عزيزة حب الانقياد، غريزة دوارة في الحياة الزوجية، يعني - يوم لك ويوم عليك - ففي كل الحضارات، تكون الغريزة ملتهبة اشتعالا عند الرجل في أيام الخطوبة، لذا نجد الرجل ينقاد بسهولة في تلك الفترة، وتتحول عنده جميع طلبات الخطيبة الى اوامر. * يرى بعض علماء النفس، أن الغرائز عند الإنسان، تنبثق منها العواطف والعادات والميول والحاجات الفرعية المختلفة، وأن الغرائز بشكل عام، يشترك فيها الناس جميعا، في كل الحضارات، وفي جميع العصور، وهي دوافع فطرية، أي غير مكتسبة، ويرى هؤلاء، أن جميع الدوافع التي تثير نشاط الفرد يمكن أن ترد إلى (غرائز)، ورغم أن هذه النظرية اعترض عليها من اعترض من علماء النفس، إلا أنه ليس هذا هو مجال طرح الاعتراضات، لأنني وجدت ما وجدت، وسأطرح ما وجدت هنا، إلى أن يستقر علماء النفس ويحددوا آراءهم. وجدت - عزيزي القاريء- أن غريزة حب الانقياد، غريزة دوارة في الحياة الزوجية، يعني (يوم لك ويوم عليك)، ففي كل الحضارات، تكون الغريزة ملتهبة اشتعالا عند الرجل في أيام الخطوبة، لذا نجد الرجل ينقاد بسهولة في تلك الفترة، وتتحول عنده جميع طلبات الخطيبة إلى أوامر، فالخطيبة هي التي تختار كل الترتيبات اللازمة لحفل الزواج ابتداء من بطاقات الدعوة لحفل الزواج، وانتهاء بتحديد نوع ولون المشلح الذي سيرتديه خطيبها في ليلة (العرس) وما بينهما من لوازم الزواج، ولكن مع بداية الحياة الزوجية ينقلب الوضع ونجد أن المرأة تنقاد بسهولة لزوجها في ذلك الوقت، فهو الذي يختار مكان المطعم الذي سيتناولان الغداء فيه، والمطعم الذي سيتناولان العشاء فيه، وهو الذي يحدد نوع العباية التي سترتديها زوجته.. أعني إما عباية على (الكتف) أو عباية على (الرأس)، ولكن ما ان ينتهي شهر العسل، إلا وتتبدل الأحوال مرة أخرى، وتدور الدوائر، وهكذا دواليك.. ثم إن غريزة الانقياد للمرأة من قبل (بعلها) تزداد قوة وفاعلية كلما تقدم (البعل) في السن، حتى يصل إلى الدرجة التي ينهر فيها أولاده بشدة قائلا:(ما تسمع كلام أمك ليه ياولد؟!)، وفي بعض الأحيان يتطور الأمر، وتزداد قوة الغريزة وفعاليتها عند الزوج، وتجده يقول لابنه بكل بشاشة: يا بني اسمع كلام أمك..(لا تفتكر نفسك أحسن مني).. وهكذا تكون طاعة شريكة العمر (ولا بلاش)!! وعلى هذا لا أجد أن هناك ما يدعو إلى القلق على كيان الأسرة. لقد عدد علماء النفس الكثير من الغرائز، منها غريزة السيطرة، وغريزة الخنوع، وغريزة التملك والادخار، والضحك، وغيرها، ولكن مهما يكن من أمر، فالنظريات التي تناولت (الغرائز) بدأت تنقرض في علم النفس الحديث، فما دامت غريزة الانقياد متوهجة عند (البعل) في معظم الأحيان، فهذا يعني أن حسن (التبعل) بخير!! الحمار والبيئة @الحمار بالتشديد على حرف الميم، كلمة دارجة فيما مضى من الزمن، وهي تطلق على الذي يقود عربة (الكارو) أو (القاري)، تلك العربة التي يجرها الحمار، وهي وسيلة من وسائل النقل، كانت متوفرة في كثير من المدن والقرى، وقد اشتهرت الاحساء - تلك المدينة الفاضلة - بأجود أنواع الحمير وأقواها، فالحمار (الحساوي) أقوى من الحمار الصومالي، والحمار البري الآسيوي، والحمار السوري، والحمار النوبي، وحمار (البورو) المكسيكي. وموضوعنا - اليوم- ليس عن الحمار.. بل عن الحمار، فقد كنت في طفولتي أراقب الحمير والحمارين المتواجدين قرب سوق (القيصرية) المشهور في الهفوف عاصمة الاحساء، ذلك السوق الذي نظم فيه الشعراء النبطيون شعرهم، وتغنى به المطربون، حيث قالوا عنه من ضمن ما قالوا:(ياهل الشرق مروا بي على القيصرية).. وبعد أن تغير الزمن، ودارت الأيام، زرت الأحساء مؤخرا، وأثناء توقفي بالقرب من القيصرية، شاهدت أحد الحمارين (المخضرمين)، وما أن خرج من سيارته الفارهة إلا وبصق على الأرض، وسار في طريقه مرتجلا.. كنت - في طفولتي - اذكره وهو يطلق أشنع الألفاظ على حماره، وهو - بالطبع- يعني أحد زملائه ا لحمارين، فهم كانوا يشتمون حميرهم بأبشع الألفاظ قاصدين زملاءهم الحمارين، بينما الحمير تسير وكأن الأمر لا يعنيها، أو كأن الحمير أكثر حكمة وعقلا من الحمارين، فقد كنت المح رموش الحمار - أحيانا - تتحرك بحركة ترفع واحتقار لذلك الحمار. هذه الأيام تغيرت الأحوال، فلا يوجد حمير في سائر المدن والقرى، بل تبدلت بسيارات فارهة، وأصبحت رؤية الحمار غير متاحة سوى في التشبيهات الأدبية، لذا لا نشاهد حميرا ولا بغالا.. بل سيارات فاخرة يقودها حمارون مترفون، لا يشتمون كالحمارين القدماء، بل يزعجون المرضى بأبواق سياراتهم عند المستشفيات، ويلقون مناديل ورقية من نافذة سياراتهم، ومنهم من يرمي أعواد الثقاب، أو أعقاب السجائر مشتعلة، ومنهم من يبصق على الأرض غير آبه بتلوث البيئة واشمئزاز بني آدم من سلوكه (الحميري)!!. الحمار هو أحد أقدم الحيوانات المدجنة، فقد تم تدجينه منذ أكثر من 5000 سنة، ونظرا لأنه حيوان نافع للإنسان فقد انتشر حول العالم، وهو اليوم يكاد يندثر.. ولكن لفظ (الحمار) باق، وهو وصف يطلق على الإنسان المتدني أخلاقيا وسلوكيا، مهما بلغ شأنه الاجتماعي أو الوظيفي.. ومهما كان موديل أو نوع السيارة التي (يمتطيها)!!