في زمنٍ غابت فيه الملامح، وبهتت فيه النوايا، حتى اختلط الصادقُ بالمتلون، برزت طينةٌ من البشر تجيد ارتداء الأقنعة، تتلون كالحرباء وفق المصلحة، وتتنقل بين الوجوه كما يتنقل الوباء بين الأجساد.. هؤلاء الذين يُزينون لك العداء، ويُوقِدون بينك وبين الآخرين نار الخصومة، ثم إذا أقبل الليل صافحوهم في الخفاء، وضحكوا معهم في المجالس كأنهم ما حرضوا، ولا أفسدوا، ولا أوغروا صدرك يومًاما. يدفعونك إلى الهجر، ويقفون على الأطلال يتلذذون بمشهد الخراب، يوهمونك بأنهم أنصارك، وهم في الحقيقة أوهنُ من خيوطِ العنكبوت، يختبئون وراء أقنعة اللطف، ويُمارسون الخيانة بثوب المودة.. احذرهم فهم شرار الناس، كما وصفهم الصادق المصدوق «شِرَارُ النَّاسِ ذُوالوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ»- رواه البخاري ومسلم. إنهم غرباءُ عن الصفاء، لا يعيشون إلا على رماد النزاعات، يقتاتون على الفرقة وتأنس أرواحهم بضجيج الكراهية، لأنهم لا يعرفون طُهر النية، ولا دفء الإخلاص والمحبة، أما الصديق الحق فوجهه وجهٌ واحد، ولسانه قلبه، لا يُحرض ولا يُنمّق، بل يُصلح إذا رأى الشرر، ويطفئ النار قبل أن تمتد إلى الهشيم.. إنه بلسم للروح، لا سُمٌّ للعلاقات، يلتمس رضى الله بالإصلاح ﴿إِنَّمَا 0لْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٞ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم﴾. وختامًا.. من أراد أن يزن نقاء من حوله فلينظر من يفرحُ لصفائه، ومن يبتسمُ لانكساره، فالأولُ كريمُ الطوية احرص عليه وعض عليه بالنواجذ، والآخرمن أقبحِ البشر، فر منه فرارك من الأسد.