لم يَعُدِ التَّعليمُ ساحةً مفتوحةً للاجتهاداتِ المتباينة، ولا مسرحًا للعشوائيّاتِ التي تُرهِقُ الميدانَ وتُربِكُ رسالتَه؛ فقد جاء المركزُ الوطنيُّ للمناهج ليُحدِثَ تحوُّلًا نوعيًّا، ويقودَ ثورةً تنظيميّةً هادئةً في ظاهرها، عميقةً في أثرها، حاسمةً في نتائجها. لقد سجَّلَ المركزُ هذا العام إنجازًا يُحسَبُ له، حين قنَّنَ الخططَ، ووحَّدَ الأدلةَ، ونظَّمَ الأنشطةَ تنظيمًا دقيقًا، لا يترك فراغًا لاجتهادٍ فرديٍّ قد يُصيبُ أو يُخطئ، ولا يفتح بابًا لعشوائيّةٍ تُبدِّدُ الجهدَ وتُفرِّغُ الهدفَ من مضمونه. فأصبحت الرؤيةُ واحدة، والطريقُ واضحًا، والنتائجُ قابلةً للقياس والتقويم. ولعلَّ من أبرز ما يُشادُ به هذا التحوُّلُ المنهجيّ في تقنينُ المناسباتِ الوطنيّةِ والعلميّة والأنشطة، فلم يَعُد الاحتفالُ باليومِ الوطنيّ مجالًا لاجتهاداتٍ متفرِّقة، ولا أنشطةٍ متباينةِ المستوى، بل صار منهجًا واضحَ المعالم، ودليلًا مُحدَّدَ الأدوار، مُحكَمَ البناء، غنيًّا بالبدائل، دقيقًا في التقييم. كذلك اليومُ العالميُّ للغةِ العربيّة، وسائرُ المناسباتِ المهمّة، وُضِعَت لها أدلّةٌ شاملة، ومعاييرُ قياسٍ ناضجة، تضمن جودةَ التنفيذ، وعدالةَ التقويم، ووحدةَ الأثر. إنَّ ما فعله المركزُ الوطنيُّ للمناهج لا يقتصر على كتابةِ أدلّةٍ أو إعدادِ خطط؛ بل هو إعادةُ تعريفٍ لدورِ المدرسة، وتحريرٌ للميدانِ من عبءِ الاجتهادِ غير المنضبط، وتمكينٌ للمعلمِ من التركيزِ على جوهرِ رسالتِه: التعليمُ العميق، وبناءُ الأثر، وصناعةُ الوعي. لقد انتقلنا بفضل هذه الجهود من ثقافةِ «افعلْ كما ترى» إلى ثقافةِ «اعملْ وفق رؤيةٍ وطنيّةٍ موحَّدة»، ومن مبادراتٍ فرديّةٍ متفرّقة إلى منظومةٍ مؤسسيّةٍ متكاملة، تُدارُ بالمعيار، وتُقاسُ بالأثر، وتُطوَّرُ باستمرار. وما هذا التطوّرُ إلا خطوةٌ في مسارٍ واعد، يؤكِّدُ أن القادمَ أجمل، وأن التعليمَ حين يُدارُ بعقلٍ مؤسسيٍّ واعٍ، وبوصلةٍ وطنيّةٍ واضحة، فإنّه لا يكتفي بمواكبةِ الطموح، بل يصنعُه. تحيّةً للمركزِ الوطنيِّ للمناهج.. فقد أعادَ للتنظيمِ هيبتَه، وللوضوحِ قيمتَه، وللتعليمِ مكانتَه.