أكتب عن «تمكين المرأة» وأنا أحاول أن أكون هادئًا، رغم أن الموضوع يستفزني من الداخل. ليس لأنني أعارضه، بل لأنني أرى كيف يُفرغ من مضمونه، ويُدار أحيانًا بعقلية لا تمت للتمكين بصلة. ف«الشيطان يكمن في التفاصيل»، وبعض تلك التفاصيل تُبنى على ظنون، أرجو أن تكون آثمة، بل خاطئة تمامًا. لذا سأطرح مثالًا متخيّلًا، لا أتمنى أن نراه في أي مؤسسة، عامة كانت أو خاصة. وأترك للقارئ الحكم: هل هذا خيال مريض، أم واقع يُدار بدهاء؟ تخيلوا مسؤولًا إداريًا، كان يومًا ما «صحويًا» مخلصًا، لا ينتمي تنظيميًا للإخوان أو السرورية، لكنه مشبع بأدبياتهم حتى النخاع. يتكيّف مع المرحلة الجديدة، يلبس العقال على مضض، يحلق لحيته، ويضع في حالة الواتساب عبارات مستوحاة من أدبيات الصحوة، منسوبة ضمنيًا إلى صورة غازي القصيبي، وكأنها من قوله. ذكاءٌ مكتسب من السرورية، رغم أنه لا يعترف بالانتماء. هذا المسؤول، بعد تسلمه المنصب، يصبح من أوائل المبادرين إلى «تمكين المرأة». يسند لها إدارة هنا، وقسمًا هناك، ويرفع تقارير للجهات المختصة عن إنجازاته في التمكين. لكن بدهائه، يحيطها بطاقم من الموظفين الذين يعلم مسبقًا أنهم إما فاشلون، أو غير قادرين على التكيف مع وجود امرأة في موقع القيادة. ورهانه على الوقت: بعد أشهر، تستقيل المرأة، أو تطلب نقلها، ويُعاد السيناريو مع أخرى، في ظروف مشابهة، لتحقيق النتيجة ذاتها. من حيلة الأخرى، أن يختار من الكفاءات النسائية أقلهن خبرة، أو أكثرهن حساسية تجاه بيئة العمل، مراهنًا على خلق مشكلات يتدخل فيها لاحقًا ليبرر أن «التمكين» يحتاج وقتًا، وأن البيئة غير مهيأة بعد. البيئة التي يريدها؟ «حرملك عثماني»، لا بيئة عمل طبيعية. يديرها بعقلية «الحريم»، كما لو أن الموظفين في مستشفى ولادة، لا في إدارة حكومية. أما أخطر أساليبه، فهو الاندفاع الزائد في التمكين، مضمرًا ما يرجوه من ردات فعل سلبية، ليرفع تقارير عن المعوقات التي واجهها، رغم حماسه الظاهر. وهكذا، يتحول التمكين إلى أداة لإثبات الفشل، لا لتحقيق النجاح. ثم يمتدحون المرأة أيام زمان، حين كانت تشل «طن حطب»، وتلبس ثيابًا مليئة بالحسك، وتحمل قربة ماء تفوق العشرة لترات، وتحلب وتطحن وتساعد في الصريم... إلخ. وعندما جاءت الدولة بمستويات عليا من الرفاه الوظيفي، بدأنا نسمع «حذلقة السرورية» كفحيح الأفاعي، بأن المرأة جوهرة مصونة، والمقصود: إعاقتها إن لم تسر في الطريق الذي يعجبهم. فإن سارت فيه وهربت من بلدها، رأيتهم يصفقون لها بعبارة «حرائر مجاهدات في مناطق النزاع». تمكين المرأة مشروع وطني، خطت فيه الدولة خطوات متقدمة، ومكاسبه الداخلية والخارجية يدركها كل من يحب وطنه قولًا وفعلًا. وما كتبته هنا بصيغة انفعالية، ربما يعود إلى أنني لا أكتب في شأن نسوي إلا ونصب عيني زوجتي وابنتي، ومن ورائهما الدولة، الحامية والراعية لأنظمتهما، دون افتئات من قريب أحمق أو بعيد معتوه. ف«لهن مثل الذي عليهن بالمعروف»، والمعروف قبل ألف سنة في زمن العبيد والجواري، لا علاقة له بالمعروف في زمننا هذا. ومن يريد خلط الأوراق من مرضى النفوس، فنظام الدولة له بالمرصاد. وظنوني، في نهاية المطاف، لن تتجاوز «كلام جرائد».