كان هناك مصطلح يردد في كرة القدم يقول: أخطاء التحكيم جزء من اللعبة، إلا أن هذا المصطلح تلاشى خلف تقنية حكم الفيديو التي أقرت كعين محايدة متى ما طُبقت بشكلها الصحيح لتقي حكم الساحة شر التأويلات والتكنهات والدخول في النوايا. من هذا المنطلق، خذونا بحلمكم لنتحدث قليلا عن التحكيم في دورينا، الدوري الأثمن وتُصرف عليه الملايين من الدولارات وفق مشروع ضخم يشكّل نقلة نوعية للرياضة السعودية. نتفق أن قضية التحكيم مسألة شائكة في نظر الكثير، ولكن مع التطورات التقنية لم تعد هناك إشكالية كبيرة في القضاء على حالات الجدل التحكيمي وتقنين اجتهادات قضاة الملاعب. نعيش مرحلة متقدمة في كل شيء بفضل الله أولا ثم برعاية كريمة وسخاء من الدولة حفظها الله، لمواكبة جودة الحياة ووضعت الرياضة ضمن تطلعاتها لتجويد المنتج الرياضي، ومنافسة العالم المتقدم المتطور رياضيًا وبات لزامًا مواكبة هذا المشروع بما يحقق نجاحه واستمراره. ما دعاني لهذه المقدمة هي نظرة نقدية لتلك المباراة الدورية التي جمعت النصر بالفيحاء في الأول بارك مساء أمس الأول، عندما شاهدنا مستوى تحكيميًّا هزيلا جدًّا، لا يوازي حجم الاهتمام والمتابعة العالمية للدوري السعودي من خلال النجوم العالميين الكبار المحترفين في الأندية السعودية. حقيقة ليلة الأول بارك التي أدارها محمد الهويش جعلت الأيادي على القلوب من سوء إدارة المباراة تحكيميًّا، وجعلت البعض يتساءل هل التحكيم لدينا في مهبّ الريح؟ محمد الهويش الذي أدار ظهره لأسباب النجاح في مباراة سهلة لعدة اعتبارات، قدّم واحدة من أسوأ الإدارات التحكيمية ولا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال حيث حملت أداء مرتبك وقرارات متناقضة أفقدت اللقاء توازنه، وكشفت أن التحكيم السعودي لا يزال يترنح بين الاجتهاد والخوف من الضغوط. منذ صافرة البداية، بدا الحكم مترددًا في احتساب الأخطاء، متغاضيًا عن تدخلات مؤثرة في النتيجة، وفي أول عشرين دقيقة ارتكب أخطاء كوارثية لا يمكن استيعابها من حكم دولي، وكأنه يخشى اتخاذ القرار في اللحظة الحاسمة، ومع وجود تقنية الVAR، كان المنتظر أن تقل الأخطاء، لكنها للأسف زادت، لأن الحكم لم يستخدمها بالشكل الأمثل، فاتسع الجدل. الهويش بدا بعيدًا عن أجواء المباراة، فقد صادر ركلة جزاء للنصر واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وعلى النقيض احتسب هدفًا منشأه من الخطأ الآنف الذكر، وحوّله من خطأ على الفيحاء إلى هدف غير شرعي لمصلحة الأخير، فأصبح هناك عدد من التقديرات الخاطئة في لعبة واحدة. الحكم في حقيقة الأمر افتقر لقراءة دقيقة للمواقف، حتى فقد السيطرة على نسق اللقاء، وسمح للتوتر أن يطغى على أجواء المباراة، واستفز اللاعبين والجماهير معًا. ما حدث يطرح سؤالاً جوهريًا هل كل تلك الأخطاء اجتهادات في ظل وجود النص القانوني للعبة؟ وهل سنبحث في كوكب آخر عن شخصية قوية تعرف متى تطبق القانون دون تباين واجتهادات مستفزة؟. الأخطاء واردة في كرة القدم، لكن تكرارها بهذا الشكل يضر بسمعة الدوري ويقلل من ثقة الجماهير بالتحكيم المحلي. صحيح أن الحكم الهويش يمتلك تجربة تحكيمية لا بأس بها، لكنه لم يوفق في أغلب المباريات التي أدارها وكان النصر أحد أطرافها، وفي هذه المباراة تحديدًا أخفق إخفاقًا ذريعًا، بما لا يدع للشك مكانًا بعدم صلاحيته لأي مباراة يكون النصر طرفًا فيها. رسالة أخرى لاتحاد القدم لإعادة تقييم آلية اختيار الحكام للمباريات، وتأهيلهم نفسيًا وفنيًا لمواجهة ضغط الأندية والإعلام. ما شاهدناه في مباراة النصر والفيحاء لا يمكن تصنييفه على أنه زلة يمكن تمريرها، هو جرس إنذار بأن التحكيم بحاجة إلى إعادة نظر شاملة. وكما يقول المثل العربي القديم: ما هكذا تُورَد الإبل يا الهويش.