يُروى عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «ما من أحد وجد في نفسه كبرًا إلا بمهانة وجدها في نفسه ويعرفها». جملة موجزة، ومؤثرة تلطم كل مسرف متكبر جعل هدر النعمة والخيلاء والتفاخر والبطر عناوين لمناسباته وموائده، ليتسول المدح بأي وسيلة، بينما يجهل حقيقة أن المداحين كمن يكتب على رمال الشاطيء، ثم لا تلبث أن تأتي الأمواج الراكضة تمحو أثرها في لحظات. الإسراف والتكبر، لم يكن يومًا من عاداتنا وتقاليدنا، وهنا يبرز السؤال الأهم: لماذا أخذت هذه «العِلة الاجتماعية» تتورم كل يوم، ومن المؤكد أنها لم تصل إلى ظاهرة اجتماعية لكن مهما كان وصفها، فهي لا تمثل مجتمعنا السعودي النقي، ولا تعكس شيمه وعاداته العربية الأصيلة المنبثقة من تعاليم عقيدتنا الإسلامية. مجتمعنا السعودي على ثرى بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين مر عبر تاريخه بسيرة عطرة تُكتب بماء الذهب، في مقدمتها الشكر لله الكريم على لم الشمل وعلى الأمن والأمان، والتضحيات من الآباء والأجداد والصبر والتفاني والطموح والتعاون والولاء والقدوة الحسنة حتى أصبحت بلادنا بفضل الله تعالى بهجة الدنيا وزينتها، ولها تأثيرها وحضورها القوي في العالم. «علة المجاهرة بالإسراف» تحتاج إلى وقفة جادة من شيوخ القبائل، التعليم، خطباء المساجد، المثقفين والكتاب، وسائل الإعلام، مواقع التواصل، لمكافحتها وكشف أبعادها السلبية على الفرد والمجتمع. وأرى أن ذاك يتطلب قيام الجامعات بالتعاون مع التنمية البشرية لإعداد دراسات سريعة وموثقة عن هذه «العلة» الطارئة المقيتة، ومن ثم الخروج بتوصيات بما تراه من إجراءات، تمنع تكرارها، وتحد من «المهايطين»، ومن ثم الرفع بها عاجلًا للجهات المسؤولة. وفي جانب آخر هناك في المجتمع «عِلة» الشخص المتكبر، الذي ينظر إلى الآخرين بعين الاحتقار، والازدراء، لا يعترف بقدرهم، ولا يُحسن منزلتهم. والمتكبر تعرفه بين الجموع، يدعي معرفة كل شيء، ولا يعجبه الحديث عن المميزين والناجحين، تنهشه الغيرة، وتتلبسه الحماقة، سريع الانفعال، يجتر من الماضي أعمالاً قام بها، وكأنه وحيد زمانه، ويتخذ من مواقع التواصل ساحة لكتاباته وآرائه الخالية من المحتوى والمضمون. لا يترك مناسبة إلا وهو في أول الصف حتى لو لم توجه له الدعوة، وإن حضر تتجسد في ملامحه ظلام الانتقاد، وعدم الارتياح، يتصارع مع نفسه من الداخل، ويتصيد الأخطاء البسيطة، ولا يهتم بما سمعه من احاديث مفيدة ومتفائلة، وما شاهده من حُسن تنظيم ونجاح. المتكبر يحمل سلوكًا مشينًا يتجسد في مسابقتة كبار السن من أصدقائه وجيرانه ومجتمعه في أماكنهم في المجالس وعلى الموائد في المناسبات، ونسي أنه بفعله هذا يُعطي للآخرين صورة حقيقية عن شخصيته المهزوزة، والنقص الذي يعتريه. ذلك المتكبر ألم يقرأ كتب التاريخ أو يسمع أو يشاهد عظماء أمتنا، وقادتنا، ورموزنا الوطنية، والآباء والأجداد الذين ضربوا وما زالوا أروع الأمثلة في التواضع وحُسن الأخلاق. وأعتقد أن «الحسن البصري» رحمه الله كان يقصد «المتكبرين المسرفين» حين قال: «مسكين يا بني آدم محتوم الأجل، مكتوم الأمل، مستور العلل، يتكلم بلحم، وينظر بشحم، ويسمع بعظم، أسير جوعه، وصريع شبعه، تؤذيه الحشرة، وتنتنه العرقة، وتقتله الشرقة، لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا». ليت كل متكبر يعمل على تغيير أفكاره التي تقوده إلى مزالق الهلاك، يقول المفكر الصيني «لاتسو»: راقب أفكارك فإنها ستُصبح أفعالًا، وراقب أفعالك فإنها ستُصبح عادات، وراقب عاداتك فإنها ستصبح أطباعًا، وأطباعك هي التي تحدد مصير حياتك.