الدكتور عبدالوهاب المسيري مؤلف الموسوعة العالمية "اليهود واليهودية والصهيونية" قال في حوار اجرته معه "اليوم" في القاهرة ان الوجود الأمريكي في العراق سيطول الى أجل غير مسمى. وان الفكر الامبريالي الاستعماري كان مطروحا بقوة وسبق أحداث 11 سبتمبر بكثير خاصة ان 11 سبتمبر كانت المبرر القوي للممارسات الامريكية القائمة حاليا في بقاع عدة من العالم.المسيري تعجب من حالة التناقض التي قال ان السياسة الأمريكية تعيش في موقفها من وجودها في العراق والممارسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين...وفيما يلي أهم ما جاء في الحوار : @ بداية.. كيف ترون الحالة التي وصلت اليها منطقتنا العربية؟ الصورة قد تكون غير متبلورة وفي حالة سيولة لكن على الأقل تعرف ما هو السيناريو أو المتتالية الجديدة في ذهن الولايات المتحدة الأمريكية فهي ببساطة شديدة ومن منطلق رأسمالي بسيط ترى أنها تستثمر 500 بليون دولار سنويا في السلاح ولابد أن يكون هناك عائد لهذا الاستثمار لأن المؤسسة العسكرية لابد أن تستمر في الدوران باعتبار أن هذا أهم قطاع اقتصادي في الولايات المتحدة بعد توقفه نتيجة انتهاء الحرب الباردة وغياب أقطاب أخرى في العالم. ولقد تطلب استمرار نجاح هذا السلاح إعطاء مبررات جديدة للجماهير الأمريكية الفقيرة التي سلبت أموالها من خلال الغش والخداع كما اتضح في فضائح (إنرون) وغيرها من الشركات، وبالطبع لم يكن هناك مبرر أفضل من وجود تهديد لأمن البلاد سواء كان ذلك التهديد من أسامة بن لادن أو العراق ثم سورية الآن. هذه هي المتتالية التي أقصدها. @ إذا أنت تربط بين احتلال العراق وأحداث 11 سبتمبر 2001؟ كلا فأنا أرى ان التفكير الامبريالي الجديد في الولايات المتحدة كان يسبق تلك الأحداث ثم جاء 11 سبتمبر وأعطاهم الذريعة التي كانوا يبحثون عنها. وإن كان من الواضح أنهم لا يحتاجون إلى أية ذريعة لأن غزو العراق تم بدون اية ذريعة، خصوصا بعد أن ثبت أنه لا توجد أسلحة دمار شامل في العراق. وهذا ما يدفعني الى التأكيد على أن السبب الحقيقي لغزو العراق يتمثل في رغبة المركب الصناعي العسكري في الولايات المتحدة في استثمار الأسلحة المنتجة استثمارا رشيدا مما يدفع عملية الانتاج للاستمرار في الدوران. @ إذا رؤيتك للأحداث انها بدافع استثمار صناعة السلاح وليس من أجل بسط الهيمنة والنفوذ؟ لا يمكن لهذه الصناعة أن يكون لها عائد حقيقي إلا من خلال بسط السيطرة والنفوذ. لكن أردت تلخيص ما يحدث بشكل موجز والتأكيد على أنه ينظر اليها نظرة استثمارية. لكن هذه النظرة ينتج عنها تحويل جيوش واسقاط نظم وفرض هيمنة. وأعتقد أيضا ان اسرائيل جزء اساسي من العملية الأخيرة، فهي قد وجدت من البداية لخدمة المصالح الأمريكية والمخطط الآن أن تصبح اسرائيل عنصرا أساسيا فيما يسمونه بالنظام الاقليمي الجديد في الشرق الأوسط وهو نظام يضم تركيا وايران التي سيتم تدجينها في تصورهم والعالم العربي واسرائيل. وفي هذا التصور ستكون اسرائيل هي العنصر الأساسي باعتبار أنها الأعلى مستوى والأكثر تقدما والأقوى عسكريا. ثم لديها في نهاية الأمر الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الأمريكي. هذه الصورة أو المتتالية. ولكن هل ستنفذ وهل ستذعن الدول العربية الواحدة تلو الأخرى! هل سينجحون في تدجين ايران؟ الأسئلة صعبة جدا ولا اعتقد أن الرد عليها بالإيجاب مسألة ممكنة بل أعتقد أن هناك مشاكل كثيرة سوف تواجههم تماما مثلما حدث مع المشروع الصهيوني فهو حين بدأ عام 1948 كان من بين أهدافه أشياء محددة أهمها سقوط لبنان وتحوله الى دويلات ثم القضاء على الفلسطينيين وتغيير النظام في العراق لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما حيث لم ينجح المشروع الصهيوني في القضاء على الفلسطينيينولبنان الذي كان من المتوقع أن يكون أول دولة عربية تسقط أصبحت رمزا للمقاومة الحقيقية والصمود وهذا ما أعتقد أنه سيحدث بالنسبة للمشروع الأمريكي الحالي. نعم هم يخططون ويتخيلون نجاحا في مخططهم لكن هاهي بوادر فشلهم ظهرت وتظهر كل يوم في تصاعد المقاومة العراقية لهم والآية القرآنية تقول: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). @ هل ترى ان الادارة الأمريكية مازالت تعتقد ان الوضع في العراق سيستقر؟ هم يتصورون ذلك والا ما قعدوا فيه رغم كل ما يواجهونه. لكن اعتقد ان الادارة الامريكية مهما فعلت فلن تجعل العراقيين يرضون عنهم وهذا ظهر حين أعلنوا عن مجلس الحكم الانتقالي الذي لم يرحب به أحد وسيتصدى له الشعب حتى يسقط كما حدث في فيتنام. والسؤال الأساسي: هل ستقنع الولايات المتحدة بالمكوث سنة في العراق ثم ينسحبون؟.. ان تجربتنا معهم أنهم دخلوا فيتنام ولم يخرجوا منها إلا بعد سنوات وكذلك الحال في كوريا الشمالية حيث لا تزال هناك قواعد عسكرية أمريكية. نحن إذا أمام استعمار أمريكي طويل المدى في العراق. @ تعود إلى بداية تفسيرك للمتتالية الحالية وقولك ان تجار السلاح هم الذين يتحكمون في الأحداث كيف ذلك؟ نعم.. (مغاريز) الذي ارادت أمريكا تنصيبه حاكما عسكريا على العراق كان تاجر سلاح في الأصل وهو المسئول عن توريد صواريخ باتريوت للجيش الأمريكي. وهناك شيء لا يعرفه الكثيرون هو أن تجارة السلاح في الولايات المتحدة هي الطريقة التي يتم بها نهب الشعب الأمريكي بلا تحفظ. لأن السلاح ليس سلعة تطرح في الأسواق وتدخل في مناقشة مع مثيل لها. فالسلاح الأمريكي يتم تسعيره بالاتفاق مع النخب الحاكمة التي معظمها من جنرالات الجيش السابقين وأولئك الحاليين الذين سيصبحون كما قيل مديرين لشركات السلاح. @ أشير الى جزئية مهمه في اجاباتك السابقة.. وهي السعي لغرض هيمنة اسرائيلية. وضح لنا ذلك؟ أولا.. فرض الهيمنة الاسرائيلية مصطلح غير دقيق لانه فرض هيمنة أمريكية. فأنا أصر دائما على ان امريكا الاصل واسرائيل هي الجزء، وأمريكا هي الغاية واسرائيل هي الوسيلة. وهي وسيلة ذكية وقاتلة وباطشة وكل شيء لكنها تظل وسيلة لا أكثر ولا أقل تماما مثل علاقة الجيب الاستيطاني في الجزائر مع فرنسا الأم فطالما أنه يخدم الوطن الأم فإنها تدافع عنه. @ ولكن اذا كانت أمريكا تريد أن تفرض سيطرتها المباشرة في المنطقة فهل تحتاج الى هذا الجيب الاسرائيلي؟ نعم الا أنني أعتقد أن الولايات المتحدة مدركة أنه لو جاءت نظم قوية وطنية منتخبة في العالم العربي فسوف تكون معادية لإسرائيل والولايات المتحدة لو جاءت نظم قوية وطنية تطالب بحقها في التنمية المستقلة وسيكون لها الحق في تعديل القوانين الدولية بما يسمح لها بالتعبير عن نفسها وستطالب بأشياء لا ترضي الطرف الأمريكي مثل السوق العربية المشتركة وغيرها من آليات تحقق لها الأمن الاقتصادي. وهكذا ستعرف هذه النظم المنتخبة المصلحة الاستراتيجية ولن تكون عملية للولايات المتحدة.. إذا سوف تصبح اسرائيل في هذه الحالة مهمة جدا.. ستكون العصا التي تؤدب بها أمريكا تلك النظم. لكن أعتقد أن اسرائيل قد جابهت نهايتها اذ أنه باشتباكها مع الفلسطينيين قد وصلت الى النهاية لأنها عبر تاريخها كانت معاركها مع نظم عربية وجيوش نظامية. @ تقصد أنها بذلك انتهى أمرها؟ نعم. ولا مخرج لها من مأزق المواجهة مع الفلسطينيين لأن فلسطين حتى لو استسلمت فستظل المشكلة الديموغرافية موجودة. مشكلة الدولة الصهيونية مستعصية على الحل وستبقى هكذا الى الأبد. @ وهل من الممكن أن تتخلى عنها الولايات المتحدة؟ لا. لن تتخلى عنها أبدا لأنها الأرخص تكلفة. فإسرائيل قاعدة عسكرية موجودة وتكتل سكاني دائم يدين بالولاء للولايات المتحدة التي لا تدفع سوى 10 بلايين دولار في العام بينما تكلفة حملة عسكرية مثل التي جهزتها للعراق تصل الى 100 بليون دولار، اسرائيل لا تزال كنزا استراتيجيا، كما يسمونها وهي ذراع واشنطن الممتدة وهناك أوصاف كثيرة في الخطاب العسكري الأمريكي لاسرائيل وفوائدها الجمة وبالتالي مطلوب من العرب جعلها مكلفة أمنيا وماليا واستراتيجيا للولايات المتحدة رغم أنني أعتقد أن النظام العربي الحالي غير قادر على إنجاح هذا. نحن أمام مرحلة لابد أن تحدث فيها تغيرات جوهرية في النظام العربي حتى يتم التصدي لهذه الغزوة وان لم يتصد لها الحكام فأعتقد أنه ستقع تغييرات استراتيجية في المنطقة.