"التحالف الإسلامي" يطلق برنامج الاستخبارات التكتيكية بالرياض    ولي العهد وأمير قطر يرأسان مجلس التنسيق السعودي القطري    موقف ريال مدريد من انتقال رودريجر إلى دوري روشن    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه 11 كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    تجمع الرياض الصحي الأول يشارك في تفعيل النسخة الثانية من مبادرة "10KSA"    "التخصصي" يتوج بثلاث جوائز في مجال الخزينة وإدارة النقد بقطاع الرعاية الصحية    صلاح يهدد بالاستبعاد عن مواجهة انتر ميلان    الأهلي يتفق على تمديد عقد ميندي    خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يهنئان الرئيس السوري بذكرى يوم التحرير    إحالة منشأة تجارية إلى النيابة العامة لتداول أجهزة طبية مخالفة للنظام    الجمعية السعودية لمرض ألزهايمر تحصد شهادة الاستثمار ذي الأثر الاجتماعي    4.8% نمو الاقتصاد السعودي خلال الربع الثالث من 2025    الصناعات الإيرانية حاضرة في معرض المنتجات العربية والعالمية بمكة    العُلا تحصد لقب أفضل مشروع للسياحة الثقافية في العالم لعام 2025    إصابة فلسطيني برصاص الاحتلال شمال مدينة القدس    أمانة القصيم ترفع جاهزيتها لاستقبال الحالة المطرية المتوقعة    عازم و تجمع عسير الصحي توقّعان مذكرة تفاهم لتنفيذ مشروع " خطوة "    ⁨الإسلام دين السلام لا إرهاب وعنف⁩    «أحياها» تشارك في ختام «دُرّة طلال» وتحتفي بتأهيل 25 مقدمة رعاية بالأحساء    ثلاث مدن سعودية تنضم إلى شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعلّم    ارتفاع اوقية الذهب الى 4206.99 دولار    تايلاند تشن غارات جوية ضد أهداف للجيش الكمبودي    التدخل العاجل ينقذ 124 حالة بمستشفى أجياد    أمير نجران يطلع على سير العمل في قطاعات الأمن العام    «كود الطرق» يحدد اشتراطات مواقف السيارات الجانبية    آل الشيخ يطلق النسخة الثانية من مبادرة «ليلة العمر».. رسم بداية جديدة لشباب الوطن    «سار» تحصد جائزة أفضل مركز اتصال بقطاع السفر    هيئة «الشورى» تحيل تقارير ثلاث جامعات للمجلس    لا تلوموني في هواها    ارتفاع سوق الأسهم    نتائج المسح الصحي الوطني لعام 2025.. 95.7 % من البالغين لديهم تغطية ل«نفقات الرعاية»    حماس تشترط انتهاء الاحتلال لتسليم السلاح    في معرض "أرتيجانو آن فييرا" بمدينة ميلانو.. «الثقافية» تعرف العالم بتاريخ وثقافة السعودية    اعتمد لجنة لتطوير الحوكمة.. «الألكسو» برئاسة السعودية: إنشاء المركز العربي لدعم المسار المهني    العزف على سيمفونية حياتك    في الجولة الثالثة لكأس العرب 2025.. الأخضر يلاقي المغرب للحفاظ على الصدارة    للعام الخامس على التوالي.. يزيد الراجحي يتوج ببطولة السعودية تويوتا للراليات الصحراوية    ميسي يقود إنتر ميامي للقب الدوري الأمريكي    «الدعم السريع» يقصف المدنيين في كردفان    أكد أن العملية على وشك الانتهاء.. المبعوث الأمريكي: اتفاق السلام في أوكرانيا في «الأمتار العشرة»    السمنة تسرع تراكم علامات الزهايمر    جامعة الطائف تكشف بدراسة علمية عن مؤشرات فسيولوجية جديدة للمها العربي في بيئته الطبيعية    29.2 % ارتفاع الاستهلاك التجاري للكهرباء    Bitcoin تذبذب وتقلبات حادة    تدابير الله كلها خير    القُصّر هدف لنيران الاحتلال    زراعي عسير: أكثر من 6 ملايين ريال عائد اقتصادي للعمل التطوعي    الجوازات تضع شرطا للسفر لدول الخليج بالهوية الوطنية    إنه عمل غير صالح    نائب أمير الشرقية يطلع على أعمال فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بالمنطقة    تتم عبر تصريح «نسك» للرجال والنساء.. تحديد زيارة الروضة الشريفة ب«مرة» سنوياً    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. "التخصصات الصحية" تحتفي ب 12,591 خريجًا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    المجلس العالمي لمخططي المدن والأقاليم يختتم أعماله.. ويعلن انضمام أمانة الرياض لعضوية المنظمة العالمية "ISOCARP"    جلسات سوق البحر الأحمر تناقش مستقبل صناعة السينما    هجوم على روضة يفتح ملف استهداف المدنيين في السودان    رئيس البرلمان المقدوني يستقبل إمام المسجد الحرام الدكتور المعيقلي    أمير منطقة جازان يؤدى واجب العزاء والمواساة لإبراهيم بن صالح هملان أحد أفراد الحماية (الأمن) في وفاة شقيقته    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين يتجذر الظلام في الروح كيف يولد الشر
نشر في الوطن يوم 21 - 09 - 2025

ماذا تعني سيكولوجيا الشر؟ هل يولد الشر معنا؟ هل يمكن استئصال الشر من النفس البشرية؟
تخيّل نفسك جالساً في مجلس قديم، حيث يتجادل الفلاسفة وعلماء النفس حول سؤال يبدو أزلياً: هل يمكن أن يُستأصل الشر من النفس البشرية، أم إنه قدر يسكن أعماقنا منذ الولادة؟
يرفع جان جاك روسو صوته من بين الجمع قائلاً: «الإنسان يولد طاهراً، نقياً كنسمة الصباح، لكن المجتمع هو الذي يلوّثه أو يحفظه»، وهنا يلتقط خيط الحديث سيغموند فرويد مشيراً إلى أن العدوان جزء دفين في البنية النفسية، طاقة مكبوتة تبحث عن متنفس، قد تُوجَّه للبناء، لكنها قد تنفجر فتتحول إلى عنف وشر، ومن بين الحضور يبتسم فيكتور فرانكل الذي خبر معسكرات النازية ليقول: «إن الإنسان مهما غرق في الشر يبقى قادراً على اختيار الخير، فالحرية الداخلية هي السلاح الأخير أمام القسوة»، أمّا فيليب زيمباردو فيحكي عن سجنه الوهمي في جامعة ستانفورد، حيث تحوّل طلاب عاديون إلى جلادين بمجرد أن منحوا سلطة مطلقة.
في ضوء هذه الأمثلة يظهر أن سيكولوجيا الشر ليست لغزاً شيطانياً، بل شبكة معقدة من العوامل الفردية والبيئية والثقافية، قد تبدأ من طفولة مثقلة بالعنف والإهمال، أو من مجتمع يزرع في أبنائه مشاعر الحقد والتمييز، أو من ثقافة تبرر القسوة باسم الدين أو العُرف، وللأسف بعض المجتمعات تغذي «حب التدمير» في نفوس أفرادها حين يُحرمون من الحب والأمان، فيتجهون إلى القوة والعدوان كتعويض عن الحرمان.
كما أن سيكولوجيا الشر ليست شذوذاً عابراً ولا ظاهرة طارئة، بل شبكة متشابكة من نوازع فردية وتجارب طفولية وبيئات اجتماعية وثقافات تغذي بذور العدوان أو تكبحها، كأن الشر طيف يتشكل وفق المناخ الذي تحتضنه الروح؛ فإذا وُلد الطفل في أحضان القسوة والتهميش، نما داخله الغضب كحجر ساخن، أما إذا غُمر بالحب والاحتواء، استحال ذلك الحجر زهرة رحمة، وهنا يتجلى ما رآه علماء النفس من أن السلوك الإنساني لا يولد من فراغ، بل من تراكمات تعيد صياغة الفرد وتحدد اتجاهه نحو الخير أو الشر.
وفي التحليل السيكولوجي لمصادر الخير والشر نكتشف أن الشر ليس كائناً غريباً يقتحم النفس من الخارج، بل هو جزء من قابليتنا البشرية التي تتأرجح بين النور والظلمة، وقد رأى فرويد أن العدوان نزعة أصيلة في دواخلنا تبحث عن منفذ، بينما أكد روسو أن المجتمع هو المسرح الذي يعيد تشكيل براءة المولود ليصبغها بلون الصلاح أو الفساد، وبين هذين التصورين يمتد الطيف الواسع الذي يفسر لنا كيف يمكن لإنسان أن يتحول إلى جلاد أو إلى مصلح، وكيف أن السياق قد يجعل الطيبة قوة أو ضعفاً، والشر اندفاعاً أعمى أو اختياراً واعياً، إنه مزيج من الوعي بالذات والرغبة في التفرد، ومن صراع الرغبات المكبوتة مع ضغوط المجتمع.
لكن السؤال الذي يظل مطروحاً: كيف نحد من هذا الشر؟ هنا تتقاطع الرؤى، فالتربية المبكرة على التسامح والرحمة كما أوصى علماء النفس الإنسانيون مثل كارل روجرز، تُنشئ جيلاً أكثر قدرة على المحبة والتعاطف والدعم النفسي والعلاجي، كما شدد عليه معاصرون كأرون بيك، كما يجب أن يمنح الأفراد أدوات لمواجهة ميولهم العدوانية بدلاً من الاستسلام لها، أما المجتمعات فإنها بحاجة إلى قوانين عادلة وحملات وعي وبيئات أسرية ومدرسية صحية تقلل من إنتاج الشر وإعادة تدويره عبر الأجيال، وكلما تسللت إلى القلوب قيم الرحمة والتسامح ضاق الخناق على نوازع الشر، وكلما وجد الفرد في بيته ومدرسته ومجتمعه حضناً دافئاً آمناً ضعفت الحاجة إلى اللجوء للعنف كوسيلة إثبات للذات.
وفي النهاية يبدو الشر كالنار: لا يمكن إلغاؤه من الطبيعة الإنسانية، لكنه يقبل التوجيه والسيطرة، ومن هنا ينهض دور التعليم في غرس مهارات الحوار بدل الصراع، ودور الدعم النفسي في تحرير الفرد من أثقال الغضب، ودور القانون في كبح جماح العدوان، كما أن الروح حين تتزكى بالإيمان والعمل الصالح، تكتشف أن القوة الحقيقية ليست في البطش، بل في القدرة على كبح الأذى، وهكذا يظل الخير والشر نهرين جاريين في مجرى الإنسان، وأي النهرين يفيض ويتسع يتوقف على السقيا التي نختارها لأرواحنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.