فتح الإقبال الشديد على "العود" الخشب في الأسواق الخليجية، وهو واحد من أكثر المنتجات رواجًا في هذه الأسواق، لما يحمله من عبق تراثي وروائح عطرية فاخرة تجذب الذوق العربي، الباب واسعا أمام الغش التجاري، والممارسات غير النزيهة، التي باتت تهدد ثقة المستهلك وتشوّه سمعة تجارة العود الأصيلة. وأوضح عبد القادر سلامة، وهو تاجر للعود أنه في كثير من المحلات والأسواق، يُروَّج لعود خشبي على أنه "كمبودي أصلي" أو "هندي فاخر"، وهما من أكثر الأنواع جذبا للمستهلكين، بينما في الحقيقة يكون هذا العود الذي يتم الترويج له تحت هذين المسميين مغشوشًا، إما لخلطه بمواد كيميائية لتعزيز الرائحة، أو بصبغه وتلميعه ليبدو كعود طبيعي فاخر. وأضاف "يستخدم بعض الباعة "بودرة العود" أو بقايا العود المطحون ويخلطونه بمادة لاصقة على شكل عيدان، ثم يُباع بسعر مرتفع، وكأنه عود خام طبيعي، وما يزيد من صعوبة كشف الغش أن العود المغشوش غالبًا ما يُعطي رائحة قوية عند أول استخدام، مما يخدع الزبائن، ويمنحهم انطباعًا زائفًا بالجودة. لكن سرعان ما تتلاشى الرائحة أو تتحول إلى رائحة كيميائية مزعجة مع كثرة الاستخدام". مراحل طويلة يؤكد كمال القحطاني، وهو تاجر للعود في منطقة البلد في جدة، أن "العود الطبيعي يمر بمراحل طويلة من التجفيف والتخمير والاستخراج، ما يجعل سعره مرتفعًا. بينما العود المغشوش يُنتج بسرعة وبكميات ضخمة، ويُباع على أنه فاخر لجني أرباح مضاعفة من خلال الخداع. كما أن بعض الجهات تسوّق لمنتجات عبر الإنترنت دون وجود رقابة حقيقية على جودة المنتج أو أصله". وطالب الجهات الرقابية بتكثيف الجهود لمكافحة هذا النوع من الغش، من خلال فرض عقوبات صارمة، ومراقبة الأسواق، وتوعية المستهلك بطرق التمييز بين العود الأصلي والمغشوش. مطالبا كذلك بدعم التجار الموثوقين، وحماية سمعة الأسواق المحلية من التشويه الذي يُسببه الغشاشون. أوّل علامات الفخ يقول القحطاني إن "العود الأصلي لا يكذب، حيث تكون رائحته عميقة وثابتة، تبقى في الملابس والمكان لساعات، بينما العود المغشوش رائحته سطحية، وتختفي بسرعة بعد دقائق من الاحتراق". وعن أبرز أساليب الغش، أوضح "بيع أعواد مكسّرة أو مطلية بزيوت لإظهارها داكنة ولامعة، ما يوهم المستهلك بأنها من فئة "السوبر"، رغم أنها في الواقع مجرد خشب عادي أو بقايا تصنيع". وأضاف أن "الدخان يفضح المغشوش، فالدخان الناتج عن احتراق العود هو اختبار حاسم آخر، إذ إن العود الطبيعي يطلق دخانًا كثيفًا عطريًا لا يسبب حساسية، في حين أن المغشوش قد يُصدر دخانًا حارقًا أو خانقًا نتيجة وجود زيوت صناعية أو مواد مضافة". دخان أسود يروي ماجد البقمي تجربة غش تعرض لها عند شرائه العود، ويقول "اشتريت عود على أساس أنه كمبودي أصلي، وكان سعره مغريا جداً. وحين شغلته، طلع الدخان أسود، وله رائحة خانقة أقرب إلى رائحة البلاستيك. بعدها عرفت إن العود مضاف له زيوت صناعية تحترق وتسبب ضررا". أما أم جود، وهي سيدة خمسينية من جدة، فتروي تجربتها بمرارة "كنت أثق ببائع أعرفه من سنوات. لكن لما بدأت الريحة تختفي بسرعة وألاحظ حرق في الأنف، اكتشفت إن العود الذي يبيعه مخلوط ومغشوش، وحين واجهته، بدأ يبرر ويتنصل". وتكمل "الضرر لم يتوقف عند تواضع جودة العود فحسب، بل وصل في بعض الحالات إلى مشاكل صحية". تلميع بالزيت يشير بعض المتخصصين إلى وجود أنواع من العود يتم تلميعها بدهانات زيتية، أو حقنها بروائح مؤقتة تخدع المشتري. كما يتم أحياناً خلط العود الطبيعي بنسبة ضئيلة مع خشب صناعي أو غير عطري، وتغليفه على أنه دبل سوبر. وأوضحوا أن اللافت أن كثيراً من هذه الحالات حدثت في أسواق شعبية أو عبر متاجر إلكترونية غير مرخصة، ما يدق ناقوس الخطر حول ضعف الرقابة وسهولة ترويج المنتجات المغشوشة، رغم ارتفاع أسعارها. المعرفة والخبرة يقول مستهلكون إن أهم وسائل الوقاية هي المعرفة والخبرة، أو الشراء من محلات موثوقة ومعتمدة. مطالبين الجهات الرقابية بمزيد من الجولات التفتيشية وإجراءات رادعة تجاه من يعبثون برمز عطري ارتبط بشكل وثيق بالخليج وأهله. ووسط غياب الرقابة الصارمة، تتزايد الدعوات من المستهلكين بضرورة تكثيف الجولات الرقابية على محال بيع العود، وتشديد العقوبات على المتورطين في الغش. كما طالب كثيرون بتفعيل التوعية للمستهلكين، خصوصًا في المواسم التي يزداد فيها الطلب على العود مثل رمضان والأعياد. ويبقى الوعي هو السلاح الأول للمستهلك، فاختيار العود لا يجب أن يكون بناءً على السعر أو الرائحة الفورية، بل يحتاج إلى تجربة، وفهم، وثقة بالبائع. فكما يقال في عالم العود "ما كل ما يفوح.. عود".