كانت جدتي رحمها الله تسرد لنا الكثير من الحكايات، وكانت تستخدم مهارات متعددة في سردها، مهارة التشويق، مهارة تصوير الأماكن والشخصيات وتسلسل الأحداث، وكانت الحبكة الدرامية هي أجمل فصول تلك الحكايات، إذ كانت تشكل ذروة التشويق لدينا، حالها كحال بقية الجدات في سرد قصص ما قبل النوم لأحفادها. تلك الحكايات والروايات رغم نبل أهدافها وبساطة طرحها الذي يختلف من جدة إلى جدة إلا أنها كانت تشكل لدينا وعيًا ما أو تصورًا ما، يسترجع من الذاكرة فور حدوث موقف مشابه نصادفه في حياتنا. هذه المقدمة في -اعتقادي- تحكي مفهوم السردية بشكل مبسط جدًا في الماضي، أما في زمننا الحالي فقد أصبحت الجدات هي وسائل التواصل الاجتماعي، والبرامج الوثائقية، والبرودكاست والمنصات الإعلامية وغيرها من وسائل الإعلام الرقمي الحديث، التي تختلف في طرحها كاختلاف طرح جداتنا (مع فارق التشبيه من حيث الهدف ومستوى النزاهة). هذه الوسائل تنتج محتويات جيدة في أغلبها ومع التكرار تصبح هذه المحتويات «سرديات» تشكّل تصوراتنا التي نعكسها على واقعنا.