اختير كتاب "جامع فرائد الملاحة في جوامع فوائد الفلاحة"، بتحقيق الأستاذ الدكتور إحسان ذنون الثامري (العراق)، ليكون كتاب العام التراثي بالوطن العربي في احتفالية يوم المخطوط العربي لهذا العام، تقديرًا لقيمته العلمية وما يحمله من معارف زراعية وصحية تعكس ثراء التراث العربي المخطوط. يُعَدّ هذا الكتاب واحدًا من أهم المؤلفات الزراعية الموسوعية في التراث العربي، ألّفه العالم الدمشقي رضي الدين الغزي (862–935ه / 1458–1529م). وقد جمع فيه خلاصة خبرات الفلاحة والزراعة والطبيعة في بلاد الشام وما جاورها، مقدّمًا مادة علمية متكاملة تجمع بين النظرية والتطبيق. وتكمن أهميته في أنه لم يقتصر على الزراعة وحدها، بل ضمّ موضوعات في التربة، والري، والأشجار المثمرة، والأعشاب والنباتات الطبية، إلى جانب إشارات إلى الطب البيطري، وأدوات الفلاحين، وأوزانهم ومكاييلهم. ويكشف التحقيق العلمي الذي أنجزه الدكتور إحسان ذنون الثامري عن ثراء النص وأصالته، حيث اعتمد على عدد من النسخ الخطية المحفوظة في مكتبات عالمية، أبرزها مكتبة برلين والظاهرية بدمشق، محققًا للنص ضبطًا علميًا أتاح للباحثين والمهتمين الاطلاع على هذا الإرث بعد طول خفاء. وقد صدر الكتاب عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي في طبعة علمية محققة، تبرز قيمة العمل وتعيد تقديمه في سياق أكاديمي رصين. ويأتي تميّز الكتاب من كونه وثيقة حضارية تجمع بين العلوم الطبيعية والإنسانية؛ فهو يُظهر كيف نظر العرب في القرن التاسع الهجري إلى الأرض والإنسان والبيئة في إطار واحد متكامل، وكيف ارتبطت الفلاحة بالطب والتغذية والصحة العامة. وهو بذلك يعكس عقلية موسوعية ترى في المخطوط العربي وعاءً جامعًا للمعرفة، لا يقتصر على فن واحد بل يشمل جوانب متعددة من الحياة. إن تكريم هذا الكتاب بوصفه كتاب العام التراثي يسلط الضوء على الدور الذي يلعبه المخطوط العربي في حفظ الذاكرة العلمية للأمة، ويعيد التذكير بقيمة هذا النوع من المؤلفات التي تجمع بين العلم والخبرة العملية، وتكشف عن روح البحث والتجريب التي طبعت الحضارة العربية الإسلامية في عصورها المزدهرة.