في كل عام تتوالى الأيام العالمية التي تخصصها الأمم والمجتمعات لفئات مختلفة من البشر- بل حتى لغير البشر - تكريمًا لعطائهم وتقديرًا لأدوارهم في الحياة. فها هو اليوم العالمي للمعلم يذكّرنا بمن غرس فينا العلم، ويوم الأم يحتفي بمن وهبت الحياة، بل تجاوز الاهتمام الإنسان ليصل إلى يوم الشجرة لما تمثله من رمزية للحياة والعطاء. ومع هذا التنوع في مظاهر التقدير، يبرز تساؤل جدير بالطرح: أين هو اليوم العالمي للمتقاعدين من اهتمامنا فعليًا، دون تنظير بلا قيمة؟ فقد أفنوا أعمارهم في خدمة المجتمع، وأسهموا في نهضة وطنهم بميادين التعليم، والصحة، والأمن، والإدارة، والبناء، والجيش، وسائر تفاصيل الحياة، وحملوا الأمانة حين كانت الأعباء في ذروتها، وأسهموا في بناء مؤسساتنا ومكتسباتنا الوطنية قبل أن يُسلّموا الراية لجيل جديد. ألا يستحق هؤلاء يومًا يليق بمسيرتهم الطويلة؟ بلى والله، وقد بات من الضروري أن يُخصّص لهم يوم يحمل اسم «اليوم السعودي للمتقاعدين»، يكون مناسبة سنوية لتقدير جهودهم وتذكير المجتمع بجميل عطائهم، وليس بمستغرب من ولاة أمرنا، حفظهم الله، أن يكرموا المتقاعدين بمكافأة رمزية سنوية، تكون بادرة وفاء وعرفانًا لمن خدم الوطن وأفنى عمره في سبيله. إن تخصيص يوم وطني للاحتفاء بكل مواطن متقاعد من جميع القطاعات، دون استثناء، ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو رسالة وفاء وطنية، تُعيد الاعتبار لقيمة العطاء بعد التقاعد، وتؤكد أن التقاعد ليس نهاية الطريق، بل هو بداية مرحلة جديدة من الحياة يمكن أن تزخر بعطاء مختلف وإنتاج جديد. ومن المناسب أن يكون الأول من شهر رجب موعدًا لليوم السعودي للمتقاعدين، حاملًا بعدًا رمزيًا تزامنًا مع تاريخ تقاعد المتقاعدين القدامى، أو اختيار يوم بديل ليكون 1 يناير مطلع كل سنة ميلادية ليشمل جميع المتقاعدين في الأجيال اللاحقة. ومن أجمل ما يمكن أن يصاحب هذا اليوم التركيز على القضايا التي تمس حياة المتقاعدين، وتحسين ظروفهم المعيشية والصحية والاجتماعية، فهو فرصة لرفع مستوى الوعي بحقوقهم، وتسليط الضوء على دورهم في بناء المجتمع، واستعراض التحديات التي يواجهونها للبحث عن حلول واقعية تليق بمقامهم ومكانتهم، فقد صنعوا حاضرنا ومهّدوا لمستقبلنا.