عندما مرضت الدجاجة، طيبة القلب، وأصيبت برشح وارتفاع في درجة الحرارة، ما يعني إصابتها ب«إنفلونزا» الطيور، قامت الدنيا ولم تقعد، فالدجاجة ليست كغيرها من الطيور، هي شخصية مهمة يضرب لحالتها الصحية ألف حساب. الدجاجة اليوم سلعة ضرورية دخلت الاقتصاد من أوسع الأبواب وتنهض على أكتافها صناعات متعددة، وتعد مصدر دخل رئيس لبعض الدول وجزءًا من الأمن الغذائي لكثير من شعوب العالم. الدجاجة لاعب مهم في حركة الاقتصاد الدولي، ما يؤهلها لامتلاك صفة قومية، كأن تكون دجاجة فرنسية أو دجاجة أمريكية أو تايلاندية أو برازيلية، بمعنى أن هجرتها حول القارات قد ترضخ لاعتبارات اقتصادية وسياسية ذات أبعاد عرقية وثقافية تعيق حرية تنقلها. الدجاجة اليوم لا يملكها الناس البسطاء بل شركات متعددة الجنسيات، رجال أعمال نافذون، قد يستغلون مرضها العرضي كذريعة لحظر استيراد الدجاج من دول منافسة، أو فرض قيود تجارية عليها. الأزمات الصحية التي تتعرض لها الدجاجة قد تستغل في المنافسات التجارية، أو توظف في عمليات الحمائية الاقتصادية، لحماية الإنتاج المحلي من غزو السلع الأجنبية. فهذا الكائن اللطيف قد يستخدم أداة ضغط اقتصادية لكنه يغلف بغطاء «الوقاية الصحية»، فهناك مصالح سياسية واقتصادية تتحرك في ظل الأزمات التي تمر بالدجاجة. المجتمعات الحديثة تتصف بالتعقيد وتعدد الأبعاد وتداخل الثقافات والمصالح، والدجاجة – لا شك – كانت ضحية لتعقيدات المجتمعات الحديثة. فهي الكائن الأكثر بؤسًا في ظل عولمة التجارة، ودفعت ثمنًا غاليًا نتيجة التنافس العالمي على تصدير لحوم الدجاج، وفي أزمة إنفلونزا الطيور كانت الدجاجة هي المستهدف الأساسي، وكل التضخيم الإعلامي للأزمة يقصد به استهدافها من بين سائر الطيور. إما لفرض قيود استيراد أو تبرير الإعدام الجماعي للدجاج لمنع انتشار الفيروس. ففي بعض الدول كانت الدجاجات – المريضة أو المشتبه بها – تعدم جماعيًا إما عن طريق الحرق أو الصعق أو الدفن حية في مقابر جماعية بطريقة غاية في القسوة، وبممارسات غير إنسانية لا تراعي الرفق بالحيوان، وذهب ضحيتها ملايين الدجاجات البريئات في مصر والهند وتايلند وفيتنام، فالدجاجة تستحق أن تعامل برأفة حتى وإن كانت مصابة. وكما نعلم أن الدجاجة التايلندية تعد منافسًا للدجاجة الفرنسية والدجاجة الهولندية، والاتحاد الأوروبي يصنف من بين أكبر منتجي الدواجن في العالم، وأي استيراد رخيص من دول مثل مصر وتايلند وفيتنام يمثل منافسة مباشرة للدجاجة الأوروبية ذات المعايير والاشتراطات المعقدة، لذلك يستخدم الحظر الصحي وقيود الاستيراد ذريعة مشروعة للحفاظ على الصحة العامة. تعامل الاتحاد الأوروبي مع دجاجات الدول النامية بصورة غير عادلة وبازدواجية واضحة، فالمعايير والبروتوكولات الصحية قد توظف كأداة هيمنة ناعمة. فوصول الدجاجة الآسيوية للسوق الأوروبية لا يتم بصورة سلسة، بل يمر بسلسلة معقدة من الإجراءات والمتطلبات، والغرض – بلا شك – هو حماية الدجاجة الأوروبية من المنافسة السعرية.