منطقة الخليج العربي لا ينقصها تاريخ، ولا مقدرات مالية أو بشرية، وهذه الثلاثية قادرة على تحريك عجلة الإنتاج الدرامي الجاد نحو العالمية وليس للمحلية فقط، والتحرك نحو هذه الخطوة سيغير من ملامح التجربة الثقافية. وسيستوعب السوق كوادر بشرية هائلة من كافة التخصصات، وسيتغير مستوى الخطاب الديني والتعليمي والكتابي والتجربة الأدبية بشكل مختلف، وستكون أجيال الشباب مع فرصة جديدة نحو المال والأعمال الناتج من احتياجات صناعة الدراما الخليجية لو تحققت بالفعل. تعد منطقة الخليج العربي سوقاً مفتوحة لكثير من المنتجات والسلع الاستهلاكية من كل أنحاء العالم، وليس هذا فحسب، بل إن غالب النتاج الثقافي الدرامي يجد الرواج والقبول في القنوات الإعلامية، وأهم مثال على ذلك الانتاج للمسلسلات التركية وغيرها. والسؤال المهم: إلى متى ستظل منطقة الخليج ماكينة استهلاك واستيراد؟ من سيحرك عجلة الإنتاج المحلي ويقلب المعادلة للتصدير وليس للاستيراد؟ لماذا لا تتحول منطقة الخليج إلى مطبخ إعلامي في الإنتاج الدرامي؟ هل يشاهد الأتراك أعمالاً درامية خليجية كما نشاهد أعمالهم الدرامية؟ هل يشاهد الأمريكان والأوروبيون دراما خليجية كما نشاهد ونتابع الدراما الخاصة بهم؟ هل يعرف العالم الرموز الشعبية والتاريخية والاجتماعية والأحداث السياسية وتاريخ المرأة في منطقة الخليج من خلال الأعمال الدرامية؟ لا شك في أن تصدير الثقافة المحلية والهوية الخليجية يحتاج إلى مؤسسات كبيرة في الإنتاج، وإذا اتفقنا على أهمية هذا الموضوع خاصة مع ما يحيط بمنطقة الخليج من ضغوطات سياسية واضطرابات وحروب في دول الجوار، فإن الدراما ستكون وسيلة من وسائل تعزيز الوجود الثقافي للخليج على مستوى العالم. إذ إن الحلول السياسية - وهي دائماً في المقدمة - ليست كافية، وإذا كانت السياسة قادرة على الحوار بين السياسيين، فهي ليست قادرة على تحقيق الجانب الحواري بين الشعوب، بل إن الدراما ستنتشل بؤس الروائيين وكتاب القصة، وستخرج المؤرخين من عزلتهم، وستطلق مواهب الفنانين والممثلين والموسيقيين لمجالات أرحب. إن دخول المواهب الفنية الشبابية في يوتيوب يدل - بشكل قاطع - على أن بالإمكان استيعاب هؤلاء في أعمال إنتاج ضخمة ستغير من حراكنا الثقافي البطيئ جداً، وستحسم كثيراً من أسئلة التاريخ السياسي والاجتماعي التي هي في نظر الناس "قيم ثابتة" لتتحول إلى منظومة استثمارية. إن قنوات الدراما في الخليج العربي، ومؤسسات الإعلام الضخمة في دبي وأبوظبي لو تآزرت مع مجموعات روتانا وإم بي سي، وأسست هذا المشروع فستكون هناك نقلة نوعية ونهضة ثقافية على كافة المستويات. لقد أثبتت هذه القنوات نجاح خطابها الإعلامي، خاصة في مجال الأخبار وصناعة الرأي، وهي اليوم بحاجة لتلتفت أكثر لتحويل الاستهلاك الدرامي إلى صناعة ومساهمة من أجل العالم، ومن أجل الإنسان الحضاري، ومن أجل هذا الإنسان الخليجي الذي مخرت سفن أجداده البحار، وقطعت أقدامهم الصحاري والوديان في يوم من الأيام، وسيكون قادراً على تحقيق المستقبل بكل ثقة ونجاح. * باحث في الدراسات الثقافية