قبل حوالي الثمان سنوات كتبت عدة مقالات عن رئيس الولاياتالمتحدة دونالد ترمب كان خلاصتها: أن ترمب يطمح إلى تخليص أمريكا مما دخلت فيه أيام الرئيس جيمي كارتر ولم تخرج منه حتى الآن، وهو دخولها في قضايا لا حاجة بها إليها، وإنما تخسر بسببها أموالاً وجهوداً وهي لا تستفيد شيئا، فدخلت في صراع إثيوبيا والصومال، كما دخلت في قضية الصومال ثم صنعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وجميع ما نتج عنها من مشكلات ودخلت في أفغانستان وفي العراق، وقلما أن تجد مشكلة في الشرق الأوسط إلا وتجد الولاياتالمتحدة أحد الضالعين فيها، وفي كل ذلك مصروفات من الأموال تعادل ميزانيات دول مما أرهق الإدارات الأمريكية بالديون واحدة تلو الأخرى. فترمب يرغب في إزاحة هذا الشاغل عنه ويبدأ في عمل ما يجلب لأمريكا الأموال والاستثمارات ويعزز المجهود الصناعي والتجاري، وكل تصرفاته تقول ذلك، بل هو يصرح بهذا في كلمته الطويلة التي ألقاها في الرياض يوم الثلاثاء 15 ذو القعدة 1425 والتي كانت بحق شهادة انتصار للمملكة العربية السعودية في كثير من المجالات، أولها المجال الديني حيث عبر عن استيائه ممن كانوا قبله برغبتهم في فرض قيمهم على المملكة وإن كانت القيم السعودية تخالفها تماماً، وقال إنهم يلقون المحاضرات عليكم ليعلموكم ما تفعلون وهم في الحقيقة لا يعرفون ما يفعلون بأنفسهم، وقال: ليس التقدم هو ما صنعه أولئك لكم بل ما صنعتموه بأنفسكم حين تمسكتم بتقاليدكم. كما ذم الليبرالية بشكل شنيع وأضاف أنها لم تنجح أبداً في شيء كما قال: الليبراليون دمروا دول المنطقة؛ وهو لا يعني الليبراليين الذين نعنيهم هنا في السعودية، فكثير من هؤلاء عند ليبراليي الغرب يُعدُون من الغلاة، ولكنه يعني أولئك الذين لا يرون في بلادهم أيَّ قيمة للدين، وهم بالفعل من شاركوا في المحاولات الماضية لتخريب البلاد العربية، وبقيت العراق واليمن والسودان ما تزال تعاني من سوء ما خطط لها أولئك الليبراليون؛ لكننا نطلب من ليبراليينا في هذا الموقف العدول عن هذا اللقب ، والعدول عن هذه الطريقة بأسرها ، لأن مصيرها والحق يقال هو مصير الليبرالية الغربية . فهذه الكلمات وأمثالها على لسان زعيم أكبر دولة كانت تسعى لاهثة في فرض قيمها الليبرالية على جميع المجتمعات تُعد انتصاراً للدين، هذا إذا عرفنا أن معظم القيم السعودية التي يخالفها الفكر الأمريكي هي قيم إسلامية سواءً منها ما كان في السياسة وكان الأمريكان يحاربونها باسم الحرية، أو كان في المجتمع مثل كثير من قضايا المرأة وقضايا الرجل، والتي وجدنا وهذا مما يؤسِف بعض الرجال والنساء انصاعوا إليها، وبعضهم ظن أن هذا الانصياع سِمةُ العهد الجديد ، والحق أنهم يجب أن ينبهوا لما عرفه ترمب قبل أن يعرفوه ،وهو أنهم لم تصل بلادهم لما وصلت إليه إلا بالتمسك بالقيم الرشيدة التي بقيت هذه البلاد عليها، وسوف تبقي بإذن الله، فثناء ترمب على القيم لا ينبغي أن يذهب مع الريح، لا لأنه جديد؛ بل لأنه شهادة من رجل يمثل دولة كانت شديدة الإنكار علينا في قيمنا ، وأذكر في ذلك ما قاله الرئيس أوباما في إحدى خطبه في زيارته للمملكة، وما قالته كونداليسا رايس في خطابها لدينا وفي اجتماعها ببعض المثقفات أيضا. أو كان في الاقتصاد، فقيمنا الاقتصادية هي قيم إسلامية فمنع استيرادنا للسلع المحرمة شرعاً أمر نحن متميزون فيه، ومن الانتصار الذي حصَّلته السعودية بخطاب الرئيس ترمب النصرُ الإعلامي، ذلك أن إشادة الرئيس بجمال المملكة وتطورها في جميع المجالات، التكنولوجي والتقني والعمراني والسياحي والسياسي، وذلك في خطاب رسمي وليس خطاب مجاملات، كل ذلك يعد أعظم من أي دعاية تعملها المملكة لنفسها في العالم، موجها لجميع من له رغبة أو قدرة على السياحة، فإذا أُضيفت لما قدمناه من حديث الرئيس عن القيم فهي توصية بالتزامها لجميع السائحين. هذا وكذلك هي نصرٌ إعلامي لدى رؤساء جميع دول العالم، فليست المملكة دولة موز كما كان يقول وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، نعم، وصلت هذه المعلومة كما ينبغي أن تصل إلى جميع رؤساء العالم، وكلُ مشتغل بالسياسة سواءً أكان محباً أم كارها. كما أن الرئيس ذكر داعشاً وما عانت منه المنطقة جراء وجودها، ولم يذكر ما يُرَوِجه أعداء المملكة وأعداء منهجها السلفي من ارتباطها بالسعودية، وذلك أنه هو الذي كشف للعالم من أين جاءت داعش عبر البريد الذي فضحه، ومَنْ هو داعمهم الحقيقي؛ فكان ذلك إعلاناً من رأس الدولة الأمريكية عن براءتنا التي كانت وسائل الإعلام فيها تُرَوِّج لهذا المزعم الخبيث، وربما شارك هذه الوسائل أو انطلق منها مسؤولون في تلك الإدارات أيضا. ومن أوجه الانتصار أيضا: الانتصار العسكري، حيث كانت هذه الكلمة بمثابة الانتصار العسكري في هذه المرحلة، ولن أتوقف عند المشاريع العسكرية التي بين البلدين التي جاءت عجيبة في شكلها ومضمونها، بل أقف عند العزة السعودية التي جدد دونالد ترمب بها ميثاق الدفاع؛ فلم يكن مشروطاً بأي شرط سابق كالتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ وهو أمر كان يصفه الكثيرون ممن لا يعرفون السعودية بأنه بعيد؛ ولا يزالون يكتبون في مواقعهم إن هذا حدث تحت الطاولة، أو حدث في البنود السرية، لكنهم لا يعلمون أن المملكة لم تكتب بنوداً سرية منذ أسست، وهذه معاهدات الملك عبد العزيز مع بريطانيا التي كُشِف كل ما يحيط بها فلم يوجد فيها بنود سرية؛ ثُمَّ : على ماذا تكون هناك بنود سرية، ومم تخاف الحكومة حتى يكون لها مثل هذه البنود؟ أما حديثه عن غزة فلم يكن بالنسبة لي كافياً، وأتمه حديث سمو الأمير محمد وحديث وزير الخارجية حين أخبر أن الحوار بين السعوديين والأمريكان انتهى على ضرورة إنهاء الحرب هناك، والله يعلم ما يكون بعد ذلك. كما أنه أي ترمب ذكر الاتفاقيات الإبراهيمية ، وذكر أن السعودية لم توقع حتى الآن ، ففُهم أن السعودية سوف توقع لاحقاً ؛ ولا مبرر لهذا الفهم لأن سبب عدم مشاركة السعودية هو مخالفة الوثيقة الإبراهيمية للقيم ، وليس القيم الإسلامية ، بل القيم اليهودية والقيم المسيحية؛ وهذه الولاياتالمتحدة لم تشترك في هذه الوثيقة ، وكذلك الكيان الصهيوني ، فلماذا المملكة يُراد لها أن تُغير قيمها؛ والمحاولة الجادة لاصطفاف الأديان في مواجهة الشر، كانت من السعودية حيث أنشأت ملتقى الحوار بين أتباع العقائد والديانات، وهو ملتقى تم إجهاضه من قبل الدول الغربية نفسها، ولذلك قصة ربما يحكيها اللصقاء بها يوماً ما؛ والحديث عن كلمة ترمب، لن ينقضي، ولكنني كمواطن أؤكد على اغتباطي بهذه الكلمه ولا أقول هنا إلا وفق الله ولاة أمرنا لما يحب ويرضى.