في قلب مكةالمكرمة، حيث تتقاطع السماء بالدعاء، وتلتقي القلوب حول الكعبة المشرفة، وُلد مشروع «بوابة الملك سلمان»، ليكون شاهدًا جديدًا على فلسفة عمرانية وإنسانية تقودها رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – تجمع بين قداسة المكان وعبقرية الإنسان. فهذا المشروع لا يُقاس بمساحاته الممتدة ولا بارتفاع مبانيه، بل بما يرمز إليه من توازن فريد بين الروح والعمران، بين التاريخ والمستقبل، وبين الهوية والحداثة. منذ انطلاقة رؤية السعودية 2030، برزت فلسفة التنمية في المملكة كرحلة واعية لا تفصل بين المقدّس والمعماري، بل تمزجهما في نسيج واحد. مشروع «بوابة الملك سلمان» يأتي استمرارًا لهذا النهج.. نهجٍ لا يكتفي بالبناء، بل يروي قصة وطن يعرف كيف يطوّر دون أن يمس بقداسة المكان. إقامة المشروع بجوار المسجد الحرام على مساحة تصل إلى 12 مليون متر مربع ليست صدفة في الأرقام، بل دلالة على استيعاب فكري عميق: أن التنمية يمكن أن تكون خادمة للروح قبل أن تكون خدمة للزوار. حين يتحدث ولي العهد عن «عمارة الإنسان والمكان»، فهو لا يشير فقط إلى مبانٍ شاهقة أو ساحات رحبة، بل إلى هوية معمارية سعودية معاصرة تعبّر عن قيمنا الإسلامية العميقة بلغة الحاضر. تصميم البوابة يجمع بين الأصالة والتراث من جهة، والانسيابية العصرية من جهة أخرى، وكأن القباب والممرات والأقواس تتحدث بلغةٍ واحدة: لغة الاحترام للماضي والانفتاح على المستقبل. إنها ليست مجرد توسعة حضرية، بل رمزية روحية وعمرانية تجعل الزائر يشعر بأنه ينتقل من عبادة المكان إلى تجربة الجمال في تفاصيله. المشروع لا يُعيد فقط تشكيل المدخل الغربي للحرم، بل يعيد رواية قصة مكة بطريقة حديثة، إذ يربط بين 19 منطقة تراثية وثقافية تمتد من قلب العاصمة المقدسة إلى أطرافها. فمن «صوت التاريخ» إلى «هندسة الحداثة» تسير بوابة الملك سلمان كجسرٍ بين زمنين: زمن الحجارة الأولى وزمن الأبراج الذكية. في كل زاوية من المشروع تتجلى فلسفة ولي العهد: أنّ الماضي لا يُلغى، بل يُستعاد بحكمة، وأنّ الحاضر لا يُفرَض، بل يُبنى باحترام. من أعمق ما يميز المشروع أنه لا يتحدث عن الهندسة فقط، بل عن الإنسان الذي سيعيشها ويستفيد منها، فهو يستهدف 900 ألف مصلٍّ، ويرتبط بشبكة حديثة لوسائل النقل العام، لتسهيل الوصول إلى المسجد الحرام، ويضم منظومة خدمات سكنية وثقافية متكاملة. هنا تتجسد الفلسفة السعودية الجديدة في التنمية: أن الإنسان هو الهدف وليس الهامش. فالمكان الجميل بلا راحة الزائر، والصرح المعماري بلا دفء إنساني، لا يعبّران عن رؤية المملكة التي تضع الإنسان محور كل مشروع. تنوع اقتصادي يعزز الاستدامة بعيدًا عن الروحانية والعمران، يحمل المشروع بعدًا اقتصاديًا واضحًا ضمن مسار رؤية 2030 في تنويع الاقتصاد الوطني. فمن خلاله ستُخلق أكثر من 300 ألف فرصة عمل بحلول عام 2036، ما يعني أن «بوابة الملك سلمان» ليست فقط بوابة للعبادة، بل بوابة للفرص والتنمية أيضًا. هذا الدمج بين الروحي والاقتصادي يعكس وعيًا سعوديًا ناضجًا يرى في المشاريع الكبرى وسيلة لإثراء الإنسان والمكان في آنٍ واحد. في كل مشروع من مشاريع مكةالمكرمة الكبرى، من التوسعة إلى مشروع النقل الذكي إلى بوابة الملك سلمان، نجد أن المملكة لا تسعى إلى «تجميل المدينة» بقدر ما تسعى إلى إعادة تعريف تجربة الحج والعمرة والزيارة. مكة اليوم تتحول بهدوء إلى نموذج عالمي في التنمية المتوازنة مدينة تحتفظ بقداستها وتضيف إليها أبعادًا من الراحة والتنظيم والاستدامة، لتكون مرجعًا في الإدارة الحديثة للمشاعر المقدسة. ليس غريبًا أن يرتبط المشروع باسم الملك سلمان - حفظه الله - الذي جسّد عبر عقود من القيادة مفهوم النهضة المرتبطة بالهوية، وأن يكون ولي عهده مهندس هذا الامتداد برؤيةٍ تجمع الحكمة بالتجديد، والجرأة بالاحترام. فما بين جدران هذا المشروع، لا نقرأ فقط تفاصيل تصميمٍ هندسي، بل نلمح بصمة فكرٍ قيادي يرى في العمارة وسيلة لخدمة الإنسان قبل أن تكون مظهرًا حضاريًا. «بوابة الملك سلمان» ليست حجرًا يُرفع أو برجًا يُشيَّد، بل قصة وطنٍ يكتب فصله الأجمل في خدمة الحرمين الشريفين. هي ترجمة حية لعبارةٍ خالدة قالها ولي العهد في أكثر من مناسبة: «نحن لا نعمل على مشاريع للبناء فقط، بل نصنع مستقبلًا يعيش فيه الإنسان بكرامة ورفاه». وحين يلتقي في مشروع واحد القدس المكاني بقدسية النية، والهندسة بالعقيدة، والرؤية بالإنسان، ندرك أن المملكة لم تعد تطوّر مدنًا فقط، بل تصوغ تجربة حياة جديدة للعالم كله انطلاقًا من أطهر بقاع الأرض.