تواجه الولاياتالمتحدة جملة من التحديات المتنامية من الصينوروسيا، أبرزها سعي بكين لترسيخ نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي في آسيا وخارجها، ومحاولة موسكو كسر عزلتها الدولية عبر بناء تحالفات جديدة. وهذه الديناميكيات تتجلى بوضوح في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، المنعقدة في مدينة تيانجين الصينية، حيث تسعى القوى المنافسة لواشنطن إلى طرح بدائل للنظام العالمي القائم على الهيمنة الغربية. توازن جديد على مدى يومين، جمعت القمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وزعماء ثماني دول أخرى، في مشهد يبرز صعود تكتل سياسي واقتصادي وأمني يهدف إلى صياغة توازن عالمي جديد. وعلى الرغم من أن المنظمة توسعت إلى عشر دول منذ تأسيسها عام 2001، لا تزال غامضة في أهدافها ومحدودة في إنجازاتها، لكنها باتت تُقدَّم بوصفها «المنصة الأخطر التي لم يسمع بها كثيرون». تعزيز النفوذ ولدت المنظمة في الأصل لتعزيز النفوذ الصيني بآسيا الوسطى، وتوفير مظلة لروسيا لحماية مصالحها في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة. غير أن العقوبات الغربية على موسكو أضعفت مكانتها الاقتصادية، ما سمح لبكين بدفع المنظمة نحو مشاريع التجارة والبنى التحتية. أما الأنشطة العسكرية المشتركة فظلت محدودة الطابع، على الرغم من كثرة المناورات الرمزية. وجدد انضمام أعضاء غيّر التوازنات الداخلية؛ إذ التحقت باكستانوالهند عام 2017، ثم إيران في 2023، وبيلاروسيا في 2024. وعلى الرغم من أن هذه التوسعات عززت ثقل المنظمة، فإنها زادت من تناقضاتها. فالهند، مثلًا، تعتمد على روسيا في الطاقة لكنها تبقى حذرة من الصين، ولا تصطف كليًا مع الموقفين الروسي أو الصيني في ملفات مثل أوكرانيا وتايوان. وامتنعت أخيرًا عن التوقيع على بيان مشترك تجاهل الإشارة إلى هجوم في كشمير، ما كشف حساسياتها تجاه باكستان. منصة دعائية تستغل الصين القمة كمنصة دعائية، حيث وصفتها وكالة «شينخوا» بأنها «أكبر قمة في تاريخ المنظمة»، مؤكدة أنها ترسم «خريطة طريق العقد المقبل». وتروج بكين لما تسميه «روح شنجهاي»، القائمة على التعاون المتبادل واحترام الحضارات، لكنها توظف هذه الخطابات لترسيخ صورة الرئيس شي جين بينغ كقائد لنظام عالمي متعدد الأقطاب في مواجهة الهيمنة الأمريكية. مع ذلك، تبقى الأسئلة الأساسية دون إجابة: هل يمكن للمنظمة أن تتحول من مجرد منتدى حواري إلى آلية تعاون فعلي ذات تأثير عالمي؟ وهل تستطيع تجاوز تناقضاتها الداخلية، من العداء الهندي-الباكستاني إلى التنافس الصيني-الهندي؟ القمة تنعقد في توقيت حساس، قبل أيام من عرض عسكري ضخم في بكين، لإحياء الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، ما يمنح الصين فرصة لإظهار قوتها الناعمة والصلبة في آن واحد. وفي المقابل، تنظر واشنطن بقلق إلى هذا التكتل المتنامي الذي يطرح نفسه كبديل محتمل لتحالفاتها التقليدية في آسيا. منظمة شنجهاي للتعاون توسعت إلى عشرة أعضاء مع انضمام إيرانوبيلاروسيا أخيرًا. الصين تستخدمها كأداة لإبراز نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي، بينما تحاول روسيا الحفاظ على دورها على الرغم من العقوبات. الهند تمثل حالة توازن معقّد بين تعاون اقتصادي مع روسياوالصين وتحالفات إستراتيجية مع الغرب. غموض الأهداف وتناقض المصالح يثيران الشكوك حول قدرة المنظمة على تجاوز كونها منتدى حواريا. القمة تمثل منصة لبكين لتعزيز صورة شي جين بينغ كزعيم للتعددية القطبية في مواجهة واشنطن.