بلغ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأربعين من عمره. في يوم 31 أغسطس 2025، أربعون عامًا ليست مجرد رقم في دفتر الأيام، بل محطة فارقة تختصر مسيرة استثنائية لرجل حمل على كتفيه مشروع أمة، واختار أن يقود التحول في أصعب المنعطفات التاريخية. نحن أمام قائد لم ينتظر أن يطرق عقده الخامس ليُعرّف التاريخ به، بل قرر أن يدخل مبكرًا دائرة الإنجاز والتأثير، ويحوّل الطموحات الكبرى إلى واقع حي يعيشه كل مواطن. منذ توليه ولاية العهد في يونيو 2017، بدت السعودية وكأنها تفتح صفحة جديدة من تاريخها. لم يكن الحدث مجرد انتقال تقليدي للسلطة، بل لحظة انعطاف كبرى حملت معها شخصية شابة برؤية واضحة وصوت جريء، أعلن أن بلاده مقبلة على عصر مختلف. ومنذ ذلك اليوم، ارتبط اسمه برؤية 2030 التي لم تعد وثيقة حكومية جامدة، بل مشروع وطني شامل يترجم إرادة الدولة وطموحات المجتمع. وفي أقل من عقد، تغيّر المشهد السعودي بملامح واضحة اقتصاد يتنوع بعيدًا عن الاعتماد على النفط، استثمارات عابرة للقارات، ومشروعات كبرى مثل «نيوم»و«البحر الأحمر» و«السعودية الخضراء». كما شهد المجتمع تحولات جذرية مع تمكين المرأة، وتعزيز دور القطاع الخاص، وإطلاق قطاعات جديدة في السياحة والترفيه والرياضة. وقد أكدت تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن السعودية باتت في صدارة الاقتصادات الأسرع نموًا في مجموعة العشرين، وهو تحول لم يكن في الحسبان قبل سنوات قليلة. ولم يقف التغيير عند الاقتصاد؛ فقد تبدّل المشهد الاجتماعي والثقافي على نحو غير مسبوق. الرياضوجدة والدرعية تحولت إلى منصات للأحداث العالمية، والبلاد التي كانت معروفة بانغلاقها النسبي فتحت أبوابها للعالم عبر التأشيرات السياحية والفعاليات الكبرى. وفي خطاب لافت عام 2018، قال ولي العهد: «لن نضيع ثلاثين سنة أخرى من حياتنا في التعامل معأفكار متطرفة، سندمرها اليوم وفورًا». كان ذلك الإعلان علامة فاصلة أرست قاعدة جديدة لمجتمع أكثر اعتدالًا وانفتاحًا. الأربعون التي بلغها ولي العهد هي سن النضج عند القادة، لكنها بالنسبة له محطة تثبيت لا انطلاق. مشروعات بحجم «نيوم»، ومبادرات بحجم «السعودية الخضراء»، وقرارات بحجم إصلاح سوق العمل، تعكس إرادة قائد يعرف بدقة ما يريد، ويربط حاضر جيله بمستقبل وطنه. فالمسيرة لم تعد مشروعًا شخصيًا، بل قضية وطنية كبرى يعيشها السعوديون يومًا بيوم. ومع كل ذلك، لا تخلو المسيرة من تحديات وضجيج؛ فالتغيير العميق لا يأتي بلا مقاومة، والسرعة التي تُدار بها المشاريع قد تطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات عملية. غير أن ما يميز ولي العهد، وهو يدخل عقده الخامس، أنه لا يتوقف عند منتصف الطريق، بل يواصل الرهان على المستقبل وبناء دولة حديثة تجمع بين أصالتها التاريخية وريادتها العصرية. بلوغ الأمير محمد بن سلمان الأربعين ليس مجرد خبر عن عمره، بل مناسبة وطنية للتوقف أمام تجربة سياسية واجتماعية واقتصادية استثنائية. لقد أصبح رمزًا للطموح الوطني، وتجسيدًا لحلم السعوديين بنهضة تتجاوز حدود الممكن. وفي هذه اللحظة، لا يقتصر السؤال على ما تحقق، بل يمتد إلى المستقبل: إذا كان عقد واحد كافيًا ليغيّر وجه السعودية بهذا العمق، فكيف سيكون المشهد حين يدخل عقده الخامس، ومعه تدخل السعودية مرحلة ما بعد 2030؟