في زحام الحياة وصخبها، يقف الرجل كشجرة وارفة تظلل الجميع بظلها، تمنح الثمار دون انتظار، وتتحمل العواصف بصمت. إنه مهندس التوازن غير المرئي، وحامل الأعباء بكرامة صامتة. في يومه العالمي، نوجه التحية ليس للقوة التي يتباهى بها العالم، بل لتلك القوة الهادئة التي تبني الأوطان داخل جدران البيوت. في كل عام، وفي التاسع عشر من نوفمبر تحديداً، يطلّ اليوم العالمي للرجل ليذكر العالم بشريحة تحمل الكثير، وتُظهر القليل؛ شريحة اختارت أن تكون سنداً، ودرعاً، وظهيراً لأسرها ومجتمعاتها.. دون أن تُحدِث ضجيجاً، ودون أن تطلب مقابلاً. الرجل في جوهر دوره ليس مجرد فرد في منظومة اجتماعية، بل هو عمود بيت، وصوت حكمة، وممر للطمأنينة. يواجه مصاعب الحياة كل يوم بصلابة ظاهرية تخفي وراءها قلباً مرهقاً، وقلقاً لا يُحكى، وتضحيات لا تُحصى. يحمل مسؤولياته بجدارة، ويسعى ليكون مصدر الأمان، مهما تبدلت الظروف واشتدت التحديات. هو من يعمل ساعاتٍ طوالاً ليؤمّن حياة كريمة لعائلته، ومن يعود إلى بيته مبتسماً رغم قسوة يومه، كي لا يثقل على أحبته. وهو من يقدّم العون لغيره، ويمد يده حيث وجوده يُحدث فرقاً... فيتحول إلى قدوة في المروءة، ومثال في العطاء، ورمز في القيادة الهادئة التي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفرّق. لكن خلف هذه القوة، يقف إنسان يحتاج إلى دعم، وراحة، وبيئة تُنصف جهده، وتعترف بأن صحة الرجل النفسية والعاطفية ليست رفاهية، بل ضرورة لبقاء هذا الدور متماسكاً. فحين يُهمل الرجل ذاته، أو يُحمَّل فوق طاقته، تختل المعادلة التي تبني الأسرة والمجتمع، وتبدأ تبعات الإرهاق في التسلل إلى كيانه وإلى محيطه. جودة حياة الرجل ليست مطلباً فردياً، بل مسؤولية اجتماعية، لأنها تعني أسرة مستقرة، ومجتمعاً متزناً، وتنمية مستدامة يقودها إنسان قادر على العطاء دون أن يُستنزف. في هذا اليوم، نرفع التحية إلى كل رجلٍ كان ولا يزال جسراً بين الصعاب والنجاح، وبين الأزمات والاستقرار. تحية إلى من يبني دون أن ينتظر ثناءً، وإلى من يزرع الحب رغم الضغوط، وإلى من يظل نبضاً للعطاء مهما اشتدت عليه الأيام. إلى كل رجل.. كل عام وأنت القوة التي لا تتكلم كثيراً، لكن أثرها يُسمَع في كل مكان. وكل عام وأنت سندٌ لأسرتك، وفخرٌ لمجتمعك، وعمود من أعمدة هذا الوطن... مع باقة ورد تُشبه نقاء دورك وامتنان يليق بمكانتك.