عندما تتحول كرة القدم إلى رسالة وطنية، وتغدو الأندية سفيرة لرؤية عظيمة تنشد المجد وتخاطب العالم، يكون الحدث بحجم الهلال في المونديال. ففي تلك اللحظة، خطف الهلال أنظار العالم، ودوّن بأقدام لاعبيه واحدة من أبهى الملاحم الرياضية التي ستظل خالدة في سجل التاريخ، شاهدة على وطن يصنع التأثير، ويؤمن بأن الرياضة بابٌ للقوة الناعمة ومجالٌ لرسائل الكبار. سجل الهلال حضورا يليق باسم المملكة. وقدّم لاعبوه خلال مشاركتهم في بطولة كأس العالم للأندية مستوى أكثر من رائع؛ ليؤكدوا للعالم كله أن المشروع الرياضي الذي تعيشه المملكة العربية السعودية يؤتي الآن ثماره، وأن المستقبل سيكون شاهدا على تحقيق الطموح الذي حدده أمير الشباب وعرّاب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله –، الذي يؤكد كل يوم أنه صاحب رؤية ثاقبة وبصيرة نافذة. عندما بدأ تطبيق المشروع الرياضي النذي يجسّد جزءا أساسيا من رؤية السعودية 2030، وبدأ استجلاب أشهر اللاعبين والمدربين على مستوى العالم، وبدأت الأندية في تغيير أساليبها الإدارية لتواكب أحدث الأنظمة الدولية، ورصدت مبالغ مالية كبيرة لهذا المشروع، تساءل كثيرون حول العالم –لا سيما في محيطنا العربي – عن جدوى ذلك كله واعتبروه نوعا من الترف. لكن ما قدمه الهلال في مشاركته الأخيرة أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المشروع الرياضي للمملكة أكبر من مجرد مشاركات رياضية، وأن الأموال التي دُفعت لاستقدام هذه الكوادر والقدرات البشرية لا تقارن بحجم العائدات والمكاسب والتي سوف تجنيها المملكة من ذلك المشروع الهام. فما أن انتهت مباراة الهلال ومانشستر سيتي بالفوز العريض الذي حققه الهلال والأداء الرجولي الذي قدمه لاعبوه، والتشجيع المتواصل والمساندة الجماهيرية التي وجدها لاعبوه من أبنائنا المبتعثين، وكثير من أبناء الجاليتين العربية والإسلامية في الولاياتالمتحدة، حتى تسابقت الصحف الغربية ووكالات الأنباء العالمية لتغطية الحدث، وأفردت له مساحات واسعة. كما شهدت محركات البحث على شبكة الإنترنت إقبالا واسعا من الجماهير الكروية في كل أنحاء العالم لمعرفة تفاصيل الحياة في بلادنا، وموقع الدوري السعودي ضمن الدوريات العالمية، إلى غير ذلك من التفاصيل العديدة التي دفعت كثيرا من الخبراء الاقتصاديين لتأكيد أن الشغف والاهتمام الذي حظيت به الرياضة السعودية والمكاسب التي حققتها المملكة خلال هذه الفترة الوجيزة تفوق قيمة المبالغ التي صرفتها على مشروعها الرياضي حتى الآن. لم تقتصر المكاسب التي تحققت على الجانب الرياضي فقط، فقد امتد بحث مستخدمي الإنترنت ليشمل جوانب الحياة في المملكة، والتعرف على إمكاناتها السياحية والفرص الاستثمارية المتاحة ونمط العيش، وغير ذلك مما يمكن وصفه حملة ترويجية غير مدفوعة. ومن أكثر ما لفت نظري وأثار الإعجاب أن الانتصارات التي حققها الهلال في هذا المحفل الرياضي العالمي المرموق وحّدت كل الأصوات خلفه، فقد عمت الفرحة الجميع، وتلاشت الخلافات الداخلية بين المشجعين وتراجعت حدة التعصب الرياضي، حيث أشاد كثيرون بما حققه الهلال واصطفوا جميعاً خلف المملكة وقوة مشروعها الرياضي. لذلك فإن ما حدث من اهتمام عالمي يمثّل تغطية إعلامية مجانية تفوق قيمتها التسويقية مئات الملايين من الدولارات؛ لأنها جاءت عفوية وبدون ترتيب مسبق، وكانت مرتبطة بتوجهات الرأي العام العالمي، وبذلك فرضت المملكة نفسها على الساحة الإعلامية بقوة وصنعت الحدث، وتركت للآخرين مهمة متابعته وتغطيته. وأكد الانتصار الكبير الذي حقّقه أبناؤنا أن بلادنا تمضي في طريقها بثبات، وتحقق الكثير من النتائج في صمت ودون ضوضاء، فجذب الانتصار الأضواء نحو دولة عظيمة تمضي نحو المستقبل بخطى واثقة، يقودها إلهام القيادة وحيوية الشعب، وإذا نظرنا سريعا للمكاسب غير الرياضية التي تحققها المملكة من مشروعها الرياضي الطموح سنجد أنها أكبر من أن تحصى أو تُعد. فاللاعبون الدوليون الذين استقطبهم البرنامج وانضموا للأندية السعودية هم من مشاهير المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ولهم متابعون بالملايين الذين يقتدون بهم ويزورون صفحاتهم وحساباتهم على تلك الوسائط بانتظام. لذلك فإن حديث هؤلاء اللاعبين عن المملكة ومصادر قوتها وعاداتها وتقاليدها وما وجدوه لدى شعبها من احترام وتقدير، وصورهم أثناء المباريات تجد متابعة مستمرة ومنتظمة من جمهور عريض في مختلف دول العالم. وإن كانت معظم دول العالم تبذل قصارى جهودها لتنمية مصادر قوتها الناعمة، فإن الرياضة تمثل أداة رئيسة في هذا المجال، فهي لم تعد مجرد منافسات على أرض الملعب فقط، إنما تحمل أبعادا كثيرة ومتنوعة في المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والإعلامية، والسياحية. كما تمتلك تأثيراً بالغاً في حياة مختلف شرائح المجتمعات المعاصرة، وما اكتسبته من حيوية وقوة تأثير على الرأي العام، حتى باتت أخبارها تغطي على ما دونها من أخبار. هذا النوع من الفهم المتقدم لم يكن موجودا قبل إقرار رؤية المملكة 2030، التي كسرت حاجز المألوف، وجاءت بأفكار عصرية مستحدثة، وفتحت آفاقا واسعة، وركزت على زيادة التواصل مع الآخرين، وعملت على تفعيل ما يعرف ب«القوة الناعمة» التي هي أقصر الطرق للوصول إلى قلوب الآخرين وأقلها تكلفة. لذلك فإن النجاحات التي حققها الهلال من خلال مشاركته الأخيرة في كأس العالم للأندية ستكون – بإذن الله – مقدمة لنجاحات أخرى، بعد أن قدمت للآخرين صورة مشرقة عن الدوري والرياضة السعودية ككل، وستُسهم هذه النجاحات في جذب مزيد من النجوم العالميين للانضمام إلى دوري روشن، الذي يتوقع كثير من المختصين أن يتحول خلال السنوات المقبلة إلى أحد أقوى الدوريات على مستوى العالم، ليصبح محطة رئيسة لمشاهير كرة القدم، تمامًا كما أصبحت المملكة اليوم قبلة جاذبة للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم.