ارتفاع سعر الدولار    عبور 115 شاحنة مساعدات إنسانية وإغاثية للفلسطينيين في غزة    صدارة مجددة وأبطال يكتبون التاريخ في الأسبوع السادس    5 فرص اقتصادية لتكامل صيد واستزراع الروبيان    مؤشرات    تعزيز تنافسية المنتجات السعودية عالمياً.. 234 ألف شهادة منشأ للصادرات الصناعية    خطوط شحن بحري جديدة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    ترمب: كييف ستستعيد مساحات واسعة من أراضيها.. جهود دولية مكثفة لإنهاء حرب أوكرانيا    الخارجية الفلسطينية تحذر من الاجتياح الإسرائيلي    إسرائيل تكثف عملياتها العسكرية على غزة.. نتنياهو يعقد المشهد ويرفض مقترح الهدنة    السعودية في صدارة الاقتصادات الناشئة عالميا في جاهزية الذكاء الاصطناعي    في ثاني مواجهات كأس السوبر بهونغ كونغ.. طموح القادسية يصطدم بعنفوان الأهلي    اهتمام مفاجئ من ريال مدريد بضم إيزاك    الاتحاد يرغب بضم "سيبايوس" لاعب الميرينغي    إقرار قواعد عمل لجان التنسيق البيئي.. مجلس الوزراء: الموافقة على نظام الحرف والصناعات اليدوية    «الفلكية»: مثلث سماوي يتكون فجر اليوم الأربعاء    43 مليون عملية عبر«أبشر» في يوليو    ريهام عبد الغفور.. كوميدية في «خمس نجوم»    التأكد من استكمال تطعيمات السن المدرسي.. إتاحة فحص اللياقة للطلاب المستجدين عبر «صحتي»    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. نائب أمير مكة يشهد ختام مسابقة الملك عبدالعزيز لحفظ القرآن    طلاق من طرف واحد    أكّد خلال استقباله رئيس جامعة المؤسس أهمية التوسع في التخصصات.. نائب أمير مكة يطلع على خطط سلامة ضيوف الرحمن    صحتك والقراءة    انخفاض عدد السيارات التالفة في تبوك    خمسة محددات تضع السعوديين في صدارة السعادة    بوتين يطلع ولي العهد على نتائج محادثاته مع ترمب    نائب أمير الرياض يستقبل سفير الصومال    قلعة مروان.. معلم شامخ يطل على مزارع النخيل في الطائف    الاقتصاد الإبداعي    فيصل بن فهد: «النيابة» تعزز العدالة    أمير نجران يلتقي عضو هيئة كبار العلماء.. ويتسلم تقرير «المجاهدين»    المشاركون بمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يزورون المشاعر وحي حراء    "خيرات" تدشّن حسابها عبر "توكلنا"    تغطية كاشف الدخان مخالفة    أكثر من 234 ألف مشارك في الرياضة المجتمعية بالنصف الأول من عام 2025م    طبية جامعة الملك سعود تجري أول زراعة قوقعة باستخدام اليد الروبوتية    الزمن الجميل    في يوم جياد إسطبل أبناء الملك عبدالله.. سبعة انتصارات مدعمة بأربعة كؤوس    لبنان متمسك ببقاء قوات "اليونيفيل"    محافظ العارضة يلتقي مدير فرع الشؤون الإسلامية بجازان    السلام الأوكراني بين الوعود الدبلوماسية والواقع الميداني    رد إيجابي من حماس ينعش مفاوضات غزة وسط استمرار الغارات    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير مطار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الدولي    43 مليون عملية عبر أبشر في يوليو    مجلس الوزراء يوافق على نظام الحرف والصناعات اليدوية    النصر يكسب الاتحاد ويتأهل لنهائي السوبر السعودي    الخارجية الفلسطينية تحذر من خطورة الاجتياح الإسرائيلي لمدينة غزة    نجاح أول عملية لزراعة أصغر دعامة لعلاج الجلوكوما في مستشفى الجبر للعيون بالأحساء    90% من العلاقات التعويضية تفشل خلال السنة الأولى    الاستقرار الاجتماعي «إذا كنت في نعمة فارعها»    تفشي عدوى منقولة بالغذاء في فرنسا    أشاد بدعم القيادة.. أمير الشرقية يطلع على مشاريع الطاقة الصينية    نصيحة من ذهب    دراسة: المروحة تضاعف مخاطر القلب في الصيف    أمير تبوك يطلع على سير العمل بالمنشآت الصحية بالمنطقة    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله الحكيم
نشر في اليوم يوم 27 - 01 - 2005

كاد رأسي يتورم قليلا اذ قرأت لأحدهم تناولات صحافية حول الشيخوخة. لقد قرأت شيئا وتجاوزت شيئا آخر، وفي النهاية هناك احتمالان فاما أن تضيف الأفكار الى افهامنا شيئا جديدا أو أن تلك الأفكار حول الشيخوخة لا تتوافر في غير الأساطير.
في الأساطير توجد قصص من بقايا قديمة تأخذنا الى نهر (الخلود)، فمن يعبر النهر يستعيد قلبه كثيرا من الخلايا العضلية التي تلفت بمرور الوقت والمكابدة. واذا ما كان الانسان الذي يعبر النهر مصابا بباركنسون، فان الدوبامين ينتعش مجددا في خلاياه فتشتعل فيه رباطة الجأش مرة أخرى.
يبدو أنهم اخترعوا نظرية النهر عندما يئسوا من حكاية الكأس المقدسة، فقد زعموا أن من يجد تلك الكأس التي هي فيما يبدو من بقايا العشاء الأخير فهو بعد الكأس لن يحتاج الى أمنية. وهكذا مات الكثير من الفرسان وهم يبحثون عن الكأس. لقد بقيت الكأس في مكان ما، وخرج كثير من الحالمين ولم يعد منهم أحد. ولسبب أو لآخر ربما اكتشف صانعو الأساطير أن الذاكرة البشرية لا يمكن لها أن تستوعب مشروعا على هذا النحو، فقد طرحوا ذات مرة عبر أدبيات تعنى بالبحث عن السعادة القصوى بيانا اسطوريا من طراز آخر، فاخترعوا اسطورة نهر النسيان.
وقصة هذا النهر هي عبارة عن أمنية، فمن يصل اليه ينسى كل ذكرياته الأليمة. وطبعا كنت أحلم شخصيا بالوصول الى هذا النهر، اذ يمكنك اعتباري من بين اشخاص يعانون القرف في حياتهم، ومن حقي أن أنسى القرف. وعندها يمكنني الاستسلام لمجيء الشيخوخة وليكن بعد ذلك ما يكون. لقد بقيت أحلم طويلا أن أعب قليلا من هذا النهر، ومن قبل ومن بعد يمكنك أن تقرأ لحالمين اذ يكتبون بأقلامهم أنه لا نهر التيبر ولا الدانوب أو نهر يارا في نهاية العالم يمكنها أن تغسل هموم الانسان. وللواقع فثقافة الأساطير تمنحنا شيئا من الدراية بالتفكير على نحو آخر، وهذا شيء رائع لأن هذا النوع من التفكير يجعلنا قادرين على أن نتجاوز بخيالنا البشري ما اعتدنا عليه من حوارات مع ادوات المألوف واحتمالات الواقع. ولكن الأساطير في نهاية المطاف لا تصلح لتوظيفها في أدبيات تصف الواقع. فالشيخوخة شئنا أم أبينا تبقى مستودعا لأعمال القوة. انها فقط ذاكرة يمكنك احترامها وتقديرها، ويمكنك أيضا الافادة من تجاربها، ولكن لا يمكنك تزويرها أو التلاعب بتوظيفها على نحو لا يجري مع ما هو كائن ومعروف. ذات مرة استدعاني أبي رحمه الله ليلا فسألني: كيف ترى أباك هذا الليل؟
لم تكن تلك ليلته الأخيرة. كان وقتئذ يخطو التسعين عاما، وقد أراد أن يحرجني أمام نفسي، وهو يعرف احساسي بتعاطفي اليه ومعه. هنا في هذا المنعطف البيولوجي لا يوجد اكسير آخر للحياة، فالحياة تأتي مرة ويعيشها الانسان طازجة كما توهب اليه، ومهما أحب الانسان هذه الحياة، فهو قطعا يؤول من قوة الى ضعف. غير أن الاعتراف بالضعف قوة أيضا والانسان الحكيم اذ يقبل الضعف فهو انما يشكر الله على ايام القوة ويسأله اللطف على طمع بالعفو ومن غير مكابرة في ظروف الضعف. وللواقع فقد تناول زهير بن أبي سلمى هذه القصة واعترف في وصاياه الشعرية بالسأم من الحياة وهو يجتاز الثمانين عاما. لقد أراد ذلك الحكيم أن يقول لنا أنه لا يمكنك الافادة منه في غير باب التجربة واما حكاية الاعتماد عليه، فهو لن يضيف اليك شيئا تركن اليه، لأنه باختصار شديد انسان عاجز. ومن هنا فقد تناول هذا الشيخ الذي تفيض ذاكرته تجارب وحكمة واعترافا الشيخوخة على أنها تراجع وسأم. وفي الوقت نفسه لا يمكنك تجاهل توظيف ما يتصل بالشيخوخة من معان تفيض احتراما وافادة عن المشورة والرأي السديد. نحن هنا أمام اتيكيت نبيل في كيفية التعامل مع الشيخوخة، وهو ان كان يطل علينا من خلال ذاكرة زهير بن ابي سلمى فهو يحمل الينا جزءا كبيرا من ذاكرة التراث العربي في منجزاته الاخلاقية تجاه الشيخوخة. انها منجزات تنقل الينا قدرا معقولا من الشفافية التي ربما تختلف في أسانيدها مع موروث الحكمة الرومانية التي وصفت الشيخوخة أنها عالة على الآخرين وعالة على نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.