في السنوات الأخيرة، لاحظنا ظاهرة تجميع القطط داخل الأحياء السكنية، تحت ذرائع متعددة، أبرزها «الإحسان» و«الرحمة بالحيوان»، حتى تحوّلت بعض الزوايا العامة إلى ما يشبه مطاعم مفتوحة لهذه الحيوانات، وكأنها مشروع ضيافة دائم. ومن الأمثلة على ذلك، ما هو موجود في منطقة القصيم، من فتح بعض الأشخاص «مضيف» تجتمع فيه عشرات القطط، بل ربما بلغت المئات، وسارع بعض المشاهير وصنّاع المحتوى إلى توثيق هذه المشاهد والثناء على ما قاموا به. ورغم نُبل المقصد لدى البعض، فإن هذا السلوك يحمل أضرارًا بيئية وصحية جسيمة لا يمكن تجاهلها. تُعدّ القطط من الكائنات الطوّافة التي خُلقت لتعيش حرّة، تبحث عن رزقها في الطبيعة، وتؤدي دورًا بيئيًا مهمًا في مكافحة القوارض والحشرات. هذا الدور الطبيعي يتعطّل تمامًا عندما يُعاد توطين القطط بشكل غير مدروس في بيئات مغلقة أو نقاط تغذية جماعية، مما يُعمّق الاختلال في التوازن البيئي ويزيد من أعداد القطط بشكل يفوق قدرة البيئة الحضرية على الاستيعاب. وعلى الصعيد الصحي، فإن تجميع أعداد كبيرة من القطط في موقع واحد، سواء في الأحياء أو حتى داخل المنازل، يؤدي إلى تزايد احتمال انتشار الأمراض بين القطط نفسها، ومنها إلى البشر. وتشير دراسات علمية نُشرت في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية إلى أن دماء القطط التي تعيش داخل المنازل تحتوي على نسب مرتفعة من مثبطات اللهب، وهي مواد كيميائية تحتوي على البرومين، تنتقل إليها عبر غبار الإلكترونيات والأثاث المنزلي، وقد تسبب أمراضًا خطيرة. بقاء القطط داخل البيوت لا يعني بالضرورة أنها أكثر أمانًا، بل قد يكون العكس تمامًا، ما لم تتم مراعاة الضوابط الصحية والغذائية المناسبة. من منظور بيئي، تمثّل القطط جزءًا من السلسلة الغذائية، وتؤدي دورها في حماية المحاصيل والمساكن من الآفات. ولكن حين نتدخل بشكل غير مدروس في هذا النظام، سواء عن طريق إطعامها المفرط، أو احتضانها المبالغ فيه، أو منعها من التفاعل مع بيئتها، فإننا نُخل بتوازن بيئي مهم. وهنا، لا يُطلب من الناس أن يعاملوا القطط بإهمال أو قسوة، بل إن الرحمة بالحيوان مبدأ إسلامي وإنساني راسخ، ولكن الرحمة لا تعني العبث. فعن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض». الحديث واضح في دلالته: إن كانت القطط ستُحتجز، فيجب إطعامها، وإن تُركت، فلتُترك لتأكل من رزقها الذي جعله الله في الأرض. المبالغة في الإطعام الجماعي لا تحقق هذا المقصد، بل تخلق مشكلات مضاعفة. الحل يكمن في التوعية، واعتماد نهج متوازن يراعي الطبيعة البيئية للقطط، دون تجميعها أو التلاعب بقدرتها الفطرية على الترحال والبحث عن الغذاء. كما ينبغي على الجهات البيئية المعنية، بالتعاون مع البلديات، اتخاذ خطوات جادة للحد من مثل هذه المبادرات غير المسؤولة، التي تسهم في تفاقم مشكلة التكاثر العشوائي لهذه الحيوانات. وليَعلم المجتهدون في هذا الجانب أن البيئة ليست ساحة للتجارب العاطفية، بل نظام دقيق يتطلب وعيًا تامًا.