للوهلة الأولى تبدو لك المدينة مقبلة على الحرب . عشرات المصفحات وعشرات المدرعات تستقبلك في الطريق المؤدي الى العاصمة بين الحدود الفاصلة للبلاد. علما بأن الساعة تجاوزت الثامنة مساء.. وذلك حينما دقت ساعة الوصول الى الكويت .. قصيدة تكتبها الحرب وايقاعاتها تتواصل مع ازدحام حركة السير بين المدن المهندسة كما سماها بعضهم حينما قرر الاستقرار. "الفحيحيل .. الجهراء - السالمية والفروانية" والزحام بين العابرين يستمر فالشوارع مهندسة بعيون متأقلمة مع إيقاع زرقة الخليج الواهب الدفء والحنين.. تشعر للوهلة الأولى بأنها لم تتغير وكأنك كنت هنا قبل عشرة أعوام حينما كنت محبا للطرق السريعة والتنقل بين العواصم الخليجية مع كل معرض للكتاب.. الدائري الخامس هناك تجد الفروانية حيث يقع كراون بلازا - الهوليدي إن سابقا - جميع الفنادق توحي لك بأجواء الحرب.. المراسلون يتوافدون من جميع أنحاء العالم - 1500 صحفي بين عربي وأجنبي وصلوا إلى الكويت وتم إسكانهم بين أربعة فنادق أساسية وتحول ثلاثة منها إلى مراكز إعلامية ( شيرتون - ماريوت - انتركونتننتل) وينتظر 600 صحفي منهم تجديد إقامته التي لا يعرف متى تنتهي - فهي مرتبطة بمواعيد كثيرة يهمس البعض بقربها. هكذا يراها العريف مشعل المطيري - الدوريات الكويتية- ثماني أيام بالكثير وتنتهي المعركة قالها وهو لا ينتظر إجابة أخرى وذلك من خلال رؤيته الوجود العسكري على الأراضي الكويتية. لم يكن الخوف يسكنه عندما دعانا لتناول الشيشة معه - علما بأن الساعة تجاوزت منتصف الليل - ولكنه كان محبا لأن يقول أكثر نحن لا نكره العراقيين - ولكننا تعبنا قلقا طيلة السنوات الماضية - الكثير من العراقيين هنا بحكم ارتباطاتهم الأسرية وزواجهم من كويتيات ولهم كامل الحقوق كمقيمين . المشاهدات كانت سريعة بحكم الوصول الذي كان مساء لكني وجدتهم يتزاحمون عند الإشارات خوفا من انتهاء الوقت الخاص بالتنقل ربما أو ارتباطاتهم بمواعيد مسائية - عوائل وشباب يتحركون وحينما تسأل أحدهم عن مكان ما يتقدمك بالمسير ويقول لك اتبعني. مشاعر عدم الخوف لم تكن تسكن المدينة كما كانت في السابق والجميع ينتظر انتهاء الايام الثمانية التي اعتقدها المطيري للانتهاء من هذه المعركة وتعود الأمور كما كانت في مدينة عشقت الصحراء والبحر في وقت واحد. وربما يعود (القلاف) للهتاف من جديد في المجلس مطالبا بفتح ملفات تستحق التحقيق من جديد. الفنادق لا تنام - هكذا كان يعتقد بول بولز في طنجة - حيث المدينة التي تغرق الكبار في سحرها ، لكنها هنا تشعر بأنها تتثاءب بتثاقل فمطعم الفندق الذي يقفل أبوابه في الثانية عشرة مساء ونسي مراسلو الصحف مواعيد الاكل المحددة . وما يلفت انتباهك أكثر في مدينة الفراونية وبقرب الفندق بأن هناك يتزاحم النازلون من سياراتهم الفارهة على أبواب الصالونات - المزين - الراقية ليتنافسوا على أسعار قصات الشعر التي تصل في بعضها إلى أكثر من 65 ريالا باضافة الكريمات الخارقة - ويظل الصالون الآسيوي ينتظر العابرين الذين نسوا محافظهم وبحاجة إلى قصات جديدة من الشعر. السيارات الفارهة لا تأبه بالحرب بل تتوقف أمام تلك الصالونات التي ربما وصل عددها إلى سبعة محلات في مساحة كيلومتر واحد.. ليدخل شباب صغار يزيلون بعضا من الشعيرات النابتة. " كل ما أعرفه .. أني مواطن وبلادي من أغنى بلاد العالمين وأنا جائع.." هذا الصوت القادم من الضفة الأخرى ، الذي ينتظر - ربما - أن يعود للاستمتاع بعائدات النفط كي لا يصبح (ذرة من غبار .. ليس أكثر) كما يقولها الشاعر أحمد مطر. المشاهدات ما زالت في أولها وقد تكون هذه مجرد انطباعات للساعات الأولى في مدينة الفروانية .