تظنها لا تنفرج تضيق عليك الأرض بما رحبت وتغلق في وجهك كل الأبواب، وتعلو الأمواج حتى يخيل إليك ألا نجاة. «ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ» ثم في لحظة يأتي الفرج من حيث لا تحتسب وكأن العقدة ما كانت، وكأن الغم لم يمرّ بك قط، ذلك لأن الأمر كله بيد الله، لا يعجزه شيء، ولا يُثقل عليه دعاؤك، ولا يغيب عن سمعه أنينك «لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا». ألا ترى أن من بيده ملكوت السماوات والأرض هو من خلق السبع الشداد، ومهد الأرض وأمر الليل والنهار أن يتعاقبا بميزان، لا يختل. وجعل الشمس والقمر آيتين من آياته، كلٌّ يسير في فلكه بأمره، لا يسبق أحدهما الآخر؟ فهل يُعجزه أمرك، أو يصعب، عليه، رجاؤك. تأمل في قصة الغار، حين كان النبي، صلى الله عليه وسلم، وصاحبه في أشد لحظات الخوف، ومع ذلك طمأنه: «لا تحزن إن الله معنا». ما كان خوفًا، بل كان يقينًا وثقةً مطلقة بمن لا تخفى عليه خافية.. فأيّ سكينة نزلت، وأي مدد من جنود السماء حُفّت بهما، لم ترها العيون، ولكن رآها القلب وسكن. ويا أم موسى ألقيه في اليم فليس الغرق يُرعب من وعده الله بالحفظ.. أُلقي الطفل في موجٍ لا يرحم لكنه عاد إليها على وعد من رب كريم: «إنا رادوه إليك» فكان الرجوع بردًا وسلامًا وطمأنينة لا توصف. وهذا زكريا عليه السلام وقد شاب رأسه، ووهنت عظامه، دعا ربه نداءً خفيًا.. ما رفع صوته ولكن رفع، حاجته. فبشره الله بما لم يكن يتوقعه، بما تفيض، به، رحمته ويعجز عنه تقدير البشر. يا من ضاقت بك الحياة، وأثقل قلبك ما لا تبوح به، هل تعجز قدرة الله عن حمل ما أثقلك؟ أم تظن أن الله لا يسمع شكواك التي حبستها بين أضلاعك؟ بث لله شكواك واطلب منه -مهما ظننت الأمر مستحيلا- فهو عليه هين سبحانه، سلْ الجبال كيف نُصبت والسماء كيف، رُفعت، والأرض كيف بُسطت.. ثم سل قلبك: من الذي صنع هذا كله؟ أفلا يصنع بك لطفًا أعظم، ورحمة أوسع؟ تأمل: «فإن مع العسر يسرا» ليس بعد العسر، بل معه، ملازم له لا يفارقه، وعد من الله ومن أصدق من الله قيلا. اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد عدد رحماتك التي لا نحصيها، وفضلك الذي لا ندرك مداه، وقوتك التي غلبت حيلتنا، ولطفك الذي أدنى لنا حوائجنا بغير حول منا ولا قوة.