أنس مظهر قد يستبعد البعض حصول مواجهة إيرانية – (أميركية أو إسرائيلية) في المنطقة، اعتمادا على نظرية البعد التحليلي الثالث للأمور، في وجود علاقات وتنسيق سري بين الطرفين على حساب دول المنطقة الأخرى، إلا أن تقاطع مصالح الطرفين في بعض المناطق والظروف (كما حصل في أفغانستان وعملية إيران كونترا) لا يعني وجود اتفاقات سرية بينهما، إضافة إلى أن ما آلت إليه التطورات في العلاقة بين إيران وبينهما تلغي تماما فكرة وجود أي تنسيق. حصول المواجهة لا يشير إلى رغبة أميركية بإحداث تغيير في نظام الحكم في إيران، فبقاء نظام ولاية الفقيه الشيعية في طهران ضرورة أميركية لابتزاز دول المنطقة، لكن الرغبة الأميركية تكمن في الإبقاء على إيران لكن تحجيم قدراتها ومنعها من أن تشكل تهديدا حقيقيا لها ولحلفائها في المنطقة، فالقدرات العسكرية المتنامية لإيران، والأفكار العقائدية التي يتبناها نظامها وطموحها بالتحول إلى قوة إقليمية مؤثرة، علاوة على خلقها أذرعا لها في سورية والعراق ولبنان، كل ذلك يمثل تهديدا جديا للمصالح الأميركية والغربية في المنطقة. تعتقد الإدارة الأميركية أن الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران يمكن تغير توجهات طهران مثلما نجحت مع كوريا الشمالية، متناسية أن إيران تمثل سلطة دينية ودنيوية تبنت شعارات معادية لأميركا وإسرائيل منذ بداية ثورتها، وأي تراجع عن تلك المبادئ والشعارات سيعد تراجعا عن أفكارها وعقائدها، مما يؤثر على مكانتها الاعتبارية، ويعد انتحارا سياسيا وفكريا لها، لذا فإيران ذاهبة إلى آخر الشوط في التصعيد والتصعيد المقابل. من المهم لإيران جس نبض الجدية الأميركية في ترجمة ضغوطها على أرض الواقع، ومعرفة المدى الذي يمكن لها أن تصله في تهديداتها، من خلال مبدأ الهروب إلى الأمام، ومحاولة التصعيد السياسي معها، ثم مراقبة ردود أفعالها، ومعروف عن السياسة الإيرانية أنها لا تقحم نفسها بشكل مباشر في أي صراع وإنما تدفع بحلفائها وأذرعها في المنطقة لينوبوا عنها بهذه المهمة. والسؤال هنا: كيف ستتصرف إيران سياسيا لجس نبض الإدارة الأميركية ومعرفة السقف الذي يمكن أن تصل إليه في هذه المواجهة، وفي أي ساحة سيكون التحرك الإيراني السياسي (سورية، أم العراق؟، أم لبنان؟). ولتوضيح الأولويات الإيرانية، نوضح: تحاول إيران من خلال حلفائها الحفاظ على الاستقرار السياسي في بلدانهم حاليا، ومنع إثارة التوترات السياسية مع أحزاب المكونات الأخرى (السنية والكردية والمسيحية) في العراق ولبنان، مع افتعال مشاكل شيعية لإلهاء تلك المكونات، وإضعاف الوضع الأمني في المناطق السنية، وترك ثغرات أمنية للتنظيمات المتطرفة لتنفيذ عملياتها الإرهابية في تلك المناطق، وإشغال المكون السني ومنعه من مزاحمة الأطراف الشيعية في العملية السياسية في العراق. في المقابل يجري الدفع بالأطراف الشيعية لتشريع قانون في البرلمان تدعو فيه القوات الأميركية لمغادرة العراق، ومراقبة ردود الفعل الأميركية حولها. أما عن ساحة المواجهة، فيعد حزب الله الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، حتى تحول إلى دولة داخل الدولة اللبنانية، لذلك فهي ليست مستعدة لإقحامه مبكرا في أي مواجهة محتملة مع أميركا، بل ستحافظ عليه لمراحل مقبلة من الصراع مستغلة وجوده على الحدود الإسرائيلية الشمالية. بالمقابل، ورغم مؤشرات توتر مسلح بين مليشيات الحشد والقوات الأميركية في العراق، إلا أن إشعال مواجهة مسلحة ضد أميركا على الساحة العراقية ليس من مصلحة إيران حاليا، لذا دفعت تطورات الأحداث الساحة السورية لتكون الساحة المرشحة لها نظرا لأسباب عدة، منها أن أي مواجهة على الساحة العراقية ستضع ميليشيات الحشد الشعبي في مواجهة القوات الأميركية المجهزة، دون وجود قوات عسكرية أجنبية أخرى، عكس الساحة السورية التي تتمركز فيها قوات روسية إلى جانب الأميركية قليلة العدد، تحكمها حكومة معادية لأميركا مما يوفر لهذه المليشيات من مجال مناورة وتأثير أكثر، عكس العراق الذي لأميركا أوراق ضغط سياسية كثيرة على حكومته. والمواجهة المسلحة مع أميركا في الساحة العراقية لن تكون في صالح الاستقرار السياسي الذي تنشده إيران حاليا، بينما الساحة السورية غير مستقرة أساسا سياسيا. الجوار الجغرافي لإيران مع العراق يمنعها من تفضيل العراق ليكون ساحة المواجهة المحتملة، عكس سورية، كما أن الجوار السوري لإسرائيل سيكسب المواجهة مع أميركا فيها بعدا إسلاميا تستطيع إيران استغلاله. إذاً أي مواجهة مسلحة بين أميركا والميليشيات الشيعية في المنطقة (إن حدثت) فإن إيران ستسحبها إلى الأراضي السورية، ما يفسر أمرين أولهما ما نشر قبل أيام من انتقال أعداد كبيرة من فصائل الحشد الشعبي إلى داخل سورية، وكذلك سحب القوات الأميركية من سورية وتمركزها في العراق.