بين صخور جبال الصهاليل الوعرة شرق محافظة هروب في منطقة جازان، حيث يخيَّل للعابر أن الحياة لا تنبت فيها سوى شجيرات متفرقة متشبثة بالجرف، وُلدت قصة إنسانية تستحق أن تُروى. هناك، صنع المزارع أحمد محمد الصهلولي معادلة مختلفة مع المكان؛ فقد غرس حلمه في قلب الصخور، وسقاه بشغفه وصبره، ليحصد في النهاية بنًا فاخراً يحكي أن الإنسان حين يحب أرضه ويصبر عليها، تكشف له عن أجمل عطاياها. البدايات الصعبة في منخفض «الضيعة» بقرية الجزعة، حمل الصهلولي أول تحدٍ حقيقي في مسيرته. 600 شتلة بن كانت البداية، بدت كحلم صغير يواجه تضاريس قاسية. لم يصدق كثيرون نجاح الفكرة، بل راحوا يتساءلون: «كيف سينجح البن في أرض لم تعرفه من قبل؟». لكن الرجل لم يلتفت، وظل متمسكًا بقناعته أن «المعجزات تبدأ من حيث يراها الآخرون مستحيلة». بالنسبة له، كل شتلة لم تكن مجرد غرس، بل رمز لحلم قديم ينهض من جديد، وأمل يزرع في الأرض وفي نفسه معًا. رحلة الماء أصعب العقبات كانت شح المياه. الجبل صخري والشمس حارقة، لكن إيمان الصهلولي بجدوى حلمه لم يتراجع. بدأ رحلة بحث صبورة عن ينابيع تختبئ بين الصخور، حتى عثر عليها. حينها لم يرَ مجرد قطرات متساقطة، بل حياة كاملة. اعتبر كل قطرة وعدًا لأشجاره، وجعل من كل ساقية صغيرة جسرًا يصل بين عطش الشتلات وحلم الحصاد. ويصف تجربته قائلاً: «تعاملت مع الماء كأنه كنز، لا أسقي به شجرة فقط، بل أسقي به مستقبلاً أردت له أن يزدهر». أسرار الطبيعة الطبيعة بدورها لم تخذله. فالمناخ المعتدل في منخفض الضيعة وفر للأشجار بيئة مناسبة، فيما منحتها ينابيع الصخور رطوبة فريدة جعلت حبوب البن تنضج بصفاء استثنائي. شيئًا فشيئًا، تحولت التجربة إلى علاقة خاصة بين المزارع وأرضه. الأشجار تنبض بروحه وتبادله الجهد بالثمر، حتى قال مبتسمًا: «كنت أشعر أن الأشجار تبادلني الحب، كلما تعبت معها منحتني ثمراً أجمل مما توقعت». يوم الحصاد مع حلول موسم الحصاد الأسبوع الماضي، عاش الصهلولي لحظة فارقة. بين يديه تلألأت حبات البن كالجواهر، تختزن في طياتها سنوات من الصبر والعرق والسهر. وقف بفخر وهو يردد: «الحمد لله، لم يذهب تعبي سدى، فكل حبة بن شهادة على صبري وصمودي». كان المشهد أشبه بميلاد جديد، ليس لمحصول فقط، بل لقصة كفاح ستظل تُحكى. قصة حلم قصة أحمد الصهلولي تتجاوز حدود الزراعة، فهي ملحمة إنسانية عن الإصرار. إنها رسالة تؤكد أن من يهب حلمه الصبر والعزيمة، يحصد من أرضه ما يفوق التوقع. من بين الصخور القاسية خرج البن، ومن بين اليأس بزغ الأمل، ومن قلب القسوة ولدت أجمل الحكايات. ويختم الصهلولي برسالة مؤثرة لكل من يسعى خلف حلمه: «لا تخف من صعوبة الطريق، فحتى الصخور قد تتحول يوماً إلى جذور تثبت حلمك». •المزارع: أحمد محمد الصهلولي •الموقع: منخفض الضيعة، جبال الصهاليل – محافظة هروب •البداية: 600 شتلة بن •التحدي: شح المياه وصعوبة التضاريس •الحل: الاستفادة من ينابيع صخرية طبيعية •النتيجة: إنتاج بن فاخر بجودة عالية