في أزمنة القلق وكثرة التحديات، قد نتساءل: ما الذي يُبقينا واقفين وسط العواصف؟ هل هي القوة الجسدية وحدها، أم المال، أم المعرفة؟ الجواب أعمق مما نتصور: إنها الكلمة الطيبة، التشجيع الصادق، النظرة التي تقول "أنت قادر" حتى قبل أن نثبت ذلك لأنفسنا. وعندما تزدحم الأخبار السيئة وتتنافس الضغوط على إنهاكنا، نحتاج جميعاً إلى جرعات من الكلمات المفعمة بالحياة التي تُحيي القلوب وتنعش الأرواح، كما ينعش الفيتامين الجسد المتعب. الحياة ليست مسرحاً مفروشاً بالورود، بل طريقاً مليئاً بالمطبات والحجارة، نتعثر، نتألم، ثم ننهض من جديد، قد يفقد المرء عمله فجأة أو يمرض أو يخسر أحباباً، أو يواجه خيانة أو يشعر بالعجز أمام واقع قاس، لكن هذه المحن والمصاعب ليست علامة فشل، بل هي جزء من النسيج الطبيعي للحياة. الفرق بين من ينهار ومن يصمد غالباً ليست الظروف نفسها، بل كيف يواجهها، ومن يقف بجانبه. التحدي الحقيقي ليس في تجنّب المشاكل، بل في تدريب النفس على مواجهتها. المرء يحتاج أن يحجز نفسه، لا في غرفة مغلقة هروباً، بل في ساحة المواجهة، مسلحاً بالصبر والإيمان، كما أن الرياضي لا يقوى على حمل الأثقال فجأة، بل يتدرب يوماً بعد يوم، كذلك النفس البشرية تحتاج إلى أن تتدرب على الصمود، وهنا يأتي دور التشجيع: كل كلمة إيجابية، كل نظرة حب هي دعم، كل كلمة "الله حيو" تُقال بصدق هي بمثابة ثقل يرفع قدرتنا على الاحتمال. كم من طالب كان على وشك ترك دراسته، فسمع من معلمه "أنا أؤمن بقدرتك"، فاشتعل الطموح في قلبه. كم عامل بسيط سمع من مديره "أنت عنصر أساسي في فريقنا"، فانقلب إحساسه بنفسه رأساً على عقب وبدأ يعطي أكثر. في المقابل، كم من كلمة جارحة دفعت إنساناً إلى هاوية اليأس؟ كم من طفل سمِع "أنت غبي" فعاش عمره يحارب ظل هذه الجملة؟ إنها ليست مجرد حروف، بل طاقة قد ترفع أو تحطم. حين ترى شخصاً يكافح من السهل أن تلتقط أخطاءه، لكن الأصعب والأجمل أن تمنحه دفعة للأمام، قل له: "الله حيو" حين يخطو أول خطوة. "أحسنت" حين يحاول. "أنا واثق بك" حين يتردد. استبدال عبارة "أنت فاشل" بكلمة تشجيع لا يجمل الواقع فحسب، بل يغيره. وكما يحتاج الجسد إلى دواء، تحتاج النفس إلى كلمات تعالج جراحها الخفية، ويؤكد علم النفس الحديث أن الدعم المعنوي لا يقل أهمية عن العلاج الدوائي في حالات كثيرة، خصوصاً في تجاوز الأزمات، فالأطباء والقادة وحتى الأصدقاء، هم أحياناً مثل أطباء القلوب، قادرون على منح "وصفة" من الكلمات التي تفتح الأبواب المغلقة أمام الروح. في كل شارع، في كل بيت، هناك قصة لشخص توقف عن الانحدار لأن أحدهم قال له: "أنا أرى فيك خيراً". إنسان كان غارقًا في الإدمان، فسمع كلمة دعم صادقة، فانطلق في رحلة التعافي. آخر كان مهملًا، فوجد معلمًا أو زميلًا يؤمن بقدراته، فانقلب إلى نموذج للجد والاجتهاد. القصة ليست سحرًا، بل استثارة لما هو موجود في الداخل؛ فالكلمة الطيبة لا تخلق القدرات من العدم، لكنها تزيح الغبار عنها. ولا بد من تعويد اللسان على التشجيع حتى للأشخاص الذين تراهم ناجحين؛ فالنجاح لا يعني أنهم لا يحتاجون الدعم، واستبدال النقد الجارح بالنقد البنّاء، وإدراج برامج للتشجيع والاعتراف بالجهود، ربما كلمة دعم بسيطة منك في رسالة قصيرة قد تصنع فارقًا هائلًا. غذاء الأرواح في زمن المحن ليس دواءً يُباع في الصيدليات، بل كنز مجاني في أفواهنا، هو غذاء للروح، وجرعة من الأمل، وسلاح في وجه اليأس، وفي عالم يزداد قسوة، ربما تكون الكلمة الطيبة هي آخر ما يجعلنا بشرًا بحق؛ لأننا لا نعرف أي روح متعبة قد نعيد إليها الحياة بابتسامة أو عبارة صادقة.