الانتماء الوطني والمواطنة ليسا مجرد شعارات تُرفع في المناسبات، بل شعور فطري وسلوك يومي يُمارس، وإرث ثقافي تنتقل قيمه من جيل إلى جيل، يعكس الرابط الوثيق الذي يشد الإنسان إلى أرضه ومجتمعه، ويحوّل الحب الصادق للوطن إلى أفعال ملموسة تسهم في رفعته واستقراره. وقد أكدت تعاليم الشريعة الإسلامية على أن الدفاع عن الوطن من أعلى مراتب الشرف والكرامة. أودع الله في الإنسان حبًّا غريزيًّا للأرض التي ينشأ عليها، وتجسّد هذا الشعور في حياة الأنبياء، كما عبّر النبي، صلى الله عليه وسلم، عند مغادرته مكة بقوله: "ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك"، وهو ما يؤكد أن الانتماء للوطن قيمة إنسانية أصيلة عبرت عنها الشرائع وردّدها القادة والشعراء على مر العصور. المواطنة والانتماء للوطن من الصفات الجوهرية للمواطن الصالح، التي تسعى الأمم لغرسها وترسيخها في نفوس أبنائها، لأنها تشكّل ركائز أساسية لوجود الأوطان وحمايتها، وتظهر هذه القيم وتتجلى بقوة في أوقات الشدّة، عندما تحيط الأخطار سواء كانت خارجية أو داخلية، لأنها تجد بيئة خصبة في ضعف قيم المواطنة والانتماء، حيث يتيح للمفسدين والمخربين العبث بالأمن وإشاعة الفساد والاضطراب. ترسيخ هذه القيم مسؤولية مشتركة، فالأسرة هي النواة الأولى التي تغرس حب الوطن في نفوس الأبناء، والمدرسة تصقل هذا الحب بالعلم والمعرفة، والإعلام يعزّز الوعي برسائل إيجابية تبني إدراكًا جمعيًا متماسكًا، ليكبر الأبناء حاملين شرف الانتماء ووعي المسؤولية، قادرين على دعم استقرار وطنهم والمساهمة في نهضته. والشعب السعودي بطبيعته يعتز بهذه القيم، وقد سعت الجهود الوطنية منذ توحيد البلاد إلى ترسيخها في نفوس المواطنين، فبفضل هذه الوحدة الراسخة تجمع أبناء الوطن على اختلاف مناطقهم وأصولهم القبلية ومذاهبهم ليكونوا شعبًا واحدًا في السراء والضراء. ويظهر ذلك في اللحظات التاريخية، حيث يصبح الولاء للوطن وإعلاء مصالحه العليا معيارًا للسلوك والعمل، ويشكل أساس استقرار المجتمع وأمنه وازدهاره. يحتفل الشعب السعودي باليوم الوطني في كل عام معبّرًا عن فخره بوطن تأسس على الوحدة والهوية الراسخة، حيث يجسّد هذا متواصلة جعلتها في مقدمة الدول على مختلف الأصعدة وحاضرة بقوة في المحافل العالمية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، تشهد المملكة تحولًا تاريخيًا نحو المستقبل من خلال رؤية 2030، التي تضع المواطن في صلب عملية التنمية، معزّزة قيم الانتماء والمواطنة الفاعلة، التي تجسّدت في إنجازات نوعية في جميع المجالات، إدراكًا بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية للوطن، فتحت أمامه آفاق المشاركة من خلال تمكين الشباب وتعزيز الابتكار وتوسيع مجالات التطوّع والمبادرات الوطنية، ليصبح الانتماء الوطني مشروع حياة يتجسّد في كل إنجاز على أرض الوطن. وتقدّم المملكة نموذجًا متفردًا يجمع بين الانتماء الوطني والهوية الإسلامية، إذ يقوم نظامها الأساسي للحكم على مبادئ راسخة تجعل من حب الوطن والاعتزاز به وتنمية الوحدة الوطنية أهدافًا أصيلة، كما ورد في مواده (9، 12، 13، 33)، وتؤكد المواد على غرس الولاء والانتماء للوطن، وتعزيز الوحدة الوطنية ومنع الفرقة، مع ترسيخ العقيدة الإسلامية. ويُعد الدفاع عن الوطن والعقيدة واجبًا على كل مواطن، وزاد من عمق هذا الانتماء ما تنعم به المملكة من أمن واستقرار واحتضانها للحرمين الشريفين، مما يعزّز مشاعر الفخر والمسؤولية ويجعل الحفاظ على الوطن واجبًا دينيًا ووطنيًا في آن واحد. إن الانتماء والمواطنة والهوية الوطنية ليست حالات عابرة، بل منظومة قيمية متجذّرة ووعي راسخ ومسؤولية مستمرة تُترجم في عمل صادق يليق بتضحيات الأجداد وتطلعات الأجيال القادمة. فالوطن ليس مجرد حدود على الخريطة، بل هو معنى يسكن وجداننا، وهوية نصونها، ورسالة نؤديها، وحلم جماعي نصنعه معًا من أجل حاضر مزدهر ومستقبل آمن. فالانتماء الوطني والمواطنة الصالحة وجهان لعملة واحدة، وبهما تُبنى الأوطان وتُصان الهويات، ويظل غرس هذه القيم استثمارًا في الإنسان وركيزة لأي نهضة حقيقية أو تنمية مستدامة، لتبقى الأجيال القادمة حاملة لرسالة الوطن، وحافظة لأمنه، وواضعة لبناته نحو العزّة والازدهار.