على الرغم من الحضور الإعلامي المتزايد للمحللين السياسيين السعوديين في مختلف القنوات الإخبارية والمنصات الرقمية، فإن مشاركاتهم غالبًا ما تظل حبيسة الإطار الإقليمي، مركزةً على شؤون الشرق الأوسط، خاصة ما يتعلق بالخليج العربي، واليمن، وفلسطين، وإيران. يطرح هذا التوجه تساؤلًا مهمًا: لماذا لا يمتد تحليل هؤلاء المحللين إلى القضايا الدولية الكبرى أسوةً بنظرائهم من الدول الأخرى؟ فالواضح أن هناك قصورا مزدوجا من المحللين ووسائل الإعلام. أما من ناحية تقصير المحللين أنفسهم فيكمن بسبب ضعف التخصص في الشؤون الدولية، فكثير من المحللين يفتقرون إلى الخلفية الأكاديمية أو المهنية التي تمكّنهم من الإلمام العميق بالسياسات الدولية، أو المتغيرات في مراكز القوى العالمية، بالإضافة إلى التركيز على المحلي والإقليمي، إذ يفضّل العديد من المحللين التحدث في قضايا يفهمها الجمهور السعودي والعربي بسهولة، لتجنّب الإغراق في تفاصيل دولية قد لا تجد رواجًا واسعًا. كما أن اللغة والخطاب من العناصر المهمة التي تجعل بعض التحليلات السياسية الدولية تتطلب القدرة على التعامل مع مصادر أجنبية وتحليلات غربية، وهو ما لا يتقنه الجميع بالكفاءة نفسها. أما من جهة تقصير وسائل الإعلام، فغياب التوجيه التحريري نحو التدويل أدى إلى توجه ونهج كثير من القنوات والصحف السعودية والعربية نحو تغطية الملفات الإقليمية الساخنة على حساب الأحداث الدولية، ما يقلل من فرص المحللين للظهور في هذا السياق. كذلك عدم صناعة «نجم سياسي دولي»، حيث إن الإعلام العربي بشكل عام لا يعمل بشكل منظم على صناعة محللين ذوي حضور دولي، كما تفعل وسائل الإعلام الغربية التي تُبرز أسماء خبيرة في الشأن الصيني أو الروسي أو الأمريكي. بشكل عام من المهم أن يتوسع التحليل السعودي نحو القضايا الدولية، لرفع مكانة الخطاب السعودي عالميًا، فالمملكة اليوم لاعب دولي في ملفات الطاقة، والاقتصاد، والوساطة السياسية، والذكاء الاصطناعي. ويجب أن يترافق هذا الدور مع نخبة تحليلية قادرة على تفسير مواقف المملكة للعالم، والتعليق على القضايا الدولية من منظور سعودي بشكل عميق لا بشكل سطحي، وكذلك لمخاطبة الجمهور دوليا، فالإعلام ليس فقط وسيلة توجيه داخلي، بل أداة تأثير خارجي، ما يتطلب وجود محللين قادرين على الظهور في القنوات الدولية، والتحدث بلغة المصالح والعلاقات الدولية، بالإضافة لتأهيل جيل جديد من الباحثين والمتخصصين، فالتنوع في التحليل السياسي سيخلق مناخًا معرفيًا، يسهم في تقديم محللين شباب يفكرون بعقل عالمي، وليس فقط من منظور جغرافي ضيق. التحليل السياسي السعودي بحاجة إلى أن يتحرر من الإطار الجغرافي الضيق، وأن ينطلق نحو الفضاء الدولي بثقة واحتراف. هذا يتطلب جهدًا مشتركًا من الإعلاميين، والمؤسسات الأكاديمية، والمحللين أنفسهم، فالعالم لا ينظر فقط إلى ما يحدث في الشرق الأوسط، بل إلى دور المملكة في تشكيل هذا العالم أيضًا.