله رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جناته وجمعنا معه ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة.
الهمة في الاحتساب
كما استذكر رفيق دربه الشيخ صالح بن عبدالله الدرويش قاضي الاستئناف بعض الذكريات قائلاً: عرفته عن قرب زميل دراسة في المعهد العالي صاحب همة وجد في طلب العلم، وبعدها عملت معه في محكمة القطيف زميلا، وأصبح رئيسا لنا لسنوات، فنعم القائد والموجه والمرجع، واهم من ذلك همته في الاحتساب والنصح وحبه لعمل الخير في مكاتب الدعوة والجمعيات الخيرية، وسلامة صدره وحبه لإخوانه في الله وعطفه على المساكين والشفاعة لهم.
رحمه الله رحمة واسعة ويارب نلتقي به وأحبتنا في مقعد صدق عند الرحمن الرحيم.
الزهد عما في يد الآخرين
وتحدث الشيخ ابراهيم العصيلي عن صفاته قائلا: رحم الله شيخنا د. فؤاد رحمة واسعة، لقد تعاملت معه في المحكمة، وكان متعاونا في أعمال الخير، ويسهل أعمال الأوقاف في إجراءات المحكمة، وكم مرة صليت معه العصر في المحكمة، وأحيانا يجلس الى المغرب.
وتعاملت معه في المكتب التعاوني في القطيف (وهو رئيس مجلس الإدارة) فكان رفيقا حليما صاحب همة، في قمة التواضع والخلق الرفيع، ويأسرك بأدبه وتشجيعه. لم تغره الدنيا ولم يولع بها، جلس يبني بيته من راتبه لسنوات، نزيها، صاحب رؤية علمية قوية.
قلت له يوما: الآن ليس لي تعامل رسمي معك في المحكمة فأحب أن أهديك وأهديته تمرا، ثم أهداني من الغد تمرا أفضل منه، حظي بالتقدير من الجميع سنةً وشيعة، وتربع على احترام المسؤولين والعامة والدعاة.
اللهم اخلفه في عقبه في الغابرين وارفع درجته في المهديين، واجمعنا به وإياكم في جنات النعيم.
من الدوام إلى رقية مريض
ونوّه الشيخ راشد الهاجري المدير التنفيذي لتعاوني القطيف عن مواقفه مع الدكتور الماجد قائلا: نعم رحل الفؤاد -الذي نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً- فؤاد العلم المحب للدعوة، فؤاد العطاء الباذل للخير، فؤاد الاحتساب بحكمة ولطف ومبادرة.
نعم وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره وصلنا خبر وفاة الشيخ الفاضل الدكتور فؤاد بن محمد الماجد قاضي استئناف بالدمام رحمه الله وأبدله داراً خير من داره، وأهلاً خيراً من أهله وأدخله الجنة وأعاذه من عذاب القبر وعذاب النار.
نعم رحل الفؤاد الذي كان مدرسة في الأخلاق والتضحية والبذل والاحتساب والدعوة والعلم، فكل من التقى به سطر في ذاكرته موقفاً -إن لم تكن مواقف- لن ينساه أبداً، فما أن أعلن خبر وفاته الا وبدأت المواقف تذكر وتحكى وتسرد.
رحل الفؤاد نعم رحل الفؤاد -رحمه الله- وله الكثير من الأولاد ليسوا من صلب ظهره وهم جمعيات ومكاتب دعوة، فلقد كانت له بصمة في إنشاء العديد من الجمعيات والمكاتب التعاونية بالمنطقة الشرقية، سل جمعية البركة الخيرية وتجد الإجابة في الندوة العالمية ولجانها وأكمل السؤال في جمعية عنك الخيرية لتجيب جارتها جمعية النابية الخيرية وتكمل الإجابة جمعية حزم أم الساهك ولن تتوقف.
أما المكاتب التعاونية، فالشرقية وخلال مدة بسيطة كان الشيخ سبباً بعد الله في فتح عدة مكاتب بها، منها ما هو رئيس مجلس ادارتها كمكتبي جنوب الدمام والقطيف ومكتب الدمام نائبا للرئيس ومشرفاً على مركز ركن الحوار التابع لتعاوني القطيف والقائمة تطول، نعم رحل الفؤاد وسيبقى الأثر.
رحل الفؤاد وما زال صدى رسائله بعد كل برنامج أمام عيني (نفع الله بكم الاسلام والمسلمين).
رحل الفؤاد لكن مواقفه لم ترحل، كان الشيخ رحمه الله رئيسا لمجلس ادارة تعاوني القطيف وقد حصل لي معه عدة مواقف سجلت في ذاكرتي ولن أنساها ومنها:-
* في أول لقاء عمل معه قبل سبع سنوات تقريباً كنت مع الشيخ إبراهيم العصيلي الذي كان مديراً للمكتب في ذلك الوقت وكنا نتحدث في البحث عن دعم مالي لمكتب الدعوة بالقطيف، وأتى اتصال للشيخ فؤاد رحمه الله، وبعدها أخبرنا ان هناك تبرعا وصل عن طريقه لإحدى الجهات بالمنطقة فخرجت مني عبارة (ونحن يا شيخ)، فقال كلاماً عن تقديم الأحوج والبدء بالأولى فيه من التوجيه والتربية الشيء الكثير.
* ومن مواقفه -رحمه الله- كنّا في زيارة لأحد رجال الاعمال بالمنطقة وفي مكتبه توجد درع تذكارية بشكل مجسم خيل، وقبل الحديث في الموضوع الذي أتينا لأجله وبحنكة ولطف وحكمة نصح ووجه لإزالة المجسم فبادر رجل الاعمال وبطيب خاطر وقناعة لرفعه من مكانه فكان درساً في الاحتساب في أدبه واستغلاله الفرصة ومبادرته وأسلوبه.
* في صبره وبذله لوقته في سبيل الدعوة والعلم والفتوى والرقية دروس وعبر، في أحدها أنه كان للشيخ مشاركة في افتتاح الدورة العلمية بجامع النابية الكبير بكلمة عن فضل العلم، وأخبرته أن أحدهم يحتاج من يرقيه ويقرأ عليه، ومتوقع اعتذاره؛ لعلمي أن الشيخ -رحمه الله- كان متعباً جداً، فقد خرج من العمل بالمحكمة قبيل العصر وبعد العصر اجتماع في مكتب غراس والمغرب الكلمة وافتتاح الدورة، وافق الشيخ وذهب وجلس قرابة الساعتين راقياً ومصبراً وناصحاً.
* في حبه الخير للغير وتقديم الشفاعات لذلك لدى المسؤولين مواقف لو جمعت لما كفاها كتاب. أخبرته بحاجة موظف من المكتب لاستقدام أهله ويحتاج المساعدة في ذلك فبادر -رحمه الله- بالكتابة لأحد المسؤولين يطلب منه إنهاء الامر وإصدار التأشيرة المطلوبة، وبعد مدة سألني ماذا حصل بموضوع التأشيرة لأهل الموظف.
رحل الفؤاد نعم رحل ومواقفه لن ترحل -بإذن الله- عن أذهاننا وستبقى دافعاً لنا.
رحل الفؤاد ولرحيله يعتصر الفؤاد حزنًا وألماً لفراقه، لكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنَّا لله وإنا إليه راجعون.
نعم رحل الفؤاد وسيبقى الأثر.
لا يحب الظهور والشهرة
كان الشيخ محمد بن سالم الديني جزءاً من تفصيلات حياته، وابتدأ بقوله: الحمد لله الذي كتب على نفسه البقاء وعلى عباده الفناء، موت العلماء الربانيين والدعاة المصلحين والقدوة النافعين على الأمة خطب جلل ومصاب عظيم.
عرف الشيخ الماجد بأنه صاحب علم غزيز، وحكمة بالغة، وفقه واسع، وحرص على الخير دائم، عالي الهمة بجد واجتهاد ورفعة وسمو للمعالي همته تناطح الثريا.
جمع الشيخ الماجد صفات عالية «حلم، وتواضع، وجه مشرق صبوح، ابتسامة دائمة لا تفارقه، معاملة حسنة، جانب لين، معشر طيب، أخلاق سامية، سماحة وحزم، رقيق القلب، دائم الذكر، قليل الكلام،
أفنى عمره لله وفي الله في مجال القضاء، في مجال العلم والتعليم، في مجال الدعوة والاحتساب، في دفع الظلم ورفعه ورد الحق لأصحابه».
لا يحب الظهور ولا الشهرة ولذا منذ سنوات أبحث له عن سيرة ذاتية في مواقع الإنترنت فلم أجد سوى كلمات في لقاءات أو استضافات كم له من أعمال بر وإحسان لا نعلمها، الله يعلمها.
مرض مرضاً شديداً وتحمل وصبر ولم يشتك كلما كلمته سائلاً عن صحته قال: «الحمد لله بخير وعافية نسأل الله دوامها»، ما اتصلت به في أي وقت إلا رد وإن كان مشغولاً اتصل في وقت آخر وأبدى اعتذاره عن عدم الرد طالباً السماح.
كم جمع بين قلوب متنافرة، وأصلح بين متقاطعين سنوات مديدة، ولمّ شملاً بعد فرقة طويلة، وسهل أمور زواج بعد تعثر، وأعاد حقوقا مغتصبة إلى أصحابها. من قابله أو تعامل معه أو زاره أحبه حباً شديداً ماذا أقول وكيف أروي ما حصل والحال عندي ما ترون، وأرى هذه الكلمات في حقه قليلة، هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر.
أسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يرفع درجته في المهديين، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خيراً.
فراغ يسّده رجال
وذكر المهندس ماجد العصيمي مدير ركن الحوار أن الشيخ فؤاد بدون ادنى شك له كاريزما خاصة به وأسلوبه المميز المعروف، فرحم الله الشيخ فؤاد الماجد رحمة واسعة، كان له عظيم الدعم وكان هو العضيد والمساند والداعم الاول لركن الحوار، ولأكثر من 24 مؤسسة خيرية في المنطقة، وكان بالفعل كثيرا ما يساند المشاريع وخصوصا الدعوية منها والفراغ الذي سيتركه الشيخ فؤاد كبير جدا، وليس من السهل ان يسد برجل واحد بل يحتاج الى رجال، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يعيننا على سد هذا الفراغ، ويبقى ان الدعوة الى الله باقية ومستمرة بإذن الله تبارك وتعالى، ورغم هذه الفاجعة إلا أن العمل الدعوي مستمر -بإذن الله- وسيسخر الله سبحانه وتعالى لهذا الدين من يستمر في العطاء واستمرار وتقدم المشاريع الدعوية.
عمل الخير أثناء مرضه
وذكر الشيخ د. احمد بن حمد البوعلي إمام وخطيب جامع آل ثاني بالأحساء أن الشيخ كان أنموذجاً في العمل الخيري، رحم الله الشيخ فؤاد الماجد رحمة واسعة واسكنه جناته، نعم الاخ الفاضل والشيخ الجليل والإنسان الخلوق والقاضي العادل زين البلاد، منذ عرفته وهو مشجع للخير ومحفز للعمل باذلا وقته ومنفقا ماله فاتحا قلبه.
الشيخ فؤاد يأسرك بابتسامته الهادئة وسجيته الطيبة وخلقه الرفيع حدثني شيخنا خالد السعيد زميله في القضاء قال لي وهو متألم بوفاته كحال الكثير ممن عرفه: لما اصابه المرض ولم يبلغ احدا ومن سأله عن حاله قال وعكة يسيرة وهو في شدة مرضه، يعمل للخير ويشفع للناس ويساعد الفقراء ويقابل ما استطاع لا يكل ولا يمل.
تابعت التعازي التي تعزي فقيدنا الحبيب الشيخ فؤاد الماجد ورأيت مدار حديث الكثير مع فضائله الوفيرة عنايته بالعمل الخيري، أسس وعمل وأدار ووجه جمعيات وأعمالاً هي محل تقدير المجتمع اليوم، وهذا العمل والله الغنيمة في زمن انشغل الناس فيه بأموال وبنين، وهو الطريق الذي يجب ان نسعى له لمرضاة الله. الشيخ أنموذج للعمل الخيري الواعي بل هو مرجع لكثير من الفضلاء الذين ينهلون من علمه وحكمته شيخ العامة والخاصة.
بكت الديار على فراقك رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك جناته
قست عليك السنين الطوال
فهذا أوان استراح البدن
لقد بعت عمرك في الصالحات
وهذا أوان استلام الثمن
ونرجو رجاء كمثل اليقين
بأنك في جنة تنعمن
فهذي شهودك في المشرقين
تعج بذكر كريم حسن
وقّافاً عند الحق
كما أشار الشيخ عبدالله بن إبراهيم الأحمد محكم المواريث بوزارة العدل بعضاً من السيرة الخفية للشيخ قائلاً: عرفت القاضي الحصيف، والشيخ الجليل، والمربي الفاضل فضيلة الشيخ الدكتور فؤاد بن محمد الماجد -غفر الله له- القاضي بمحكمة الاستئناف بالدمام بالمنطقة الشرقية منذ حقبة من الزمن. فالشيخ -رحمه الله- يألف ويؤلف حينما تراه وتخالطه لأول وهلة كأنك تعرفه منذ زمن لتواضعه، ونبل أخلاقه، وسعة صدره، وابتسامته الجميلة، وحبه للناس، وكأنه يمتثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وغيره من حديث أبي هريرة (المؤمن يَأْلفْ ويُؤْلَفْ، ولا خير فيمن لا يَأْلفْ ويُؤْلَفْ).
تربطني بالشيخ علاقة حميمة وكأني أعرفه منذ القدم، أحببته من سويداء قلبي. فالشيخ غزير العلم، لا تسأله إلا ويجيبك، استحضاره سريع، فهمه عميق، تناقشه في مسألة فتجده قد استحضرها وسبرها وعرف معانيها وعرف الراجح والمرجوح منها. وفي أحيان قليلة، قد تشكل عليه بعض المسائل فيحتاج بعض الوقت لمراجعتها والإجابة عنها لاحقاً.
أحسب الشيخ -والله حسيبه- أنه كان في مرضه صابراً محتسباً، فلم يعتذر مرة عن الرد أو الإجابة عن تساؤلاتي بسبب مرضه، غير أنه في آخر اتصال لي به -رحمه الله- وقبيل سفره قال لي: ياشيخ عبدالله أنا تعبت الآن ولا أستطيع الكلام، ففهمت أن الشيخ كان يجاملني على حساب صحته وراحته ونحن -في مجال تحكيم المواريث بوزارة العدل- قد تشكل علينا بعض مسائل الأوقاف والوصايا، فنرجع للشيخ فنجد عنده الجواب الشافي الكافي اتصف الشيخ بصفة البذاذة والتواضع ولين الجانب، فتجده -رحمه الله- متواضعا في لباسه تاركا الفخر والخيلاء، ممتثلاً قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبوداود وصححه الألباني (البذاذة من الإيمان)، ومن تواضعه -رحمه الله- دائما يردد قائلاً: يا شيخ عبدالله أنا ما عندي شيء أنتم أهل العلم والفضل.
كان يسألني عن بعض المسائل المشكلة في علم الفرائض كالقراريط والمناسخات، وهو أعلم مني وأنا أعرف ذلك، ولكن تواضعا منه وتشجيعا لي في الطلب كان يسألني.
الشيخ يهتم كثيرا بأمور المسلمين، من إصلاح ذات بينهم، ورقية مريضهم وزيارته والسؤال عنه، بل ألف كتابا سماه (آيات الإحياء وشرح الصدر والسكينة) استفاد منه خلق كثير، وكأن الشيخ يمتثل قوله تعالى: (وجعلني مباركا أينما كنت).
للشيخ مساهمات للعمل الخيري فقد بذل جل حياته مساهما في توعية الجاليات، والوقف الخيري، وجمعيات البر، وغيرها فالأمة فقدت شيخاً جليلاً وعالماً متواضعاً ورعاً، نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا. اللهم اغفر للشيخ ونور عليه قبره واجعله في عليين، واجعل ما أصابه تكفيرا لخطاياه، واجمعنا به في الفردوس الأعلى إخواناً على سرر متقابلين.
محبو الشيخ أثناء تجهيز قبره
الأمير جلوي بن عبدالعزيز اثناء استقباله الشيخ الماجد و القائد رائد صلاح
صورة جماعية مع بعض المسلمين الجدد
الشيخ سامي المبارك مع الماجد في لقاء صحفي سابق
الماجد «رحمه الله» أثناء تسليم هدية لمسلم جديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.