كنا نسود العالم، وكنا في القمة فأصبحنا في الأسفل، وكنا أعزاء، وأصبحنا أذلاء لماذا هذا سؤال يتبادر لذهن كل ذي لب. وإذا تأملنا في الواقع نجد أنه مرير، أيما مرارة والجرح غائر، والجسد مقطع، والشعوب مبعثرة، والعدو لا يرحم، فما الأسباب إنها والله المعاصي، فللمعاصي أثر بالغ على الأبدان والقلوب، وشؤماً واضحاً في حياة الأمم والشعوب. قال الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى في ذلك ما خلاصته - أي في أثر الذنوب والمعاصي وأثرها على الأبدان والقلوب في حياة الأمم والشعوب- فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا شك في أن ضررها على القلوب كضرر السموم في الأبدان، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الوالدين من الجنة، وما الذي طرد أبليس ولعنه وبدله بالقرب بعداً أو بالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً وبالجنة ناراً تلظى؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء على رؤوس الجبال- وهذا طبعاً على عهد نوح عليه السلام- وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم وصيرتهم عبرة للأمم إلى يوم القيامة. وما الذي أرسل الصيحة على قوم ثمود حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وبادوا عن آخرهم. وما الذي رفع قرى قوم لوط ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً ثم اتبعهم حجارة من سجيل أمطرها عليهم وما هي من الظالمين ببعيد، وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى، وما الذي أغرق فرعون وقومه في أليم ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق، وما الذي خسف بقارون وبداره وماله وأهله، وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات كلها فدمرهم تدميراً، وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، فقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال، ثم بعثها عليهم مرة ثانية فدمروا وأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيراً، وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى أن يبعث عليهم من يسومهم سوء العذاب. @@ سعيد الشهري.